الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التخلص من أولمرت قبل الحملة الانتخابية

برهوم جرايسي

2008 / 12 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


*وقع أولمرت "فكثر جزاروه"، ولكن إن كان اليوم "ضحية"، فهو ضحية حسابات حزبية في حلبة سياسية يعيث فيها فساد الحكم، الذي هو مجرد واحد من رموزه*


لم يكن موقف وزيرة الخارجية ورئيسة حزب "كديما" تسيبي ليفني وشخصيات قيادية في حزبها مفاجئا، حين دعوا رئيس الحكومة المستقيل، إيهود أولمرت، إلى تجميد صلاحياته على خلفية إعلان المستشار القضائي للحكومة، ميني مزوز، وبصفته المدعي العام الأعلى، عن نيته القبول بتوصية الشرطة بتقديم لائحة اتهام ضد أولمرت، على خلفية إحدى شبهات الفساد الموجهة له.
كما لم يكن مفاجئا أن يأتي الدفاع عن أولمرت تحت شعار: "كل متهم بريء حتى إثبات إدانته" من حزب الليكود المعارض، وبالذات من الشخصية السياسية العائدة حديثا إلى صفوف الحزب، وزير القضاء الأسبق دان مريدور، الذي لطالما اقترن إسمه "بالنزاهة" وفق مقاييس الحلبة الإسرائيلية، وبأنه لم يتورط بأي من شبهات الفساد.
فقبل أيام قرر المستشار مزوز تبني توصية الشرطة بتقديم لائحة اتهام ضد أولمرت في قضية التمويل المزدوج وحتى المضاعف لرحلاته إلى الخارج، إذ حسب الشبهة كان يتقاضى مقابل ثمن تذكرة السفر أكثر من مرة، ومن جمعيات وجهات سياسية وشعبية مختلفة، كان يزورها أو يحاضر أمامها في رحلة واحدة، حتى تجمع في حساب خاص له عشرات آلاف الدولارات، وحسب الشبهة أيضا كان يصرف هذه الأموال على تمويل رحلات خاصة له ولأفراد عائلته.
ويبقى القرار النهائي لتقديم لائحة اتهام مشروطا بمسار قضائي بموجبه يتلو ممثل النيابة على مسمع من أولمرت ومحاميه حيثيات القرار وتفاصيل لائحة الاتهام، لتعطى الفرصة لأولمرت ومحاميه الرد عليها، ثم يفحص المستشار والنيابة من جديد ادعاءات المتهم، ليقرر نهائيا في مسألة لائحة الاتهام، وكانت حالات أن قررت فيها النيابة تغيير قرارها وسحب اللائحة أو تعديلها كليا وجعلها أقل وطأة.
وهذا مسار يقتصر على "علية القوم" إن صح التعبير، وفي غالب الحالات يمتد لفترة بضع أسابيع وحتى عدة أشهر، وحسب محللين وخبراء، فإنه في حالة أولمرت ونظرا لتعقيدات هذه القضية فإن هذا المسار سيحتاج إلى عدة أشهر.
وعلى الرغم من أن أولمرت استقال من منصبه على خلفية شبهات الفساد، وها هي الانتخابات تجري على خلفية استقالته وفشل ليفني في تشكيل حكومة بديلة، إلا أن ليفني نجحت في تجنيد أعضاء كتلة حزبها البرلمانية لاتخاذ قرار بالإجماع يطالب أولمرت بتجميد صلاحياته، ومغادرة منصبه تحت غطاء "عطلة" يفرضها على نفسه.
وقد تزودت ليفني بسابقة من هذا النوع تعود إلى 31 عاما، حين قرر رئيس الحكومة في العام 1977 يتسحاق رابين، تجميد صلاحياته، حين كان هو أيضا رئيسا لحكومة انتقالية، وهذا حين قررت النيابة تقديم لائحة اتهام ضده وضد زوجته، بسبب فتح حساب بنكي خارج البلاد، وهو ما كان محظورا في حينه.
ولكن هذا الموقف وعلى الرغم من أنه صدر من بعض أعضاء الكنيست من أحزاب المعارضة أيضا، إلا أنه لم يصدر عن رؤساء الأحزاب الكبيرة، خاصة "الليكود"، بنيامين نتنياهو، و"العمل"، إيهود باراك.
وهذا التباين في المواقف لا علاقة له إطلاقا بمبادئ "نزاهة الحكم" كما تدعي ليفني، وإنما من منطلقات حسابات الربح والخسارة الحزبية، وهي الحسابات التي أخرست نتنياهو وباراك أيضا.
فقد سعت ليفني في الأشهر الأخيرة إلى تولي صلاحيات رئيس الحكومة في أكثر من فرصة ولم تنجح.
كانت أولها في أوائل شهر أيار/ مايو الماضي، حين تم الكشف عن أن أولمرت يخضع لتحقيق في قضية تسلم أموال غير مشروعة من رجل الأعمال الأميركي اليهودي موشيه تالانسكي، وهي القضية التي ما يزال التحقيق فيها متعثرا، فقد طالبت ليفني أولمرت بالاستقالة، إلا أنها سرعان ما تراجعت عن موقفها، خاصة وأن دعوتها جاءت بعد تعهد أولمرت بالاستقالة من منصبه في حال أوصت الشرطة بتقديم لائحة اتهام ضده.
وكانت المرّة الثانية حينما أعلن أولمرت في الثلاثين من تموز/ يوليو الماضي نيته بالاستقالة لاحقا من منصبيه كرئيس لحزب "كديما"، ورئيسا للحكومة، حينها طلبت ليفني بشكل غير مباشر أن يجمد أولمرت صلاحياته، لتتولاها هي، بصفتها القائمة بأعماله، وهذا لأنها أرادت خوض الانتخابات الداخلية لرئاسة حزب "كديما" وبيدها تلك الصلاحيات.
أما المرّة الثالثة، فقد كانت بعد صدور نتائج انتخابات "كديما"، في منتصف شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، وفي كل واحدة من هذه المرات كانت ليفني تفشل وتتراجع، ولكنها في المرّة الأخيرة بالذات وقعت في خطأ فادح، ودفعت ثمنه بفشلها في تشكيل حكومة.
فقد طالبت أولمرت في تلك الأيام بالاستقالة فورا من منصبه تنفيذا لتعهده، رغم أن مستشاري أولمرت وحتى مقربين من ليفني نصحوها بأن تتريث قليلا، وأن تشرع في فحص إمكانيات تشكيل الحكومة، لئلا تقع تحت ضغط العامل الزمني، الذي يفرضه القانون، ويحد من فترة إمكانيات تشكيل الحكومة، على أن يستقيل أولمرت في اللحظة التي يبدو فيها أنها جاهزة لتشكيل الحكومة، بعد إزالة كافة العقبات أمام ائتلاف كهذا.
إلا أن ليفني وقعت في خطأ فادح ولم تنتبه لتحركات رئيس حزب الليكود، وأهملت حزب "شاس" حتى اللحظة الأخيرة، بعد أن ارتكزت على فرضية أن "شاس" معني جدا بالاستمرار في الحكومة وبكل ثمن.
أما اليوم فإن ليفني تريد أن تخوض الحملة الانتخابية البرلمانية وبيدها صلاحيات رئيس الحكومة، من ناحية، ومن ناحية أخرى فهي لا تريد أن يبقى أولمرت حاضرا في المشهد السياسي، وفي خلفية حزب "كديما"، من أجل أن يستوعب الجمهور أن رئيس حكومته "غير المحبوب"، قد "أنهى دوره التاريخي"، وهذا سيساهم أيضا في تغييب مسألة الفساد عن الحملة الانتخابية، أو تهميشها بشكل كبير، بعد إزالة "رموز الفساد" وفق منطق ليفني وحزبها.
ولكن لشديد السخرية أن الإجماع في حزب "كديما" كان كليا "وأكثر من اللزوم"، إذ انضم إليه يوم الأحد الأخير من هذا الأسبوع، وزير القضاء الأسبق، حاييم رامون، الذي يتولى منصب النائب الأول لأولمرت، وهذا بعد أن مضى في العام الأخير عقوبة 120 ساعة في العمل لخدمة الجمهور (في إسطبل خيول للأطفال المعاقين)، بعد إدانته بالتحرش الجنسي بمجندة في مكتب رئيس الحكومة، يوم شن الحرب الأخيرة على لبنان، في صيف العام 2006.
أما سكوت نتنياهو بالذات، ومن بعده باراك، فهو بالأساس لهدف مناقض تماما لهدف ليفني، إذ أن كليهما لا يريدان منح فرصة لليفني أن تقود البلاد في الأيام الـ 75 الأخيرة قبل يوم الانتخابات في العاشر من شباط (فبراير)، لأن هذا يمنحها فرصة لتوضيح وجهاتها السياسية أكثر ومن موقع الشخص الأول في السلطة التنفيذية، وهذا يقرّبها أكثر من الجمهور.
ولكن هناك سبب مخفي آخر، وهو أن نتنياهو وباراك، وليس وحدهما طبعا، ليسا بعيدين كليا عن دائرة الفساد، فكلاهما تورطا سابقا في عدد من شبهات الفساد، خاصة نتنياهو، وعلى ما يبدو فإنهما يدركان أن "القوى المحركة" من وراء الكواليس، لإيقاع آخر خمس رؤساء حكومات إسرائيل على التوالي في شباك شبهات الفساد، ستواصل عملها، خاصة وأن كليهما وقعا في تلك الشباك، ولم يتحررا كليا، إذا ما تزال بعض خيوطها السابقة عالقة بهما، وقد تكون هناك خيوط أخطبوطية أخرى بالطريق نحوهما.
لذلك فإن نتنياهو وباراك، إلى جانب رفضهما لنوايا ليفني، فإنهما لا يريدان أن يكونا مستقبلا رهينين لموقف كهذا، ويكونا مضطرين لمغادرة منصبيهما في حالة مشابهة لتلك التي وقع فيها أولمرت، الذي بدت حالته في الآونة الأخيرة كالمثل القائل: "إن وقع الثور يكثر جزاروه"، ولكن أولمرت إن كان اليوم "ضحية" فهو ضحية حسابات حزبية في حلبة سياسية يعيث فيها فساد الحكم، الذي هو مجرد واحد من رموزه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -غادرنا القطاع بالدموع-.. طبيب أمريكي يروي لشبكتنا تجربته في


.. مكتب نتنياهو: الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على قدرات حماس ع




.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره الأميرك


.. حرب غزة: بنود الخطة الإسرائيلية




.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا صاروخين ومسيّرات من اليمن |