الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العُهر الإسرائيلي في الخليل

برهوم جرايسي

2008 / 12 / 7
القضية الفلسطينية


إذا لم تكن جرائم المستوطنين في مدينة الخليل في الأيام الأخيرة إرهابا، فإذا نحن نعيش في عالم خال من الإرهاب، ولا مكان لاستخدام مصطلح الإرهاب في أي مكان في العالم.
إن ما شهدناه في مدينة الخليل في الأيام الأخيرة ليس جديدا، لا على أهالي الخليل ولا على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل هو نموذج لجرائم سوائب المستوطنين المستمرة دون توقف منذ عشرات السنين، والجديد في الأمر هو أننا بتنا نتابع هذه الجرائم بالبث الحي والمباشر بفضل تطور وسائل الإعلام.
وقد يرى البعض أن القضية تتخلص في مسألة إخلاء بيت فلسطيني استولى عليه المستوطنون بعد تزوير أوراق بيع وشراء، لتكتشف هذا "العدالة" الإسرائيلية، ممثلة بمحكمتها العليا التي أمرت بإخلاء البيت، ولكن هذه المحكمة ذاتها، والمؤسسة القضائية الإسرائيلية برمتها، هي التي اقتلعت عائلة أبو كامل الكرد من بيتها في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة لإفساح المجال أمام المستوطنين للاستيلاء عليه.
إلا أن إسرائيل الرسمية رأت في قرار المحكمة المتعلق بمستوطني الخليل فرصة من أجل بث عدة رسائل، أولها، زعمها بأنها "دولة قانون" وعلى استعداد أن تستخدم القبضة الحديدية حتى ضد المستوطنين، من أجل تنفيذ قرار المحكمة.
ولكن في هذا عُهر كبير، لأن السؤال الجوهري ليس هذا البيت، الذي هو واحد من عشرات البيوت التي تم الاعتداء والسيطرة عليها، بل وجود عصابات المستوطنين أصلا في مدينة الخليل، الذين يشكلون واحدة من أخطر بؤر الارهاب في العالم قاطبة.
فهؤلاء يهددون دون تردد بسفك الدماء وينفذون، تحت سمع وبصر قوات الاحتلال، التي تتواطأ معهم، وإن احتاج البعض دليلا، فيكفي أن نقتبس محللين عسكريين اسرائيليين، مثل عاموس هارئيل في صحيفة "هآرتس"، الذي أكد أن قوات الاحتلال تتصرف "بجبن" أمام ممارسات المستوطنين، التي وصفها بـ "الجريمة المنظمة".
فهذه العصابات، التي يحظرها القانون الإسرائيلي بشكل صوري، وفقط من أجل العلاقات العامة أمام الأسرة الدولية، تحظى برعاية ودعم كامل للمؤسسة الإسرائيلية بشقيها السياسي والرسمي.
أما الرسالة الثانية التي تريدها إسرائيل من مشاهد إخلاء الإرهابيين اليهود من البيت في الخليل، هي كتلك الرسالة التي قرأناها لدى إخلاء مستوطنات قطاع غزة ومفادها: إذا كان هذا ما يحدث في إخلاء بيت فكيف سيكون الحال في إخلاء مستوطنات بأكملها في الضفة الغربية المحتلة.
وهنا أيضا يتجلى العُهر الإسرائيلي من جديد، فإذا تزعم إسرائيل صعوبة إخلاء المستوطنين، فلماذا تواصل زرعهم بكثافة شديدة جدا في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة، وأيضا في الجولان السورية المحتلة، حيث يتكاثف الاستيطان بهدوء مخيف، في الوقت الذي تدعي فيها أنها معنية بدفع المفاوضات على المسارين الفلسطيني والإسرائيلي.
ولكن حقيقة الموقف الإسرائيلي ليس فقط انه واضح على أرض الواقع، بل إن ساسة إسرائيل الذين تراكضوا إلى وسائل الإعلام لم ينجحوا في التكتم على حقيقة الموقف، حين "نددوا" بجرائم المستوطنين ضد جنود الاحتلال، وتجاهلوا الاعتداءات على الأهالي الفلسطينيين.
وقد بزّ من بينهم "داعية السلام- آخر طبعة"، رئيس الحكومة المستقيل إيهود أولمرت، الذي بق الحصوة أمام قبر أول رئيس حكومة لإسرائيل دافيد بن غريون قائلا: "إن الجدل حول أرض إسرائيل (فلسطين التاريخية) شرعي، كما أن الرغبة في الحفاظ على تواجد يهودي في أقدس وأهم مدننا هو أمر مفروغ منه.... إنني واحترم من دون حدود محبي وسكان وحراس المدينة (يقصد مستوطني الخليل)"، في إشارة واضحة إلى تأييده لإبقاء البؤرة الاستيطانية في مدينة الخليل المحتلة، حتى في إطار الحل الدائم مع الفلسطينيين.
لا يمكن أن نقف عند ما جرى في مدينة الخليل في الأيام الماضية وكأنه حدثا عابرا، أو أن القضية برمتها تتلخص في مسألة بيت فلسطيني، بل إن القضية أخطر وأبعد من هذا، ويجب مواجهة الرسائل الإسرائيلية المتعددة، برسائل فلسطينية وعربية واضحة، ولكن أهمها، تطهير فوري لمدينة الخليل من وكر الارهاب الاستيطاني برمته، دون إبقاء أي أثر "لمسمار جحا" الإسرائيلي في مدينة الخليل.
إن إسرائيل الرسمية لا يمكنها أن تنظف نفسها من مسؤولية الجريمة الإرهابية المستمرة في الخليل، إن كانت من خلال اعتداءات واضحة ومباشرة كما رأينا، أو من خلال تقييد حركة أكثر من 200 ألف فلسطيني من أجل إفساح المجال أمام حرية حركة لبضع مئات من المستوطنين الإرهابيين.
إن كل "الدموع" التي ذرفتها عيون المستوطنين، لا يمكنها أن تنظف حتى حذاء طفل فلسطيني، علقت عليه حفنة غبار، خلفتها جحافل قوات الاحتلال التي شاركت المستوطنين جرائمهم ضد الأهل في مدينة الخليل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل نجح الرهان الإسرائيلي في ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتسهيل


.. التصعيد مستمر.. حزب الله يعلن إطلاق -عشرات- الصواريخ على موا




.. تركيا تعلن عزمها الانضمام إلى دعوى -الإبادة- ضد إسرائيل أمام


.. حراك الطلاب.. قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه أميركا بسبب إسرائ




.. لماذا يسعى أردوغان لتغيير الدستور؟ وهل تسمح له المعارضة؟