الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محنة لغتنا الجميلة

محمد نبيل الشيمي

2008 / 12 / 8
الادب والفن


لمن أشكو قلة حيلتي وهواني على الناس ـ هذا حال لغتنا العربية الجميلة التي تكاد تكون غريبة في وطنها لقد دفعني للكتابة عن محنة اللغة العربية تلك الهجمة الشرسة التي تتعرض لها من تشوية متعمد واهمال مستمر واعتداء على مفرداتها .. ولو سرت في شوارع القاهرة لرأيت العجب العجاب إسماء المحال بلغة غير العربية واذا نظرت على العمارات في الشوارع وجدت ان الابراج السكينة تغير اسمها إلى تاور ..وعندما نتحدث عن التسويق نقول شوبينج وعن الرجل نقول مان .. وهلم جراً ... فضلاً عن ذلك التعمد المقصود من قبل بعض المذيعيين والمذيعات على ليّ السنتهم ونطق الالفاظ والكلمات العربية بلغة غريبة عن اساسيات اللغة ... وكأن اهمال لغتهم الاصلية من قبيل التقدم والعصرنه.. ان اللغة هي الوطن والاصل وهي الوسيلة التي تنقل من خلالها الافكار من السلف الى الخلف وهي الرباط والعروة الوثقي بين افراد المجتمع وهي التعبير الحي عن خواطر وخلجات الانسان .. وهي لسان افراحهم واتراحهم وهي مستودع الاحاسيس والمشاعر والافكار والميول .. هي الماضي المسطر عن الانتصارات والانكسارات وهي التاريخ بما يحمل من عبر وهي التي تميز شيئاً عن أخر - وتشد ابنائه نحو الوة والانتماء وحفظ الهوية ويقول الاستاذ ابرهيم بن سعد الحقيل في دراسته القيمة تحت عنوان "الهجمة على اللغة العربية" " اللغة قيمة جوهرية كبري في حياة كل امة فانها الاداه التي تحمل الافكار وتنقل المفاهيم فتقيم بذلك روابط الاتصال بين ابناء الامة الواحدة وبها يتم التقارب والتشابه والانسجام بينهم .. ويستطرد قائلاً ان اللغة هي الترسانة الثقافية التي تبني الامة وتحمي كيانها .. ويضيف نقلاً عن الاديب مصطفى صادق الرافعي "ان اللغة مظهر من مظاهر التاريخ .. والتاريخ صفة الامة كيفما قلبت أمر اللغة من حيث اتصالها بتاريخ الامة واتصال الامة بها .. وجدتها الصفة الثابتة التي لا تزول الا بزوال الجنسية وانسلاج الامة من تاريخها .. وللتأكيد على ذلك فإن أحد المفكرين يقول "ان اللغة القومية وطن روحي يؤوي من حرم من وطن له على الارض .
.. ان ما تتعرض له اللغة العربية الان على ايدي ابناؤها لاشد وطأة على النفس مما لو كان بفعل الاجنبي .. وقد كانت دعوة البعض الى العامية احدى فصول المؤامرة على اللغة العربية وساعد المستعمرون سواء انجليزا او فرنسيين اصحاب هذه الدعوة وقدموا لهم من التسهيلات الكثير لتمرير الفكرة فضلاً عن احلال لغتهم بدلاً من العربية .. ولكن خرج عدد من المفكرين وتصدوا لهذا التوجه .. وكان نجاهم في مصر تحديداً من العوامل التي حفظت اللغة العربية مكانتها في قلوب المصريين .
وقد كان لشاعر النيل حافظ ابراهيم قصيده غراء تحدث فيها على لسان العربية وهي تندب حظها .. من ابياتها :
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
فلا تكلوني للزمان فإنني
أخاف عليكم أن تحين وفاتي
وفي دعوته للحفاظ على العربية وارتباطتها بعز الوطن قال حافظ :
أرى لرجال الغرب عزاً ومنعه
وكم عز اقوام بعز لغاتي
وهو في ذلك يؤكد على ان عز الامم مرهون بالاعتزاز باللغة القومية ويوالي حافظ ابراهيم صرخاته باسم اللغة فيقول
ايطريكم من جانب الغرب ناعب
ينادي بوادي في ربيع حياتي
ارى كل يوم بالجرائد مزلقاً
من القبر يدنيني بغير أناه
واسمع للكتاب في مصر ضجة
فاعلم أن الصائحين نعاتي
ايهجرني قومي عفا الله عنهم
إلى لغة لم تتصل برواة
سرت لوسه الافرنج فيها كما سري
لعاب الافاعي في مسيل فرات
فجاءت كتوب ضم سبعين رقعة
مشكلة الالوان مختلفات
ويستخرج حافظ ابراهيم ضمائر العرب بأن يحافظوا على اللغة
إلى معشر الكتاب والجمع حافل
بسطت رجائي بعد بسط شكاتي
فإما حياة تبعث في البلي
وتنبت في تلك الرموس رفاتي
وإما ممات لا قيامه بعده
ممات لعمري لم يقس بممات
... وقد كان للمفكر الراحل الاستاذ أحمد بهاء الدين راي في محنه اللغة العربية في مصر وذلك ضمن يومياته بجريدة الاهرام والتي تم جمعها في كتاب يحمل اسم "يوميات هذا الزمان" يقول .. أنه كان للانفتاح الاقتصادي في مصر اثاراً جانبية كلانفتاح اللغوي الغريب وصار استعمال اللغات الاجنبية الحرف العربية رمزاً من رموز الشياكة والعصرية والرخاء .. وهذا لم يحدث في اكثر البلاد العربية قرباً من ثقافة الغرب (للاسف لم تعد هذه الظاهرة قصراً على مصر بل اصبحت سمة غالية في كافة الدول والمدن العربية )
وقد تنبه الدكتور جويلي احد علماء مصر الافاضل عندما كان وزيراً للتموين والتجارة الى خطورة هذا الوضع وتاثيراته السلبية على الاجيال القادمة حيث ان اهمال اللغة العربية تقطع الماضي بالحاضر .. وعليه اصدر قراراً وزارياً يقضي بكتابة اسماء المحال وما على شاكلتها باللغة العربية .. ولكن بعد تركه الوزارة دخل هذا القرار سراديب النسيان مع سبق الاصرار والترصد ..
لا اتكلم عن اللغة العربية بكونها لغة القرأن الكريم فحسب .. ولكن ايضا بكونها اداة الاتصال ونقطة الالتقاء بين العرب وشعوب كبيرة جمعت بينهم هذه اللغة باعتبارها لغة الصلاة او العبادة لدى المسلمين بل ولدى الاخوة المسيحيين الذين يعيشون في البلدان العربية حيث تتم الترانيم الدينية باللغة العربية .
لا شك ان اللغة العربية في محنة صنعها ابناؤها .. وهم لا يدركون انهم يقطعون حبال الماضي وينخلعون من جذروهم .. ويربطون ثقافتهم بثقافة شعوب اخرى بدعوى الثقافة الواسعة وهم في ذلك موهومين بل انهم وكما يقول الاستاذ الدكتور طه حسين ان المثقفين العرب الذين لم يتقنوا لغتهم ليسوا ناقصي ثقافة فحسب بل في رجولتهم نقص كبير ومهين ايضا " .. فهل نتنبه الى ان هناك مؤامرة على لغتنا الجميلة دبرت بليل وتنوعت وتعددت اطرافها .. وان كان العرب الطرف الاساس فيها ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حصريا.. مراسل #صباح_العربية مع السعفة الذهبية قبل أن تقدم لل


.. الممثل والمخرج الأمريكي كيفن كوستنر يعرض فيلمه -الأفق: ملحمة




.. مخرجا فيلم -رفعت عينى للسما- المشارك في -كان- يكشفان كواليس


.. كلمة أخيرة - الزمالك كان في زنقة وربنا سترها مع جوميز.. النا




.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ