الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طوبى للسماء بروحك المعطرة

عمر الشيخ
شاعر - كاتب صحفي سوري

(Omar Alshikh)

2008 / 12 / 8
الادب والفن


بعد رحيل محمود درويش بساعات
______
جولتك مع هذه الشرايين الحزينة كانت على حافة الهاوية إلا قليلا ً، ولأجل الحزن الذي بحجم المجرات قرر نبضك التلاشي ليرفع قلبك إلى درجة ِ الملائكة، لن نستطيع حضورك من جديد ستطلع لنا كل يوم من نشرة الأخبار صورا ً و تسجيل وثائقي أمسياتٍ ومقابلات، لكنك لست بالواقع، رحلت وتركت الحزن يطول كأظافر وحش، تركت البكاء يطفح بعيني كفر قاسم ليسقي القدس والشام و البحر الميت الذي أصبح ميت بشدّة من ملوحة الحزن، تركتنا ولم تنبه ضحكتنا إلى السواد القادم، أيها الجميل الطالع من آخر الليل لتغني:( كفر قاسم / إني عدت من الموت لأحيا، لأغني / فدعيني أستعر صوتي من جرحٍ توهج / وأعينيني على الحقد الذي يزرع في قلبي عوسج/ أنني مندوب جرح لا يساوم / علمتني ضربة الجلاد أن أمشي على جرحي / وأمشي../ ثم أمشي ../ وأقاوم !
ها أنت تغني للدم بمسرّة، وتستفيض غضبك باروداً يشعل رصاص الفدائيين، لم تتركنا قصائدك يوما ً أنت فلسطين وقدسها معشوقة ُ عينيك، كيف الآن سنقبل حروفك دون أن نلمس صوتك المدوي في أمسيات حزننا.
من المؤكد أن كل من نقل خبر رحيلكقلبك.غص بحرقةٍ قاتلة، كأن النبأ إعصار نار ٍ لم نتعود عليه من قبل، لن تموت كما يجب على منصةِ الكلمات الساحرة والألاف يتأملونك كأنك القصيدة، بل أنت القصيدة، شكلت ألف باء طفولتنا الأدبية حين رفعت صوتك ( سجل أنا عربي ) محفورة ٌ بالفرح والماء المقدس بأنفاسنا جعلتنا نرقص على أغانيك الشعرية من صميم إحساسنا، نطير نشوة ً حين نسمع بقصيدة ٍ جديدة نشرت لك، أيها الوسيم الحزين لماذا تركت حصان حزننا ًوحدا ً و رحلت ؟ ما من ملاذ ٍ للكلمات بعد انطفاء قلبك.
كانت ليلة ً معتمة بقسوة، ليلة وداعكَ، لم تلتفت معظم الفضائيات للخبر الحزين، وحدها قناة فلسطين بدل أن تنعي بكامل حطامها، بدأت بمرجعة حساباتها وجعلت من ساعات الليل الأخيرة مهرجانا ً لذكراك، إنها وفيّة
كما كنت أنت وفيا ً لترابها، بدأت تبث أمسياتٍ حديثة وقديمة كنتَ قد أضأت عيون حضورها، و دوارات ثمينة كنت قد أدرتها (علماً بأنه عرضت 3 حلقات متوالية ) وأنا أراقب عينيك، وأستمتع بكلماتك، كأنك لازلت حيّ، تقهر الموت بشعرك وتلعب الشطرنج مع المرض وتغلبه دائما ً، وحين رأيت عبارة (كانت قد وضعت منذ ساعة رحيلك أسفل ويسار شاشة التلفزيون) وداعا ً محمود درويش.. أصبت بالكآبة المؤلمة، يا لها من عبارةٍ حادة كالشفرة تقطع شهيّة النوم وتلغي البسمات، لم تمت تأكد انك فينا أيها العصفور الجميل لقد ارتقيت إلى درجة ِ الملائكة بامتياز، طوبى للسماء بروحك المعطرة بأرض المقدس و ياسمين الشام، طوبى لنعشك من أحضان ٍ ترفعك للقاء لله، ابتسم فنحن لن نبكي أبدا ً لأنك تركت لنا قلبك في هذه المجموعات الجميلة من شعر ٍ ويوميات وقصائد طويلة، دائما ً مع الشعر هناك محمود درويش، ودائما ً مع الحزن هناك رحيلك عنا، ودائما ً مع الحياة هناك حضورك المؤبد.. أرجو أن لا تغيب طويلا ً، فهناك عشاقٌ ينتظرون رائحة حبرك المرهف، وهناك ثوارٌ أصروا على الاستشهاد كرما للوطن ولعينيك لتكتب لهم غدا ً عندما تلتقون في السماء، اليوم تحديدا ً بعد وفاتك بيوم أقبل العشرات من الناس على اقتناء أجمل كتبك و أحدثها في معرض الكتاب – مكتبة الأسد 10-8-2008، ما لسبب ؟ ولماذا الآن ؟ ألم تكن الأمة العربية والعالم يعرفون بمعاناتك،؟ أليس كذلك لكن رائحة عطرك الشعري القوية حرضت أنفسنا للقاؤك من جديد!ربما تكون قد خبأت سرا ً عن حبيبتك هنا أو هناك، حبيبتك فلسطين أو نصفك الآخر الأنثى، ربّما أيها المسافر إلى الله تركت لنا قريحة ً تنبش أعماقنا لنكن نحن فقط نحن، كل منا يشبه نفسه هكذا كما كنت أنت تشبه نفسك بتلك الخصوصية الذهبية للغة والموسيقى لا تنسى تعال في الحلم وفي الكلمات وفي الذاكرة في أي وقت ٍ تريد لأنك شاعر حبّ ضروري لمخيلتنا وحياتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | المخرجة لينا خوري: تفرّغتُ للإخراح وتركتُ باقي


.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء




.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان


.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي




.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء