الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصداف ولآليء -4 - ( مارك توين.. والنمل -1 - )

عبدو أبو يامن

2008 / 12 / 6
الادب والفن



قرأت مرة للروائي الأمريكي ( مارك توين ) هذه المقالة عن النمل:
(( يبدو لي بالنسبة لموضوع الذكاء أن النملة حيوان بولغ في قدرها وقدرتها إلى حد غريب. خلال عدة مواسم من الصيف أنفقت وقتي في مراقبتها بدلا من قيامي بشيء أهم وأفضل. ولكنني ما زلت أبحث عن أي نملة حية لها من العقل ما يفوق عقل أي نملة ميتة. لقد اقتنعت بأن النملة ذات المستوى الاعتيادي من الذكاء مخلوق زائف؛ بالطبع اعترف لها بجهادها ومثابرتها، فهي أحرص ما يكون على الجد والتعب عندما نراقبها وننظر إليها، بيد أني أتكلم عن تحجر دماغها وغبائها.
إنها تخرج بحثا عن الطعام وتجد فريسة، فماذا تفعل بها؟! أتعود بها إلى البيت؟ كلا، إنها تذهب بها إلى أي مكان آخر إلا البيت!! إنها لا تعرف حتى مكان بيتها. لربما يقع على مسافة لا تتجاوز ثلاثة أقدام، ولكن دعك من ذلك فهي لن تهتدي إليه. تصطاد فريستها كما قلت، وفريستها عادة شيء لا ينفعها، ولا ينفع أي مخلوق آخر! وهو عادة سبعة أضعاف حجمها. تمسك به من أسوأ نقطة غير مناسبة وترفعه بكل قوتها إلى الأعلى في الهواء، وتبدأ بالحركة ليس في اتجاه بيتها، وإنما في الاتجاه المعاكس تماما، وليس بحذر وأناة وإنما بعصبية وسرعة جنونية، تستهلك كل قواها تماما وطاقتها. تلتقي بحجر وبدلا من الاستدارة حوله تعمد إلى تسلقه بحيث تدير ظهرها نحوه وتجر فريستها أثناء ذلك فتسقط على الجانب الآخر من الحجر!
تقفز ثانية على أقدامها بعاطفة عارمة، تنفض التراب عن جسمها، تلحس يديها. تمسك بالفريسة بعنف، تلقي بها شمالا ثم يمينا، ترمي بها إلى أمامها، تزداد جنونا وجنونا، ترفعها ثانية إلى أعلى ما يمكن ثم تركض بها في اتجاه جديد مغاير كليا للاتجاه السابق!
تلتقي ثانية بساق عشبة من الحشيش وبدلا من أن تلف حولها وتتفاداها تقرر أن تتسلقها وتجر معها فريستها العديمة القيمة إلى قمة العشبة، وهو ما يساوي لو أ نني حملت كيس حنطة من مدينة هايدلبرغ إلى باريس عن طريق قمة برج كنيسة ( ستراسبورغ )!! عندما تصل النملة قمة العشبة تكتشف أنها ليست المكان الذي تريده. تنظر إلى المنظر الممتد حولها ثم تبدأ بالنزول، أو تلقي بنفسها متدحرجة إلى الأرض بعنف.
تبدأ ثانية بالمشي بنفس الشدة والسرعة الجنونية، تبحث هذه المرة عن مسمار قديم أو أي شيء آخر تتسلى به وعديم القيمة، إلى درجة كافية تجعل كل نملة تحلم به.
إنه لأمر محير حقا ولا أستطيع فهمه قط؛ كيف استطاع مخلوق زائف كالنملة أن تخدع الشعوب والأمم كل هذه القرون الطويلة دون أن يكتشف أحد حقيقة أمرها؟!!)) انتهى.
رأي طريف، وأطرف منه موقفي منه حين ذاك؛ إذ أخذت بروعة دقة الملاحظة وصبر الكاتب العجيب على المراقبة كل تلك الأصياف بدلا من قيامه بشيء أهم وأفضل، كما يقول!! وأهم من ذلك كله هذه السخرية اللاذعة التي تطبع كل المقال، وكيف أنه خالف كل العرف الإنساني الذي كان يضرب المثل بالنمل في دأبه وجده واجتهاده وحسن تدبيره..
ولكني.. ولكني اكتشفت أني كم كنت ساذجا وبسيطا، حين خدعت باسم الروائي العظيم والكاتب الكبير التي تلصق عادة باسم هؤلاء الكتاب، وخاصة الأجانب منهم، حين قالوا لنا إن فنهم هو الفن، وأن أدبهم هو أدب الحياة، فنكتفي بهذه الدعاية، وننسى في ظل الألقاب الكبيرة، والأسماء الرنانة أن نفحص ما يقال، ونفهم ما يقال، فنغتر بالمظهر ولا نتنبه إلى الجوهر، وتخدعنا الصلصلة والجلجلة والطنطنة عن حقيقة الحال وفحوى المقال!!
فهذا كاتب كبير وروائي عظيم؛ سلمنا وآمنا ولكن ليس كل ما ينتجه جديرا بصفة العظمة، فالعظمة والأهمية والعبقرية ليست شرطا لازما في كل ما يكتب أو يبدع أو ينتج؛ ولذلك تجد عظماء المبدعين ينتجون في حياتهم عشرات الكتب والمؤلفات ولا يذكر لهم النقاد إلا بضعة أعمال هي الجديرة بالقراءة والدرس.
( يتبع )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو