الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجيش العراقي في ذكرى تأسيسه.. وقفة وتأمل

محمد خليل عبد اللطيف

2008 / 12 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


أن يلجأ المستعمر الى تشكيل جيش من ابناء مستعمرته فانه بالامر الغير مستغرب بل انه معتاد عليه على مر التاريخ الاستعماري اللااستيطاني. غير اننا يجب ان نأخذ في الحسبان بأن افراد هكذا جيش ليسوا من الخونة ولايجوز استهدافهم والنيل منهم وانما القائمين عليه والغرض الذي أسس من أجله هما اللذان من الواجب كشفهما واستهدافهما.
من هذا المنطلق يجب النظر الى الجيش العراقي الذي تأسس في 1921 والجيش العراقي الذي تأسس بعد الاحتلال الانكلواميركي ومن هنا ادخل الى الموضوع الذي انا بصدده والذي هو أشبه بالمحرمات التي لاتعد ولاتحصى في ثقافتنا الشرقية فلطالما شبعنا شعارات عن الجيش العراقي الباسل والبطل والبار وماشابه في حين ان تشكيله قد تم استجابة لرغبة بريطانية استعمارية بعد ان كلفتها ثورة العشرين خسائر لم تكن في حسبانها، فاتبعت المنهج القديم المتمثل في انشاء جيش من ابناء المستعمرة ليكون اداة في تنفيذ المهمات القذرة للوصول الى غاياتها المنشودة. وقد كان الجيش العراقي اداة متميزة في أداء المهمة داخل العراق رغم انه كان مقاتلا عنيدا عندما قاتل فيما بعد خارج حدود الوطن وربما يعزى ذلك لرغبة التعويض وربما للتأثير الطائفي السني الذي غلب على قيادات الجيش منذ تأسيسه بفعل ضباط الجيش العثماني وبفعل محاولات المرجعية الشيعية الناجحة لثني الشيعة عن الانضمام للجيش وللدوائر الحكومية فضلا عن ازدياد هذا التوجه منذ انقلاب بكر صدقي.

قد لااكون مبالغا ان قلت ان الجيش العراقي لم يقف يوما مع شعبه رغم كل مايقال ويكتب فانني لااجد حادثة تأريخية واحدة تشير الى رفض الجيش لقرار سياسي بضرب طائفة او حركة شعبية كما انه لم يساند اي حركة شعبية طوال تأريخه ان لم يقم بقمعها..وكانت ابرز مهمة رئيسية اسندت اليه هي ضرب وقمع الاشوريين في عام 1933 ليتبعها انقلاب بكر صدقي الذي فتح الباب عى مصراعيه لدخول الجيش المباشر في الحياة السياسية. صحيح أن معظم قادة العراق كانوا من عسكر الجيش العثماني ولكنهم كانوا بأغلبهم قد تسيسوا مع مجئ الملك فيصل الاول الى العراق ومن الصحيح ايضا أن السياسات الطائشة والرعناء للقصر والحكومة منذ وفاة فيصل ـ رحمه الله ـ كانت احدى مسببات بل ونتائج ذلك الانقلاب الا انه كان البداية لمرحلة من الانقلابات واسلوبا اسهل لحل المشاكل السياسية. وما كان انقلاب رشيد عالي الكيلاني ـ الذي يحلو للقوميين تسميته بثورة مايس، علما أن مايس أسمه ايار باللهجة العراقية ـ الا شاهدا على هذا الامر فبالرغم من السياسات الرعناء والمستبدة لنوري السعيد وعبد الاله كانت عاملا اساسيا للاطاحة بنظامهما الا ان نوايا الانقلابيين سرعان ما تكشفت اثر ظهور الموالين للنظام النازي وربطه بالقضية العروبية القومية الذين لم تكن تهمهم مصلحة العراق بقدر المصلحة العروبية.

وكان وقوف الجيش موقف المتفرج في وثبة الجسر بعد مشاهدته للتعامل الشرس والعدواني للشرطة مع المتظاهرين وكذلك في انتفاضتي 52 و 56 الاثر الكبير لكي نقر بالانفصال والبون الشاسع بين الشعب وقيادات الجيش لنعرج على انقلاب 58 والذي اشتهر باسم ثورة تموز فلم يكن ناتجا عن ضغط شعبي ولكن الجماهير التي خرجت باعداد كبيرة لم تخرج مؤيدة بقدر خروجها فرحة بالخلاص من الاعيب نوري السعيد وعبد الاله وكذلك يمكن القول أنه بالرغم من الاسباب المقنعة للانقلاب وتأثيره الايجابي على احوال ومعيشة الشعب وقيامه بالمشاريع العديدة التي مازال العراق منتفعا بها الى يومنا هذا الا ان الاتجاه الفردي والمنحى نحو الدكتاتورية وازدياد التغلب الطائفي في قيادات الجيش اذ كان معظمهم من الموصل و تكريت والتوجه العروبي العنصري لديهم أدى الى انفصال كبير وهوة واسعة بين الشعب وقيادات الجيش ورأينا ذلك في انقلاب 63 الفاشستي، فبرغم المظاهرات وحرب الشوارع ضد الانقلاب الا ان الشعب قد تم اسكاته بالرصاص والارهاب والحديد والنار وجاء من جاء من الجيش على قطار امريكي لايعلم متى سينقلب ـ حسب مقولة السعدي ـ أما طائفية الجيش حينذاك فسنلمسها في محاولة انقلاب النايف وانقلاب 68 والذي سمي بالثورة البيضاء فلم يكن حينذاك جناح واحد من الجيش ضد ذلك الانقلاب وقادته ثم كانت حرب الشمال والتي حارب فيها الجيش ونكل بابناء شعبه من الاكراد لسنوات عديدة وكان انتقامه منهم مريرا بعد توقيع معاهدة 75 مع شاه ايران هذا فضلا عن تهجيرهم ونفيهم واحداث تغيير ديمغرافي في مناطقهم.

ثم أتت الحرب الباغية ضد ايران والتي أشعلها طاغية العصر عام 80. حينها كان الجيش قد أصبح حفنة من المرتزقة واللصوص الذين قتلوا الكثير من المدنيين الايرانيين وسرقوا كل ماطالت أيديهم من المنازل والحوانيت والمؤسسات الايرانية وشجعوا جنودهم ومراتبهم على السرقة التي لم تكن بسبب الحاجة قدر كونها نتيجة خسة و دناءة النفس فقد كانت مرتبات الضباط وامتيازاتهم هي الاعلى..بل لم يكتف الجيش العتيد بسرقة الايرانيين فقد استباح ممتلكات ابناء شعبه المغلوب على امره واستهلها بمدينة الفاو عندما أصبحت عرضة للقصف اليومي الكثيف عام 82 وافترش اهلوها صحراء الزبير والشعيبة بخيمهم فما كان من الجيش الباسل ورديفه الجيش الشعبي الا ان قام بنهب بيوتها وحوانيتها، والشئ نفسه حدث مع مدينة البصرة عام87 عندما هاجرت الاسر الميسورة تحت وطأة القصف العنيف الى مدن اكثر امانا قام الحامي للبوابة الشرقية بنهب البيوت الخالية من اصحابها..وما كادت تمر ثلاث سنوات حتى نهب الجيش الباسل ورديفه دولة الكويت وشعبها..لم يبق متجر الا ونهب..لم تبق دار خالية الا ونهبت..لم تبق وزارة الا وسرقت باسم الوحدة وارجاع الفرع الى الاصل..حتى ارصفة الطرقات قلعت وجلبت الى العراق العظيم .

كل هذا قد مر على العراق دون ان يعير احد اهتماما كافيا الى الفجيعة التي حلت بالاكراد، فهم كانوا قد اعتادوا على مجازر الجيش بحقهم، الا ان تلك الفجيعة كانت فوق اي احتمال فلم يكن معروفا في التاريخ ان يقصف جيش شعبه بالاسلحة الكيمياوية ثم يطلق عليه لقب الباسل..ثم اتت الطامة الكبرى المتمثلة بالمجزرة الكبرى لانتفاضة 91 التاريخية.

كان الجيش حينذاك قد اصبح طائفيا بصورة مقيتة..ارتضى بان يكون قادته من كبار اللصوص والسراق..جيش كان قادته يرتشون من جنودهم الميسورين وخصوصا اثناء
حرب ايران القذرة، فقد وصلت التسعيرة بحدها الادنى 300 دينار عراقي هذا باضافة الى راتب ذلك الجندي الميسور ليجلس في داره ووسط عائلته وليقاتل الجندي المعسور نيابة عنه..جيش كان قادته يستعملون الجنود الحرفيين ليخدموا في دورهم ومزارعهم كالعبيد بلا أجر مقابل عدم ذهابهم الى جبهات القتال..جيش ارتضت قياداته ان يكون رؤسائهم سقط المتاع وحثالة وقاع المجتمع امثال عدي صدام حسين وعلي حسن المجيد وحسين كامل وعزت الدوري.

هذا غيض من فيض الا ان من الواجب علينا أخذ العبر واستخلاص الدروس وعدم الكذب على انفسنا وشعبنا والاخرين ونسمي الجيش بعصبية عنصرية بغيضة جيشا باسلا..انني اربأ بالمخلصين من مثقفي العراق ان يرددوا كالببغاوات مايقال وأن يواجهوا التاريخ بصدق وشفافية والكف عن خداع الذات وخداع الاخرين... والوطن والشعب من وراء القصد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا