الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات مهاجر سري : الهجرة بعيون من عاشوها

مصطفى العوزي

2008 / 12 / 6
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


بين الماضي و المستقبل ، وواقع مر جاف و حلم بالحياة الراقية ، تتموضع يوميات مهاجر سري لرشيد نيني ، معلنة بذلك بروز صنف جديد من الكتابات يتسلل إلى أعتم المناطق المحيطة بنا ليكشف لنا كنهها و يبرز لنا عيوبها بدقة أوضح مما قد تبرزه لنا عيون الباحث المتخصص في كثير من الأحيان كما صرح بذلك السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو ولو بطريقة غير مباشرة ، و رغم صعوبة تحديد هذا الجنس الجديد القديم ، نظرا لتقاطعه مع أشكال أدبية أخرى ، غير أنه و بتعميق النظر يتجلى لنا طغيان البعد الروائي عليه نظرا لكون الحكاية تحضر بقوة في هذا الصنف الأدبي .
تبدأ أحداث اليوميات من زمن الماضي عندما يعود بنا السارد إلى لحظة تتبع نشرة الأخبار التي تبث خبرا عن تحطم قارب للمهاجرين الغير شرعيين في السواحل الاسبانية و منظر الجثث الذي يثير الاشمئزاز من اللحظة الراهنة الصغيرة ( لحظة مشاهدة الأخبار) و اللحظة الراهنة الكبيرة ( لحظة الواقع الاجتماعي للبلدان المصدرة للمهاجرين ) ، و من تلك اللحظة الماضية ينطلق بنا السارد إلى سرد جملة من الأحداث و المواقف التي ميزت تواجده بالديار الاسبانية كمهاجر غير شرعي بعدما دخل تراب نفوذها بشكل شرعي ، حيث مكنته دعوة حصل عليها لحضور ملتقى ثقافي بصفته صحفيا إلى الحصول على تأشيرة ، يغير بعد حصوله عليها وجهته التي كان من المقرر التوجه لها ، فبدل الملتقى الثقافي يفضل البطل خوض تجربة الهجرة و منها حضور ملتقى أخر ، وهو ملتقى البحث عن حياة أفضل في الديار الأروبية ، تجربة الهجرة هذه و مسلسل الرعب و الخوف من سيارة الشرطة التي كانت دوما مصدر قلق بالنسبة له على اعتبار أن تواجده هنا بهذه البلاد أصبح غير شرعيا ، تتطور الأحداث ليتحول الصحفي و الطالب و الطفل الخجول و المثقف العضوي ، إلى عامل في حقول البرتقال يعمل على جني البرتقال تحت إمرة امرأة اسبانية . يتعرف البطل على أصدقاء جدد من الجزائر و العراق و اسبانيا أيضا ، يرافق بعضهم في مغامرات عديدة ، و التي غالبا ما جلبت له قلقا نفسيا كبيرا ، و يشتغل بعد ذلك في مطعم لإعداد البيتزا ، وهنا ينتهز فرصة ليستهزئ من النظام التعليمي لبلده الذي لا يعرف كيف يلاءم التخصصات الدراسية مع سوق الشغل ، كما يسخر أيضا من بعض ما تعلمه ( أنواع البيتزا / بحور الشعر ) كتعبير منه على تيه بين الفكر و الواقع ، في الأخير يستقر به المقام على فكرة نهائية مفادها العودة إلى الوطن رغم كل الجروح التي تمخره ، لان الإيمان بالتغيير لازال موجودا .
يوميات مهاجر سري هي نص مبني أساسا على مجموعة من المتقابلات ، تكاد تكون هي الداعم الأساسي لجودة و قوة الحكاية ، في مقدمات هذه الثنائيات نجد الثنائية الكلاسيكية : شمال / جنوب ، هذه الثنائية التي تناولها جيل كبير من الروائيين العرب أمثال الطيب صالح ( موسم الهجرة إلى الشمال ) ، و يحي حقي ( قنديل أم هاشم ) ، و توفيق الحكيم ( عصفور من الشرق) ، نجد هذه الثنائية عند رشيد نيني في يوميات مهاجر سري ، عندما يتحدث عن نظرة الأسبان إلى المواطن العربي و المغربي بشكل خاص ، حيث يتم رميه بلقب قديم ( المورو) وهو لقب تحقري ، و هذا ما يفسر قيام هذه الثنائية على نوع من الصراع الخفي و اللامتكافئ ، حيث أن هذا المهاجر السري القادم من الجنوب ليعمل هنا في أرض الشمال يكون أقل قدرة و استطاعة بكثير من ذلك الباطرون الشمالي الذي يمارس على الجنوبي عنفا ماديا قبل أن يمارس عليه عنفا رمزيا .
يوميات مهاجر سري هي نقل واضح لواقع فئة كبيرة من شباب البلدان العربية و الافرقية التي تغامر في عباب المتوسط طمعا في الوصول إلى بلد النور( كما تصور لنا الأغنية الشعبية ذلك ) ، هذا النقل أو التصوير تم في قالب فني و أسلوب يتأرجح بين الغضب و الفرح و الحزن و الكأبة ، في النهاية تسموا اليوميات التي كتبها صاحبها عبر حلقات إلى فكرة تقترب بشكل كبير إلى النصيحة ، ذلك عندما يحذر من صعوبة الهجرة و فشلها كتجربة حياة تنبني على أساس القضاء على الفقر و الوضع المتأزم و توقع الفرد في سلسلات من المتاعب ، إذا لم تصدقني اذهب بنفسك لترى ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل


.. رويترز: قطر تدرس مستقبل مكتب حماس في الدوحة




.. هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب لن ترسل وفدها للقاهرة قبل أن


.. حرب غزة.. صفقة حركة حماس وإسرائيل تقترب




.. حرب غزة.. مزيد من الضغوط على حماس عبر قطر | #ملف_اليوم