الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نصير كلنا أميركيين من دون علامات استفهام وتعجب ؟

جورج طرابيشي

2002 / 6 / 2
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



 

(العنوان: كيف نصير كلنا أميركيين من دون علامات استفهام وتعجب ؟ )
(الكاتب: جورج طرابيشي )
(ت.م: 02-05-2002 )
(ت.هـ: 21-03-1423 )
(جهة المصدر: )
(العدد: 14318 )
(الصفحة: 18 - تيارات )

Jean- Marie Colombani.
Tous Am ericains?
(جميعنا اميركيون؟).
Fayard, Paris.
2002.
168 pages.

هذا كتاب ولد من تأنيب ضمير، من جانب صاحب قلم علي زلة قلم.
فجان ماري كولومباني - رئيس تحرير صحيفة لوموند الفرنسية الواسعة النفوذ - كان كتب، غداة اعتداء 11 ايلول (سبتمبر) 2001، افتتاحية انفعالية تحت عنوان: نحن جميعنا اميركيون .
في هذه الافتتاحية التي كتبها في لحظة مأسوية تقف فيها اللغة عاجزة عن التعبير عن قوة الصدمة ، اعلن ان اول فكرة تفرض نفسها علي الذهن هي الحاجة الي التعبير عن التــــضامن المطـــــلق مع الولايات المتحدة الاميركية في تلك اللحـــــظة العصيبة التي دشّنت مرحلة جديدة في تاريخها، بل في تاريخ البشرية جمعاء. ومن هنا كان الاعلان والعنوان: نحن جميعنا اميركيون.
فأميركا قد ضُربت في رموزها الثلاثة: رمز قوتها الاقتصادية في مانهاتن، ورمز قوتها العسكرية في البنتاغون، ورمز قوتها الوصائية علي العالم، وعلي الشرق الادني تحديداً، علي مقربة من كامب ديفيد.
ولكن ليست اميركا هي وحدها التي ضُربت. فمنفّذو عملية 11 ايلول أرادوا محو حضارة بكاملها عن الخريطة: حضارة الغرب اجمع. وقد اعتمدوا في ذلك التكنولوجيا التي اخترعتها هذه الحضارة بالذات. ونظراً الي ان هذه التكنولوجيا قابلة لاستخدام اوسع نطاقاً واشد تدميراً، بعد تلميح الي احتمال امتلاك اسلاميي بن لادن لسلاح ذري!، فان قادة الغرب كلهم مدعوون الي التحالف مع الاميركيين لمواجهة هذه الهمجية الجنونية وهذه العدمية الجديدة القاتلة.
هذه الافتتاحية الانفعالية، التي كتبت في ليلة الحدث بالذات، قوبلت من قبل قراء لوموند المعتادين علي درجتها العالية من الرصانة، باعتراضات ورسائل احتجاج عديدة وجهوها الي رئاسة التحرير. ثم جاءت تصريحات الرئيس بوش المتغطرسة، والحملة العسكرية الصاعقة علي افغانستان، والانهيار السريع لمقاتلي طالبان ومشهد اسري منظمة القاعدة الجارح للحسـاسية الانسانية في قاعدة غوانتانامو الاميركية في كوبا، لتُحدث انقلاباً في الموازين النفسية ولتُعيد احلال لغة التحليل العقلاني والنـــــقدي الهــادئ محل لغة الانفعال والتضامن اللامشـــروط. وقد بلغ هذا التحول ذروته عندما بدا علي اميركا، المنتشية بانتصارها السريع في افغانســـــتان وبالعدد الصفر - او الصفر تقريباً - من قتلاها في تلك الحرب التكنولوجية الصاعقة، كأنها تريد ان تتصرف وحدها في العالم، وان تشـــــن باسم مكافحة الارهاب حرباً عالمية جديدة ضد محور دول الشر وضد الدول المشاكسة : حرباً تبدأ بضرب العراق، وقد تعرّج علي ايران، وقد تطال سورية، مما سيعطيها طابع الحرب الصليــــبية ضد العالمين العربي والاسلامي، ومما سيورط العالم في حرب حضارات سيعود ضررها الأول، لا علي اميركا البعيدة، بل علي اوروبا التي لا يفصلها عن العالم العربي الاسلامي سوي بحيرة المتوسط.
ازاء هذا الجنوح الاميركي الي الانفراد بالقرار والتصرف من جانب واحد عاد ج. م. كولومباني يضع علامة استفهام حول زلة قلمه: جميعنا اميركيون؟ ويعاود التوكيد: نحن اولاً اوروبيون .
هل معني ذلك ان هناك تناقضاً بين الهويتين؟ كلا، وانما ما يؤلم كولومباني انه ليس بين الطرفين من شراكة. فأوروبا التي وحّدت عملتها، ولكن من دون ان توحد كلمتها، تجد نفسها، في العالم الذي تخلّق بعد 11 ايلول وكأنها لا تزن سوي وزن الريشة في الوقت الذي جنح فيه الوزن الثقيل الاميركي جنوحاً خطيراً الي الانفــــراد بالقرار. ومما يزيد هذا الجنوح خطورة انه يأتي في ظل ولاية رئيس اميركي تتراكم الدلائل يوماً بعد يوم علي انه ليـــــــس الرئيس الذي تستحقه دولة عظمي مثل الولايات المتحدة، لا ســـــيما في عالم غدت فيه هي القوة العظمي الوحيدة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وثبوت عجز اوروبا عن تكوين نفسها في قوة عظمي.
ما المأخذ الرئيسي لكولومباني علي الرئيس الاميركي؟ تصوره للحملة ضد الارهاب علي انها محض حملة عسكرية. فبوش الثاني يفكر في استئصال الارهاب، بالمعني المادي للكلمة، وليس استئصال جذور الارهاب بالمعني الايديولوجي للكلمة. فهو يريد ان يكرر حرب افغانستان في كل مكان قد يوجد فيه الارهاب، من دون ان يدرك ان هذه الصليبية العسكرية ضد الارهاب ستكون احد العوامل المعينة له والباعثة لعنقائه من رمادها علي المدي الطويل.
ويسـفّه كولومباني بوجه خاص موقف ادارة بوش من اسري منظمة القاعدة. فهي تنتهك عن عمد ميثاق جنيف بخصوص اسري الحرب، وتستهتر بالقانون الاميركي وتخل بقواعد الديموقراطية الاميركية بالذات، اذ تحرم الاسري من ابسط حقوق المعاملة الانسانية وتصرّ علي تقديمهم الي محاكمة عسكرية معروفة النتائج سلفاً، علماً بأن نسبة العدالة العسكرية الي العدالة هي كنسبة الموسيقي العسكرية الي الموسيقي حسب التعبير المشهور لرجل الدولة الفرنسي جورج كليمنصو.
ان النضال ضد الارهاب علي ضرورته التي لا يماري فيها احد، لا ينبغي ان يتم علي حساب التضحية بالحقوق وبالحــريات كما يعتقد بوش، وكما يعتقد ويفعّل هذا الاعتقاد التلميذ الاسرائيلي لمدرسة بوش: الجنرال شارون. فحرب طولكرم وجنين قد تفيأت بظلال حرب افغانستان. ومشهد طائرات اف 16 والأباتشي وهي تقصف مدن الفلســــطينيين ومخيمات اللاجئين ليس من شأنه الا ان يعمّق ثقافة الحقد تجاه اميركا واســـرائيل معاً في كل المنطقة العربية، وربما ايضاً في كل المنطــــقة الاسلامية. وقنـــابل هذه الطائرات التي تزرع الموت والدمار في صفوف المدنيين الفلسطينيين تعيد ايضاً زرع بذور الارهاب الذي تدّعي انها تستأصله.
وعلي اي حال فان بوش الثاني قد اخطأ خطيئة عظيمة حينما غسل يديه منذ بداية ولايته من مسألة النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني وبني استراتيجيته في المنـــطقة علي عدم التدخل، تاركاً للطرفين ان يقتتلا الي ان يتعبا. فأميركا لا تستطيع ان تحضر في العالم، وان تغيب في اسرائيل / فلسطين. فغيابها هو احضار للحرب ولأنصارها لدي كل من الطرفين. وعلي العكس تماماً من مسلك ادارة بوش، فان اشد ما يحتاج اليه انصار الســــلم لدي كلا الطرفين هو حضور اميركا المكثف وتدخلها بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي وروسيا ومنظمة الامم المتحدة وهذا ما لا يفتأ يردده شلومو بن عامي، داعية الســـــلام في الجانب الاســــرائيلي. فمن دون اميركا لن يستطيع ياسر عرفات والمعتدلون الفلســـــطينيون ان يواجهوا حماس ومعسكر المتطرفين. ومن دون اميركا لن يستطيع شمعون بيريز وشلومو بن عامي وسائر المعتدلين الاسرائيليين ان يقدموا بديلاً له صدقيته عن سياسة الحديد والنار الشارونية.
ومهما يكن من امر فليـــــس لاميركا ان تنسي، وإن تكن خرجت مكلّلة بالظفر من الحرب ضد الارهاب في افغانســـــتان، انها تدين بانتصارها هذا، لا لتكنولوجيتها الحربية وحدها، بل كذلك لتحالف كل من حالفها من الاوروبيين ومن الروس، ومن المعارضين الافغانيين لـ طالبان ومن دول آسيا الوسطي الاسلامية، وكذلك من الدول العربية المعتدلة التي حشرها ارهاب البن لادنيين في الزاوية الضيقة. ووجود هذه المروحة الواسعة من التحالفات - وقد يكون هو بذاته وجهاً من وجوه العولمة - لا يسمح، ولا يجوز ان يسمح بآحادية السلوك من جانب واحد، حتي لو كان هو الجانب الاميركي.
فأميركا كدولة عظمي لها حقوقها، ولكن لها ايضاً واجباتها. وفي مقدمة هذه الواجبات سماع صوت الحلفاء والتمكين لهم من ان يكونوا شركاء. فآحادية السلوك من جانب واحد هي شكل معاصر للنزعة الانعزالية الاميـــركية القديمة. والحال ان اعتداء 11 ايلول قد اثبت، مثله مثل الاعتداء الياباني علي بيرل هاربر في 7 ايلول ايضاً من عام 1941، ان طريق الانعزالية، وبالتالي الطرق الآحادية الجانب، مسدودة. والمشـــــكل ان الرئيس الاميركي الحالي بوش ليست له قامة الرئيــــــس السابق روزفلت الذي عرف في حينه - اي في حين بيرل هاربر - ان يســــتخلص الدرس. لكن الرئيس بوش لا يزال ايضاً في بداية ولايته، وامامه بالتالي متّـــــسع من الوقت ليكتسب بالخبرة ما لم يؤت له بالفــــطرة. فهل هو فاعل؟ واذا كان حريصاً علي ان يكون فاعلاً فها هي فرصة تاريخية نادرة متاحة امامه: فليمسك بملف الشرق الاوسط بيديه، وليفرض علي الاســــرائيليين والفلسطينيين الحل العادل والمتوازن الذي تلكأ سلفه بيل كلينتون في فرضه عليهم. وتلك هي الفرصة ايضاً لاميركا كي تستأصل واحداً من الاسباب التي تجعل منها الأمة الاكثر مكروهية في العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الرياض.. إلى أين وصل مسار التطبيع بين إسرائيل والس


.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين يرفضون إخلاء خيمهم في جامعة كولومبيا




.. واشنطن تحذر من -مذبحة- وشيكة في مدينة الفاشر السودانية


.. مصر: -خليها تعفن-.. حملة لمقاطعة شراء الأسماك في بور سعيد




.. مصر متفائلة وتنتظر الرد على النسخة المعدلة لاقتراح الهدنة في