الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجه الشرق...

يوسف هريمة

2008 / 12 / 2
الادب والفن


بين الصفوف كانت كلماته تخترق سمع الطلاب:
الدين أفيون الشعوب...
لا إله والكون مادة...
الأخلاق صراع الطبقات...
كلما فتحت الجامعات أبوابها كان " رفيق " يمتطي صهوة الخطابة، مرة يحاضر في ثورية تقودها الطبقات البروليتارية، أو في مطالب الطلاب الضائعة، وتارة أخرى يفتح للعقل بنياته المغلوقة، فيكسر الممنوع ويقتحم حمى الطابوهات والمحرمات وينتقد كل بنيات المؤسسة الاجتماعية...
عرف بين الكثيرين بجرأته ففضاء الجامعة مزيج من ألوان شكلتها عقائد المجتمع وإيديولوجياته المتناقضة. كان طلاب التربية الإسلامية ينعتونه بالزنديق والملحد، فكلماته لا تنفك عن حملها لنقض ثقافة وارت تحتها استبداد طبقي أفرزته المؤسسات الدينية كما كان يقول...
فن الخطابة فن الاستقطاب... كانت " مريم " من بين المعجبات الكثيرات بطريقة نظم الكلام ورص الحروف...
تحضر دوما لتنتشي خمرة منطق افتقدته في شعبتها...تحضر لكن لا تدري لم تحضر... فتاة جميلة ببراءةٍ عذراءٍ تريد أن تفتح مغاليق السياسة والدين...اختارت شعبة التربية الإسلامية وإن كانت ميولاتها إلى الفلسفة قد تفتحت منذ دراستها الثانوية، لكن الأب الفقيه قد أعذر وأنذر ووجَّه رسائله المبكرة إلى عقل الفتاة:" إني خيرتك فاختاري أن يكون اختيارك هو اختياري... "
اختار العقل البريء أن لا يكون له خيار وولج عالم الجامعة، وظل الحنين والشوق إلى مقولات ديكارت وماركس وهوبز وسقراط وكونت وأفلاطون...وجدت هذه المرة نفسها أمام واقع فرض عليها بقوة الكره الاجتماعي، فلا مكان للعقل داخل مدرجات مليئة بأصحاب اللحى والجلابيب، ولا صوت إلا صوت النص، الشرع المقدس، الحلال، الحرام...
كانت تبحث عن المأوى العقلي فلم تجد إلا حلقيات " رفيق " تستظل بها من جور الحيرة وسوء الاختيار...
أعجب بجمالها وإن تلبست بثوب الحشمة والحياء، مرة يناقشها في الحجاب ومرة في التحرر النسوي، ولا ينسى دوما أن يكرر عليها مقولته المفضلة:" الأخلاق صراع الطبقات...". ظلت علاقتهما حبيسة هذه المواضيع، وبدأ الشوق يحفر بصماته في خيال سجنَهُ الأهل وأعدمته الدراسة.
" ما رأيك بعصير ليمون خارج أسوار الجامعة؟..." هكذا طرق " رفيق " مسامع مريم...
تجيب في دهشة:" أين؟..."
إلى البيت...
وبدأت كلماته تتسلل إلى وجدان فارغ لتملأه بالحرية والحقوق والحضارة والمسؤولية والخروج عن النسق...، فلا ضير ما دام الشاب يمتلك الناصية وما دامت أرض الفتاة بورا تحتاج إلى السقاء.
لم لا؟...نهاية حديث طويل اقتنعت من خلاله " مريم " بضرورة الخروج من النسق ومن أسوار الجامعة التي تشبه السجن المؤقت، فزميلاتها في الدراسة يعشن حياتهن بشكل عادي وطبيعي دون حرج أو عقد تفرزها أسر محافظة في عالم اللاحدود.
ذهبت وخلعت كل ما ارتسم على الوجه البريء من معالم الثقافة المحافظة، وتناست الأهل والدراسة وترسبات الماضي، وأرادت أن تلتقي بالجسد هذه المرة بعد أن أعياها ضم الكلمات والحروف.
توجَّها إلى عمارة فيها بيوت يذكر اسم الجنس فيها بالغدو والآصال، تكتريها نساء لكل من يريد أن يفرغ لذة مكبوتة أو يعبث بالجسد المشلول...
في سلَّم العمارة شخص يعانق فتاة تتهيأ لارتداء الحجاب بعد أن انتهى دورها داخل بيوت مظلمة...
يحدق " رفيق ":" شريفة من أتى بك إلى هنا؟... "
أخي رفيق...يا للمصيبة...
" رفيق " في ثورية:" نحن عائلة محترمة...هل ستدنسين الشرف؟ هل ستشمتين بنا الأعداء؟..."
وانهالت الضربات على السُّلم تفقد من خلاله " شريفة " الوعي أمام أعين " مريم "...
لم تجد هذه الأخيرة عبارات تترجم بها هول المشهد، فبطل الأمس تحول إلى مصارع للقيم، والحقوقي اللامع اختزل اللعبة في الآخر وجردها عن الذات، أما الخطابة فتاهت وتلعثمت خجلا، وفرَّ الماركسي بثوريته وهو يسقط من عيون بريئة كتبت نهاية المشهد:
"...وجه الشرق لا تنفع فيه المزينات، فالعجوز إن اكتحلت عميت وإن استاكت فالأنياب قد أرشاها الزمان..."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط


.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش




.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح