الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليمن والصراع الدولي على القرن الإفريقي

نجيب غلاب

2008 / 12 / 7
السياسة والعلاقات الدولية


يرى بعض المراقبين أن محاولات اليمن السابقة لإعادة بناء الدولة الصومالية أوقعها في براثن اللعبة الدولية وكان احتلال اريتريا للجزر اليمنية رسالة قوية لتدخلها في ترتيب الوضع الصومالي، وهذا جعلها أكثر حذرا في التعامل مع الوضع رغم أنها من أكثر الدول تضررا من الفوضى في الصومال، فكلما توسع الصراع الداخلي بين القوى المحلية المتناقضة على مستوى الفكر والمصالح كلما زاد عدد اللاجئين القادمين إلى اليمن عبر البحر، واتسعت دائرة الفوضى وهي المدخل الأساسي لقوى الجريمة والإرهاب، وهذا بطبيعة الحال لم يؤثر على أمن اليمن الوطني فحسب بل أصبح يهدد الأمن القومي العربي وأصبح مدخلا للقوى الدولية لفرض إرادتها على المنطقة وبالشرعية الدولية.
وفهم التطورات الراهنة بعد بروز مشكلة القراصنة وتهديدها للممرات المائية لا يمكن فهمها إلا من خلال استيعاب طبيعة الصراع الدولي على إفريقيا، فالصراع العالمي بين الدول الفاعلة في المنظومة الدولية، دفع الولايات المتحدة الأمريكية للتحرك بقوة في المجال الإفريقي وتؤكد بعض الدراسات أن تلك التحركات تنبئ عن مشروع أمريكي للهيمنة على إفريقيا.
فالولايات المتحدة الأمريكية بعد أن فرضت وجودها في الشرق الأوسط ووسط آسيا تريد أن تكمل إستراتيجيتها العالمية وتدعيم قوتها في أفريقيا والملاحظ أن سعيها الحثيث لفرض وجودها في إفريقيا يتحرك بحذر وتفهم للمصالح الأوروبية خصوصا البريطانية والفرنسية، وهي علي يقين أن التوجهات البريطانية التي تعمل وفق مسارات مؤيدة للمظلة الأمريكية كفيل بكبح سياسات الاتحاد الأوربي من الدخول في صراع على المصالح مع الولايات المتحدة، كما أن المخاوف الأوروبية والأمريكية من التواجد الصيني في إفريقيا ودخول إيران كلاعب في القرن الإفريقي سوف يسهم في تخفيف حدة التنافس لصالح الولايات المتحدة.
ومن الواضح أن بناء المصالح الأمريكية في القارة السوداء يتبع آليات أكثر مرونة مقارنة بما يحدث في الشرق الأوسط، والتواجد الأمريكي في إفريقيا له أهمية إستراتيجية في تدعيم القوة الأمريكية في صراع الكبار وسوف يمكنها من الحصول على النفط ومحاصرة الإرهاب، ومن جهة أخرى يقلل من اعتمادها على نفط الخليج وهذا ربما يجعلها أكثر قدرة على فرض إرادتها على الدول المارقة كإيران، والحراك الأمريكي الراهن يؤكد أن القرن الإفريقي هو البوابة الرئيسية لتدعيم الإستراتيجية الأمريكية في إفريقيا وفي العالم، والجدير بالذكر ان وجود رئيس أمريكي من أصول افريقية ربما يسهل لأمريكا تحقيق طموحاتها في إفريقيا.
على ما يبدو أن سلوك السياسة الخارجية اليمنية يدرك طبيعة الصراع الراهن، وتخوف اليمن ربما مؤسس على نتائج الهيمنة الأمريكية على القرن الإفريقي لأن السيطرة الأمريكية لن تتم ما لم تكن اليمن في القائمة بما يعني فرض ترتيبات أمنية على اليمن ستكون نتائجها سلبية على مصالح اليمن وعلى الأمن العربي ناهيك عن الاعتراضات الداخلية التي ستؤثر سلبيا على صانع القرار.
كانت التحركات العربية استباقية قبل بروز القرصنة فقد بذلت جهود ملموسة في البحث عن شريك صومالي قادر على فرض الأمن وإعادة بناء الدولة، لتخفيف نتائج استفحال الأزمة الصومالية، وقد وجد العرب بعد صعود نجم المحاكم الصومالية كقوة واقعية وفاعلة طريق لتحقيق الحد الأدنى من الحلول، إلا أن العقدة الأمريكية من التطرف الإسلامي وبروز أجنحة متطرفة في المحاكم والخوف من تكرار تجربة طالبان أدى إلى وأد المشروع بالتدخل الإثيوبي وقد استغلت الولايات المتحدة تخوفات وقلق إثيوبيا وكينيا في دفعهما لمحاصرة المحاكم، ودعم الرئيس عبدالله يوسف وأيضا تشجيع التوجهات الانفصالية لإقليم بونت لاند وهو الإقليم القريب من باب المندب والمركز الرئيسي للقراصنة.
كانت اليمن أكثر الدول تخوفا من التواجد العسكري المكثف الذي شرع له قرار مجلس الأمن الدولي والذي يمنح الدول حق حماية مصالحها التجارية واستخدام القوة في مواجهة أعمال القرصنة، ومنحها حق الدخول في المياه الإقليمية الصومالية لمتابعة القراصنة ولحماية وصول المساعدات الدولية.
وما يزيد من تخوف اليمن من التواجد الأجنبي هو مشاكلها الداخلية التي يمكن أن تتحول إلى مدخل لإجبار صانع القرار على قبول سياسات تتناقض مع مصالحه الوطنية فقد تدفع الولايات المتحدة مثلا المشكلة الجنوبية باتجاهات خطيرة ربما يهدد وضع النخبة الحاكمة ويضع أمن اليمن القومي في سلة من المخاطر التي تهدد وحدته وتجربته السياسية.
وهذا ربما يفسر رفض اليمن بالمطلق فكرة تدويل أزمة القراصنة والتواجد الدائم للقوات الدولية، فقد يجبرها ذلك على قبول تواجد عسكري على جزرها، كما أن التنقيب على البترول في سواحلها يجعل من خياراتها مرتهنة للمصالح الأمريكية، الهواجس اليمنية دفعت اليمن للتحرك عربيا كمحاولة منها لمقاومة نتائج القرار الدولي وعلى ما يبدو أنها لم تجد الاستجابة لطموحاتها، فلم يتخذ العرب حتى اللحظة قرارات حاسمة، ولم يتبنوا إستراتيجية عربية واضحة وقوية لحماية أمن خليج عدن والبحر الأحمر، ولم تجد الدبلوماسية اليمنية لتعبر عن إحباطها إلا بالحديث عن مخططات لتدويل البحر الأحمر، حيث صرح وزير الخارجية عن "مخاطر الوجود العسكري المكثف والمتعدد الجنسيات في جنوب البحر الأحمر على الأمن القومي العربي، وما يمثله ذلك التواجد من مقدّمة لتمرير مشروع تدويل مياه البحر الأحر، الذي سبق أن اقترحته إسرائيل وقـوبل برفض عربي".
تسعى اليمن من أجل بناء نظام أمن جماعي عربي لحماية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، وترى أن موقعها يؤهلها لان تكون هي المركز الإقليمي لأي جهود لمحاربة القرصنة، ولديها طموحات ببناء قوة بحرية يمنية بمساعدة العرب والمنظومة الدولية. والملاحظ أن التخوفات اليمنية هدأت مع قدوم قوات عسكرية لدول الخليج العربي وأصبح خطابها أكثر واقعية وتحدث الرئيس صالح عن تأييده لبناء قوة دولية بالتعاون مع الدول المطلة على البحر الأحمر والخليج العربي لحفظ أمن الممرات المائية.
ويمكن القول أن الخيار العربي الأكثر جدوى هو أن يكون لهم دورا أساسيا في حماية الممرات المائية في خليج عدن والبحر الأحمر بالتعاون مع الدول المحورية في المنظومة الدولية وفق القوانين الدولية المنظمة وبما يحفظ سيادة الدول العربية ومصالحها، وقد برزت هذه الملامح في تصريحات المسئولين العرب ففي اجتماع القاهرة التشاوري حيث ركزت قرارات مجلس السلم والأمن العربي على تشكيل فريق لإعداد اتفاقيه عربية لمواجهة القرصنة بما يدعم التعاون الأمني للعرب، وأكد المجلس على رفض المحاولات الدولية لتدويل أزمة القراصنة حماية لمصالح الصومال وللأمن العربي ولم ينس العرب أن يؤكدوا أن توفير امن البحر الأحمر وخليج عدن مسئولية الدولة العربية المطلة على البحر العربي. وتوصل العرب في تشاورهم أن سبب أزمة القرصنة هو الحرب الأهلية وغياب مؤسسات الدولة، ولم ينس المجلس أن يُذكر باحترام السيادة الصومالية ووحدته واستقلال وسلامة أراضيه.
وإذا كانت التخوفات اليمنية والعربية مبررة إلا أنه يمكن القول أن أهم الاستراتيجيات المفترض تبنيها لمعالجة المشكلة من جذورها هو إعادة بناء الدولة الصومالية، فالتهديدات التي يتخوف منها العرب في هذه المسألة نابعة قبل كل شيء من انعدام الدولة، لذا لابد أن تركز الجهود العربية بالتعاون مع المنظومة الدولية على إعادة بناء الدولة الصومالية.
ومن المفترض أن تلعب الدول العربية دورا فاعلا في حل المشكلة الصومالية وتجاوز الصراعات الداخلية وتحقيق مصالحة وطنية بين الأطراف الصومالية بما يضمن مصالح الجميع على أسس جديدة تؤسس لدولة قائمة على دستور حديث يضمن بناء دولة معاصرة متوائمة مع واقع الصوماليين.
وبناء الدولة هو المدخل لتحقيق أمن الممرات المائية فخلال تاريخ الدولة الصومالية الحديثة قبل سقوطها لم تسجل أي عملية قرصنة، كما أن بناء الدولة مدخل لتعزيز الأمن الإقليمي ومواجهة الإرهاب والقرصنة.
وفي مرحلة السعي لبناء الدولة الصومالية على دول الإقليم أن تكون أكثر واقعية في بناء الأمن البحري وتتفهم مصالح الآخرين وأن تسعى لبناء توافق وتعاون مع الدول المؤثرة في المنظومة الدولية، وفي تصوري أن القرار1838 الذي أصدره مجلس الأمن بموجب الفصل السابع ليس إلا سياسة طارئة لمعالجة تفاقم مشكلة القرصنة وتزايد مخاطرها، ولكنه ليس علاجا للمشكلة، لذا فإن الأمر بحاجة إلى شجاعة وتضحيات بما يحقق مصالح الجميع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج