الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طالما ظل الجيتو في القلب

أوري أفنيري

2004 / 3 / 7
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


لقد قال آباء الصهيونية أنه "من الأسهل أن نخرج اليهود من الجيتو من أن نخرج الجيتو من اليهود". يمكننا أن نطبق هذه المقولة في سياق جديد ابتداء من هذا الأسبوع. لقد عزلت دولة إسرائيل عن العالم وأدخلت نفسها في جيتو وليس فقط من الناحية الجغرافية.

لقد بدأت المداولة في هاغ حول الجدار الفاصل، وأدرك رجالات شارون بأنه من غير الممكن لهم أن يحققوا نصرا في هذه المداولات ولذلك قرروا مقاطعتها. بدل طرح ادعاءاتهم أمام المحكمة الدولية، وقرروا إجراء استعراض في الساحات حسب ما تقوله المقولة الإسرائيلية الكلاسيكية: "إذا كانت ادعاءاتك واهنة فارفع صوتك!"

لقد دارت داخل القاعة نقاشات قضائية طرح ممثلو فلسطين فيها ادعاءاتهم القاضية بأن الجدار غير قانوني لأنه يتواجد في قلب الضفة الغربية. وأضافوا أنه إذا كانت إسرائيل متخوفة من تنفيذ العمليات الانتحارية فمن حقها إقامة جدار على حدودها، غير أنه لا يحق لها إقامة ذلك الجدار في قلب المناطق المحتلة لتبقي بذلك كافة السكان الفلسطينيين محبوسين داخل قطاعات معزولة. لم يتواجد في القاعة أي شخص يمكنه دحض هذه الادعاءات.

قام رجالات شارون بإجراء استعراض في الخارج، كصرعة إعلامية فأحضروا من البلاد حافلة تم تفجيرها تحتوي على خبراء في جمع أجزاء الجثث. وقد أحضر أيضا عشرات من أبناء عائلات ضحايا العمليات الانتحارية. ونشرت السفارة الإسرائيلية صور 900 من هؤلاء الضحايا رفعها طلاب جامعيون يهود في المسيرة. وكانت الرسالة: اليهود مساكين ففي بلادهم أيضا ترتكب المجازر بحقهم.

بعد ذلك قام الفلسطينيون بإجراء استعراض مضاد تحدثوا فيه عن 3000 ضحية من ضحايا الانتفاضة ووصفوا المعاناة التي يعانيها الفلسطينيون تحت وطأة الاحتلال. وقد شهد سكان هاغ أولمبياد الضحايا. لقد خصصت وسائل الإعلام الدولية بضع دقائق لهذه الاستعراضات تم تقسيمها بالتساوي. فالأهم لديهم هي المداولة التي جرت في قاعة المحكمة.

إلا أن الصورة في إسرائيل كانت مختلفة تماما. لقد تم تجنيد وسائل الإعلام، بشكل ذكرنا بنظام الحكم السوفييتي، كرجل واحد لخدمة عملية غسل الدماغ. وقد انخرطت في هذا المجهود الوطني كافة محطات التلفزة والإذاعة وكل الصحافة المكتوبة دون استثناء. وقد بث التلفزيون والراديو دون انقطاع، من الصباح وحتى المساء، تقارير من هاغ جعلت المشاهد يعتقد بأن العالم كله منشد إلى الاستعراض الإسرائيلي.

وقد تطرقت وسائل الإعلام هذه إلى النقاشات ذاتها وكأنها غير مهمة، مناورة بائسة ينفذها العرب واللا ساميون وأما المظاهرة الإسرائيلية فقد تحولت إلى مركز يستقطب أنظار العالم. وقد ظهرت الحافلة المفجرة على الشاشة عشرات المرات في كافة محطات التلفزيون الإسرائيلية، كما شاهدنا العائلات الثكلى وصور الضحايا. مرارا وتكرارا. وعرضت هذه المحطات مشاهد لثوان معدودة من المظاهرة الفلسطينية الموازية، كذلك الأمر بالنسبة للمداولة داخل قاعة المحكمة. وقد منح الممثل الفلسطيني فرصة التفوه بثلاث جمل كي نثبت للعالم أننا لبراليين.

إلا ان المشاهد والمستمع في إسرائيل قد استوعب رسالة لا ينتطح فيها عنزان: لقد كان ذلك نصرا ساحقا لإسرائيل. وقد فهم العالم أجمع أننا نحن المساكين في هذه الرواية، وأن الفلسطينيين هم قتلة، وأن الجدار هو حاجة لا بد منها لإنقاذ حياتنا، وأن حياة اليهود أهم من "جودة حياة العرب" – ورددوا هذه الجملة عشرات المرات خلال أكثر من 12 ساعة من البث، في جميع المحطات . والكل كان يقول نفس الشيء: يهجمون علينا، يلاحقوننا، العرب قتلة، نحن ندافع عن أنفسنا، ولم يُذكر الاحتلال أبدا. وهل هذا متعلق بالموضوع أصلا؟

أثناء البث، أجريت مظاهرة أمام منزل رئيس الحكومة، نظمتها حركات السلام ضد الجدار. وقد خصص التلفزيون الرسمي أربع ثوان لهذه المظاهرة، فيما لم تتيح أية محطة إسرائيلية الفرصة لأي متحدث إسرائيلي للتعبير عن معارضته للجدار أو (لا سمح الله) ليعبر عن رأيه حول مصداقية المحكمة الدولية.

هذه ظاهرة تثير الاشمئزاز، لأن ما يحدث، يحدث في دولة ديموقراطية. لا تهدد حياة الصحفيين فيها أية وكالة مخابرات سوفييتية أو اي غيستابو. لا ينتظر من يخالف الخط الرسمي أي سجن مثل غولاغ أو أي معسكر إبادة. كل ذلك يتم بالتطوع، من خلال الإقناع الذاتي التي تنتهجه وسائل الإعلام.

صحيح أن وسائل الإعلام المتحررة في الولايات المتحدة الديموقراطية تصرفت هي أيضا على هذا المنوال في الأيام الأولى من الحرب ضد العراق، إلا أن البارانويا لم تلتصق بها لتقول "كل العالم ضدنا".

غداة المداولة صرح نائب وزير الدفاع، زئيف بويم، في الكنيست بأن كل المسلمين قتلة منذ ولادتهم. وأن هذا الأمر كامن في جيناتهم الوراثية. فيما صرح أحد أصدقاء شارون المقربين في التلفزيون قائلا: "قال لي أريك شارون أنه منزعج جدا من تعاظم اللا سامية المسيحية. مثلا فيلم ميل غيبسون، الذي يتحدث عن صلب يسوع. والآن أصبحت اللا سامية تلوث أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي."

هذه هي نظرة الجيتو. لقد اقمنا دولة إسرائيل للتغلب على مثل هذه النظرة ولنكون أمة عادية. "شعب ككل الشعوب". تثبت أحداث هذا الأسبوع أننا لم ننجح في ذلك. الجيتو موجود في داخلنا، عميقا جدا.

هذا الأمر يسلط ضوءا آخر على الجدار الفاصل. فهو يعزل الفلسطينيين في في قطاعات منفصلة، ولكنه يبقينا نحن أيضا في واقع الجيتو، وليس فقط من الناحية الجغرافية

للنضال ضد الجدار أوجه كثيرة، فهو ليس نضالا لتحرير سكان الضفة الغربية من هذا العائق الوحشي، الذي يحول حياتهم إلى جحيم ويحاول "ترانسفرتهم". وهو ليس نضالا لتحرير شعبي البلاد من الواقع الذي يفرض عليهما دائرة دموية مرعبة، آخذة في الاتساع، بل هو أيضا نضال لتحرير الشعب الإسرائيلي من الجيتو الموجود في قلبه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 1.5 بالمئة من سكان العالم نازحون قسريا | الأخبار


.. الدعم العسكري لأوكرانيا: ورطة أوروبية بلا مخرج؟ | بتوقيت برل




.. المؤثرة الجزائرية لينا تكشف حقيقة علاقتها المثيرة مع صفحات ا


.. يورو 2024.. التوقعات للمتأهلين من المجموعات النارية في ألمان




.. رفح تحت النار.. ما جديد مساعي التهدئة في غزة؟ | #رادار