الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألف رحمة ونور!

إكرام يوسف

2008 / 12 / 6
حقوق الانسان


أحذت أضرب كفا بكف، وأردد لنفسي "ألف رحمة ونور عليك يا عبد الحميد يا شتا.. يعني ما كنتش قادر تصبر لغاية ما تشوف لك سكة نائب في البرلمان؟".. استغفرت الله وقرأت الفاتحة على روح الشاب النابه ودعوت له بالرحمة ولأهله بالصبر..هل تذكرونه؟ الشاب المتفوق الذي حصل بجهده وذكائه وحدهما، دون دروس خصوصية ولا واسطة، على بكالوريوس العلوم السياسية واحتل ترتيبا متقدما بين أوائل دفعته..ولأن قلبه الأخضر البكر لم يكن تلوث بعد، صدق المسكين ما درسوه له من أن الدستور المصري ينص على أن جميع المواطنين متساوين أمام القانون.. وحلقت به الأحلام؛ فتخيل تفوقه وسعة اطلاعه واللغات التي أتقنها بجهده الذاتي ـ رغم رقة حال أسرته وضعف إمكانياتها المادية ـ مؤهلات تضمن له مستقبلا مرموقا، يرفع رأس أهله ويعوضهم عن سنين الشقاء.. وسرعان ما تحطمت أحلام الفتى الغض على صخرة واقع اجتماعي مرير.. فبعد اجتيازه جميع امتحانات الالتحاق بالسلك الدبلوماسي فائزا بالمركز الأول على أقرانه، جاءت النتيجة النهائية ومدمرة..وجد نفسه مطرودا من نعيم الخارجية المصرية بحجة بالغة التخلف والقسوة "غير لائق اجتماعيا"! ..لم يحتمل الصغير، وقرر تحت وقع الصدمة التخلص من حياته، صافعا وجوهنا برفضه لما نعيش من زيف ورياء وتخلف ووحشيةّ!.
تذكرت قصة الفتى الجميل عبد الحميد.. وأنا أطالع التحقيق الصادم المروع الذي سجل به فتى جميل آخر انفرادا لكتيبة جنود الحقيقة في جريدة "البديل"، حول الرشاوى السياسية التي حصل عليها نواب مجلسي الشعب والشورى بتعيين 800 من محاسيبهم في الجمارك والضرائب والمالية. وتابعت تعليقات القراء على خبطة الصحفي البارع "عمر الهادي" ـ بوب ودوارد مصر ـ في الشارع وعلى موقع الجريدة الإليكتروني التي استفاضت في ذكر وقائع مماثلة في وزارات الكهرباء والبترول... عدت بأفكاري إلى عبد الحميد شتا.. ماذا لو كان فكر قليلا وبحث في شجرة عائلته البائسة عن صلة قرابة من أي نوع بأحد النواب؟ وماذا لو كان انتظر قليلا حتى انضم والده أو أي من أقاربه للحزب الوطني و من ثم ترشح لعضوية أي من مجلسي الشعب والشورى؟..
ضحكت في مرارة من عنوان ساخر بالجريدة يقول إن الدكتور يوسف بطرس غالي أرسل ـ بصفته نائبا ـ لنفسه،باعتباره وزيرا، طلبات لتعيين المحاسيب في أماكن يستحقها من هم أكثر كفاءة لكنهم ليسوا من ذوي الحظوة. وتخيلت كيف حرص هذا الوزير على ألا يخيب رجاء نفسه ـ النائب ـ فوافق على طلباته فورا!. وكيف شعر النائب بامتنان تجاه نفسه ـ الوزير ـ الذي قام بالواجب معه!. وتفحصت قوائم المعينين من المحاسيب فوجدتها تضم بعض النواب شخصيا إلى جانب أقارب لهم.. تساءلت بيني وبين نفسي، وماذا كان يعمل هؤلاء النواب قبل تعيينهم بهذه الوظائف؟.. هل كانوا من العاطلين الذين ظلوا محبطين في بيوتهم بعد تخرجهم، ولم تتح لهم فرصة العمل إلا بعد أن صاروا نوابا؟.. وبينما أنا غارقة في تأمل حال هؤلاء النواب قبل النيابة، وحسرة قلوب أهاليهم الذين صرفوا كل ما يملكون لتعليم أبنائهم ، فلم تشفع لهم شهاداتهم، لولا أن جاء كرسي البرلمان لينتشلهم من البطالة؛ إذا بتصريح يصعقني قاله أحد هؤلاء النواب بتلقائية وثقة يحسد عليهما "نعم .. عينت قرايبي.. واللي مالوش خير في قرايبه مالوش خير في الناس"!
وجهة نظر منطقية تماما ومقنعة حقا!.. لولا أن المجالس النيابية ليست "عزبا" يوزع أعضاؤها خيرها على مواليهم.. ونسي هذا النائب المحترم ، ومن لف لفه، أن الأصل في العمل النيابي مراقبة أعمال الحكومة ورصد انحرافاتها؛ فكيف يستطيعون أداء عملهم الرقابي وهم من غرروا بالسلطة التنفيذية ودفعوها للانحراف!، أملا في أن تطعم أفواههم لتستحي عيونهم، وتنعامى عما تعيثه الحكومة من فساد في ربوع هذا الوطن؟.. كيف يسائل هؤلاء النواب حكومتنا السنية عن تقصيرها في مكافحة البطالة، بعدما اقنعوها بالاكتفاء بتعيين أقاربهم دونا عن بقية أبناء الشعب المبتلى بحكومة من هذا النوع؟.. نواب الشعب انشغلوا في حل مشكلاتهم الشخصية، والحصول على مزايا تعوض ما أنفقوه على الدعاية الانتخابية وتضمن حياة مريحة لكل منهم وأسرته والتابعين وتابعي التابعين، فمتى يجدون الوقت لبحث مشكلات الناخبين الذين أوصلوهم للبرلمان.. ولماذا يهتمون بأبناء هؤلاء الناخبين ، وما إذا كانوا يجدون التعليم المناسب والعلاج اللازم وفرص العمل الكريمة، أم أنهم يلجأون لبيع أحشائهم بحثا عن جنيهات تضمن لهم لقمة العيش؟ وعلى أي أساس يراقبون أعمال الحكومة ويرصدون تجاوزاتها، ويضعون التشريعات لردع هذه التجاوزات، أو حل مشكلات الجماهير؟
يا الله! كيف نجح الفساد في تحويل حياتنا إلى ما يشبه قطع الدومينو المتهاوية بسرعى بالغة، واحدة إثر أخرى، ولا أمل في وقف التردي قبل سقوط آخر قطعة فيها.. فساد ينخر في عظام الوطن وينهش أبناءه بينما القائمون عليه يتفرجون في بلاهة دون أن يدركوا أن الانهيار سيطولهم عاجلا أم آجلا.. ولن يحميهم جلوسهم فوق القمة بينما القاع يفتته الفساد.!
ألف رحمة ونور على عبد الحميد شتا، وعلى كل عبد الحميد شتا.. وألف رحمة ونور على أيام كانت مصر تفخر بأنها تملك أعرق برلمانات المنطقة.. وعلى أيام كان العمل العام تطوع وتكليف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دوجاريك: القيود المفروضة على الوصول لا تزال تعرقل عمليات الإ


.. الأونروا تقول إن خان يونس أصبحت مدينة أشباح وإن سكانها لا يج




.. شبح المجاعة في غزة


.. تشييد مراكز احتجاز المهاجرين في ألبانيا على وشك الانتهاء كجز




.. الأونروا: أكثر من 625 ألف طفل في غزة حرموا من التعليم بسبب ا