الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في انتظار جمهورية السراب

حمزة الحسن

2004 / 3 / 6
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عجيب أمر هذه الجمهورية الغامضة التي ينتظرها الجميع على نار أحر من الجمر وعلى شوق عارم، فالبعض يريدها من منفاه ليبرالية بدون شكل ولا ملامح ولا اقتصاد ولا ثقافة ليبرالية ولا حتى صالون واحد لليبراليين، وإن وجد فعلى مقربة منه محل لبيع السلاح الخفيف والمتوسط مع خراطيش رصاص تكفي لمسح قرية كاملة في ثوان من على سطح الأرض ومن الذاكرة والسجلات الباقية غير المحروقة.

وفريق آخر يريدها، على مزاجه، لأن صورة نظام ما، أو فكرة ما، أعجبته، ديمقراطية تعددية، بدون مؤسسات، ولا حتى دائرة بريد، ولا سيارة إطفاء، أو بنية اقتصادية حامية وراعية ومنظمة لهذه الديمقراطية، مع أن الكل مدجج برغبة الانتقام من الكل، واحد حسب الشريعة، والآخر حسب الايديولوجيا، وفريق ثالث باسم التحرير، ورابع تحت عنوان الأمن الوطني حتى لو كانت العدالة مفقودة.

وفريق ثالث يكتب كل يوم، كل ساعة، بطريقة ينبغي ويجب وعلى العراقيين أن يقوموا  بما يرغب ويريد وهو في مشرب أو صالون حلاقة على مبعدة آلاف الأميال من أرض الوطن، ويريد منهم، منزعجا، أن يتخلوا عن طائفيتهم، وهو طائفي سياسي، ويتخلوا عن أحقادهم وهو معبأ حتى الأسنان بكل ما هو أصفر وكريه، وأن يكونوا عادلين وهادئين على مقاعد الدرس وفي المعامل وفي الأسرّة،  والمرض ينخر فيهم، والجوع يأكلهم، والظلم، والسجون المرتجلة، والقصف، والتلوث، ورعب الماضي والحاضر والمستقبل.


وفريق رابع يريدها، هنا وهناك، اشتراكية، بلا اشتراكيين، ولا برنامج، ولا جيش، ولا خطوط جوية، ولا حتى مصلحة لنقل الركاب غير بضعة حافلات نجت بمعجزة من اللصوص!

وفريق متيم بفكرة العولمة، يريدها جمهورية منفتحة على العالم وعلى الحداثة على غرار التجربة الاسكندنافية، وتوفير ضمانات للشيوخ والأرامل والحوامل والعجزة والعاطلين عن العمل، وهو لا يعرف أن يرسل فكرته هذه، هل عبر البريد العادي، أم عبر مؤسسة الحكم، أم عبر الحاكم المدني، أم عبر سلطات ( التحالف) التي لديها، هي الأخرى، تصوراتها التي تعد بالعشرات عن شكل ولون ورائحة هذه الجمهورية العجيب والغريبة؟!

بل ذهب الفرح والنزوة والغطبة بفريق أن صار يقترح، ليلا نهارا، على الولايات المتحدة وعشرات الدول الحليفة لها، أن تكون هذه الجمهورية على غرار جمهورية أفلاطون أو في الأقل الفارابي، وفي أسوأ الأحوال يوتوبيا فردوسية يتعايش فيها الحمل مع الأسد، ويتجاور في سلام سماوي سوق العورة مع سوق المنصور، ويستطيع فيها أي مظلوم أن يطارد رئيس الدول المرتقب بالبيض والأحذية والكعك الفاسد بدون أن يدفع سوى ثمن البذلة.

وهناك من يريدها جمهورية يحكمها الشعراء فقط بدون سياسيين ولا أحزاب ولا برامج حزبية، وبذلك يتحقق  الحلم البشري القديم في جمهورية مثالية تمثل السعادة البشرية بعد تلال الجماجم والمقابر.

وتأتي هذه الأحلام القرمزية كل يوم على موسيقى الانفجارات وتطاير الأشلاء والأماني والأحلام والتراب والحجر والأمن والأطراف، كأن كل هذا  الموت العاصف يجري على شاشة سينما وليس في ارض الواقع، وكأن هؤلاء الموتى ليسوا موتى، بل ممثلين، وهذه الأضرحة التي تنسف بين وقت وآخر ليست أكثر من نماذج مقلدة يجري تفجيرها لأغراض التمثيل لا أكثر ولا اقل.

ولو وصلنا إلى شكل ورائحة وهوية ولون رئيس الدولة لوجدنا عجبا آخر، فهناك من يريده قادما من حرم جامعي بلا حماية ولا حراس على طريقة الطاغية السابق، بل يكتفي فقط بفرقة موسيقية تعزف خلال وصوله المكان ألحانا رومانسية والسلام الجمهوري المختلف عليه هو الآخر: فريق لا يريد فيه كلمة سلاح ووطن وأمة وعروبة، وآخر يريده تاريخيا، ودينيا، وفريق ثالث وخامس وعاشر يريده قوميا، عروبيا، تعدديا، ثوريا، أو طائفيا.

ورئيس من هذا النوع في ظروف الوطن الحالية لا يعيش لا سامح ألله  بعد خطاب  واحد في جمهور حاشد، حيث سيتجندل مثل كيس بصل من رصاصة طائشة لا يعرف مصدرها إلا السميع العليم!

وهناك من يريده قادما من ثكنة عسكرية، جنرالا منضبطا وطنيا، غيورا، شرفيا، نزيها، غير حاقد، غير طماع، وليس انقلابيا، على أن يكون ديمقراطيا، ليبراليا، تعدديا، فوق الميول والاتجاهات، والقوميات، والاغراءات، ومثل هذا الجنرال الفزاعة غير موجود  في العراق، بعد كل تلك الجروح النفسية وثقافة العاهات والعنف، حتى في أفلام كارتون!

وفريق يريده من الوسط الغنائي يطرب الجمهور كل يوم بعد تلك الخطب الكريهة للطاغية السابق، على أن تكون حمايته من ضاربي الطبل والزنجاري والدفوف ومن أصحاب هز الخصور وضرب الطنبور، ومثل هذا الرئيس لا يصلح هذه الايام حتى في ضاحية الكمالية للغجر ـ الكاولية ـ أو في حيّ الفوار أو السحاجي!


بل هناك من يطالب أن يكون الرئيس القادم من الذين تساقطت أسنانهم وظهرت مرة أخرى اللبنية منها، إشارة وتلميحا إلى السيد الباججي، باعتباره خبيرا في شؤون الرياضة الروحية وكل أنواع اليوغا واللاوعي والسرحان والتسلطن والشطح والسريالية السياسية والباراسيكلوجيا لأنه عاش نصف عمره في صالون مكيف يشبه محرابا للتأمل، و ما لاحته شمس في الصيف ولا هزه برد، والذي بين حواجبه طرفة نهر!

وبين هؤلاء جميعا تقف القوات الأمريكية، والمشاريع الأمريكية، والاسرائيلية، والغربية، والعربية ، والإسلامية، والمنظمات المتطرفة، وحزب الحب، وجماعة الرفق بالحيوان، ومنظمة الأمم المتحدة، وحزب الخضر، والدول الصديقة، والشقيقة، فهذه تريد قضم مساحات جديدة من أرض الوطن، وتلك تريد تعديل الحدود حتى تأتي منسجمة مع خطوط الطول والعرض، وأخرى تريد  هذا الحقل أو ذاك من حقول النفط، ورابعة وعاشرة تخاف من أن يتحول العراق إلى معطف ممزق حتى لا نعود نعرف في أية جهة سيقع تمثال الرصافي، ولا إلى أي دويلة ينتمي حسين مردان والسياب وناظم الغزالي وحتى يوسف عمر!  

لا أدري لمن يكتب هؤلاء  اقتراحاتهم ومن يقرأ أو يناقش في العراق مثل هذه المقالات خاصة وأن هناك مؤسسات سردابية مافوية استخباراتية دولية تغوص تحت الأرض لتصنع لنا جمهورية على شكل خازوق لكي يستريح عليه الجميع فرحين مسرورين من عناء السهر والفرح والتفكير والقلق بدون أحلام ولا تأوهات ولا طوابع بريد لأنه لا أحد يقرأ، لا أحد يكتب هذه الأيام عدا الموت!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام