الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وقع الاميريكين في الإرباك , فاستغل الروس ذلك

محمد بن سعيد الفطيسي

2008 / 12 / 9
العولمة وتطورات العالم المعاصر


ان حالة الإرباك الجيوسياسي التي تمر بالولايات المتحدة الاميركية في السنوات التي أعقبت ‏أحداث الحادي عشر من سبتمبر , 2001م – 2003 م , كانت غاية في الصعوبة والغرابة , ‏وتحديدا ردة فعل بعض النخب السياسية والعسكرية المحركة والصانعة للقرار الاميركي الخارجي ‏‏, فقد صنعت تلك الأحداث شرخا عميقا في كرامة ومكانة الامبراطورية الاميركية , مما انعكس ‏كثيرا على تصرفاتها وتعاملها مع أصدقائها وأعدائها على حد سواء , فنفسيا شكلت تلك الأحداث ‏هالة كبيرة من القلق والخوف من اهتزاز السياسة والسيادة الاميركية في نظر الآخرين , فكيف بعد ‏ذلك ستستطيع هذه الأخيرة ان تدعي قدرتها على حماية الأمن والسلام العالمي , وهي عاجزة عن ‏حتى عن حماية بيتها الداخلي ممن تصفهم بالإرهابيين , وتحاربهم في كل أنحاء العالم 0‏
‏ هذا إذا ما أضفنا ان تلك الفترة تحديدا , كانت فترة انتقالية تحاول جميع القوى الدولية الناشئة ‏منها والكبرى أساسا من خلالها إثبات وجودها , وتثبيت قدم لها في هذا القرن الجديد , فكيف ‏سيكون ذلك في ظل ذلك التحطم والانهيار الشامل الذي أحدثته تلك الكارثة , وما قد يؤدي ذلك من ‏انعكاسات وامتدادات وأعراض جانبية وردة أفعال على طموحات وتوجهات الامبراطورية ‏الاميركية الجيواستراتيجية المستقبلية ؟ وقد كانت هذه الأفكار والمخاوف واضحة للعيان , ودائمة ‏الحضور في جميع الأوقات والأمكنة التي قدر للجميع التواجد فيها – ونقصد – بداية من المواطن ‏الاميركي العادي الى النخب الاميركية الحاكمة 0‏
‏ مما تسبب بكثير من الأخطاء الجسيمة والتصرفات العشوائية المؤثرة , والتي نظر إليها ‏البعض على أنها نتيجة طبيعية لحالة الإرباك التي كانت تعيشها الولايات المتحدة الاميركية في تلك ‏الفترة , ولكن هي فترة مؤقتة وسوف تمر بسرعة , بينما نظر إليها البعض الآخر على أنها ‏علامات شبه مؤكدة على تهاوي قوة الامبراطورية الاميركية على مختلف مستوياتها , وبالتالي ‏فهي فرصة مواتيه ولن تعوض للتمرد والانقلاب على خطوطها الحمراء التي رسمتها قبل ذلك ‏لبقية الأنظمة والقوى الدولية التي تدور حول محورها المركزي الكوني منذ سقوط الاتحاد ‏السوفيتي مع مطلع تسعينيات القرن الماضي 0‏
‏ وفي الحالة الروسية التي نتعامل معها هنا , فقد لعبها او استغلها الروس على اتجاهين او ‏سيناريوهان , فالأول تعامل مع أميركا متضامنا من ناحية أخلاقية وإنسانية وذلك بالوقوف معها ‏فيما حل بها من كارثة , كما فعلت ذلك اغلب دول العالم , فبعد تلك الأحداث أعلن بوتين وبوش ‏الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين وخصوصا في محاربة ما سمي بالإرهاب من - وجهة نظر تلك ‏القوى العالمية - , وكانت تصريحات بوتين واضحة في رفضه لأي استغلال إرهابي للمدنيين , ‏ورفض التفاوض معهم بأي حال من الأحوال , وهو ما ثبت عمليا في عدد من الحالات التي وقعت ‏فيها روسيا في نفس الوضع , كما هو في ردة الفعل الروسية على أحداث مدرسة بيسلان 0‏
‏ أما من ناحية أخرى , فقد استغل الروس تلك الأحداث انسب استغلال , وخصوصا فكرة ‏مكافحة الإرهاب , - وبالطبع – فان ذلك يحتاج الى أطروحات موسعة ومتعمقة لا يمكن ان ‏نتناولها هنا , ولكن سنشير فقط الى نقطة واحدة , هي من – وجهة نظرنا – كانت الأساس الذي ‏اعتمد عليه السيناريو الروسي الآخر , - ونقصد – ان بوتين استغل الارتباك الجيوسياسي الذي ‏أحدثته كارثة الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001م , وما نتج عن ذلك من انقسام داخلي في ‏صفوف النخبة الاميركية تجاه مجمل تلك القضايا والمتغيرات التي أعقبت الكارثة , كغزو ‏أفغانستان واحتلال العراق على سبيل المثال لا الحصر , وردة الأفعال الدولية عليها 0‏
‏ المهم في الأمر , ان مقاربات فريق بوش ورؤيته الى الأحداث والمتغيرات الدولية خلال تلك ‏المرحلة سالفة الذكر , لم تنجح في تنظيرها للمستقبل الذي ينتظر الولايات المتحدة الاميركية , فقد ‏خرج ذلك الفريق بالاستنتاج او المبدأ التالي , وهو استنتاج قيل ان كوندوليزا رايس من صاغته ‏كردة فعل على أعضاء المحور المعادي لأميركا قبل غزو العراق , مفاده ان عاقب فرنسا , ‏وتجاهل ألمانيا , واغفر لروسيا , ومن الواضح هنا بان اميريكا كانت بالفعل بحاجة الى روسيا في ‏حربها ضد الإرهاب , وذلك لأسباب كثيرة أبرزها على الإطلاق موقعها – أي – روسيا ‏الجيوسياسي , وذلك بسبب قربها من مصادر التوتر العالمي , وتأثيرها الأكيد على العالم العربي , ‏وامتلاكها لعدد من الأوراق الرابحة والمؤثرة مع الغرب , وهو ما جعلها عمياء عن رؤية ما يدور ‏ويخطط لها تحت قباب الكرملين الروسي في ذلك الوقت 0 ‏
‏ وقد كانت هذه النقاط وغيرها الكثير بالطبع , والتي لعب على استغلالها الروس , وتحديدا ‏خلال الفترة الثانية لرئاسة الرئيس الروسي السابق ورئيس الوزراء الحالي فلاديمير بوتين مع ‏مطلع العام 2004 م , وقد بدأت الأمور تتكشف سريعا بسقوط قناع المجاملات والمداهنة الروسية ‏والوقوف الإنساني والأخلاقي مع للولايات المتحدة الاميركية بسبب تلك الأحداث وغيرها , فقد ‏كشر الرئيس الروسي بوتين في ذلك الوقت عن أنياب مفترسة لم تشاهدها الامبراطورية الاميركية ‏من روسيا قبل ذلك , واظهر لغة سياسية حادة وغير معهودة زادت من إرباك تلك النخبة التي لم ‏تتصور بان الرماد الذي خلفته نيران العملاق الشيوعي الأحمر يمكن ان يشتعل من جديد 0 ‏
‏ ( فخلال العام 2004م , لم تكن موسكو مستعدة لأي نوع من الجهود الدولية في المحيط ‏السوفيتي السابق , بل على العكس من ذلك و بدا الكرملين بإظهار استياء علني من رغبة الولايات ‏المتحدة والاتحاد الأوربي في ان يكون لهما وجود على أراضي الاتحاد السوفيتي , كما كان وزير ‏الخارجية الروسي قد سال واشنطن باستمرار متى تنوي سحب قواتها من رابطة الدول المستقلة ‏‏– ‏CIS‏- , وأكثر ما كان يزعج موسكو هو تزايد النفوذ الاميريكي في جورجيا , كما تلقى تعين ‏ممثل خاص من الاتحاد الأوربي الى القوقاز الجنوبي قبولا فاترا من الكرملين ) 0 ‏
‏ هذا بخلاف التصريحات النارية التي أطلقها بوتين في عدد من المحافل الدولية , وأظهرت ‏الوجه الجديد لرجل لم تتصور اميريكا او حتى العالم ان يحمل معه ارث القيصرية السوفيتية , او ‏لغة القومية الروسية بتلك الحرارة والوطنية , وخصوصا تلك التي اعتبر فيها سقوط الاتحاد ‏السوفيتي اكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرون ومأساة حقيقية للشعب الروسي , كذلك فقد ‏كانت تصريحاته الرافضة للغطرسة الاميركية وتهميش هذه الأخيرة لروسيا من اشد التصريحات ‏التي لم يتصور احد عودتها من جديد بعد سقوط الاتحاد السوفيتي 0 ‏
‏ وقد أثبتت الأحداث وخصوصا تلك التي نتجت عن حرب القوقاز الأخيرة وتلتها , بان أميركيا ‏لم تعد قادرة على التعامل مع روسيا كما كانت بعد العام 1992م , وحتى نهاية القرن الماضي , بل ‏تثبت الأحداث يقينا بان الإرباك الجيوسياسي الذي تعاني منه النخب الاميركية لا زال مستمرا حتى ‏الساعة , ومما يدلل على ذلك ردة فعلها الأخيرة تجاه نفس الأحداث سالفة الذكر , فبينما تعلن ‏تضامنها مع جورجيا وتعلن استعدادها الكامل للتعاون معها , وتكيل الاتهامات الى روسيا بالتسبب ‏بالمأساة الجورجية وعدم الالتزام بتعهداتها كما أشار الى ذلك بتاريخ 25 / 11 /2008 م ماثيو ‏بريزا نائب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون أوربا واوراسيا 0 ‏
‏ نجد أنها وبعد ذلك بأقل من أسبوع فقط , - أي – بتاريخ 28 / 11 / 2008 م تتراجع عن ‏منح العضوية ذات المسار السريع في حلف شمال الأطلسي الى جمهوريتي جورجيا‎ ‎وأوكرانيا ‏السوفيتيتين سابقا , بل ونجد ان وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس التي كانت بلادها تضغط ‏على الأوروبيين كي‏‎ ‎يدعموا ملف تبيليسي وكييف قبل ذلك التاريخ تقول :- ‏‎ ‎ان ذلك الملف لم يعد ذا ‏أولوية , وقالت :- انه ليس ضروريا في الوقت الراهن مناقشة ترشيح جورجيا وأوكرانيا للانضمام‏‎ ‎الى الحلف الأطلسي , ورغم ان رايس لم تعتبر ذلك تراجعا أميركيا ، يبدو إعلانها بمثابة تنازل أمام‎ ‎الأوروبيين الذين يعارضون منح الدولتين وضع المرشح وعلى رأسهم الألمان والفرنسيون‏‎ ‎مراعاة ‏لروسيا التي تعارض بشدة تلك الفكرة, وهو ما دفع الرئيس الروسي ميدفيديف الى قوله :- يسرني ‏ان الرشد قد ساد., وأيا كانت الأسباب الضغط الأوروبي او أي شئ آخر فالمهم هو‎ ‎أنهم في ‏واشنطن لم يعودوا يصرون على المضي قدما بما سبق لهم من مواقف ضارية‏‎ ‎خرقاء 0‏
‏ وان دل هذا على شي , فاقل ما يمكن ان نستنتجه من خلال كل ذلك أمرين , أولهما نجاح ‏الاستراتيجية الروسية في التعامل مع المتغيرات الدولية بشكل عام والأميركية خصوصا , ‏واستغلالها بطريقة سليمة الى الآن على اقل تقدير , وثانيا استمرار حالة الإرباك الجيوسياسي الذي ‏لا زالت تعيشه النخب الحاكمة في الولايات المتحدة الاميركية , مما نتج عن ذلك الإرباك عدد من ‏التصرفات الغير محسوبة والتي أوقعت هذه الأخيرة في كثير من الحسابات التكتيكية ‏والاستراتيجية المتسرعة , وهنا نضع السؤال الأخير , والذي لن نجب عليه في الوقت الحالي , ‏وهو ماذا سيفعل الرئيس الاميركي الجديد باراك أوباما حيال هذا الأمر ؟ والذي ان لم يعالج سريعا ‏وبشكل جذري , فستكون عواقبه وخيمة على العالم , وعلى مكانة وهيبة وسيادة الامبراطورية ‏الاميركية على وجه الخصوص 0‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل - حماس: أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق


.. فرنسا: لا هواتف قبل سن الـ11 ولا أجهزة ذكية قبل الـ13.. ما ر




.. مقترح فرنسي لإيجاد تسوية بين إسرائيل ولبنان لتهدئة التوتر


.. بلينكن اقترح على إسرائيل «حلولاً أفضل» لتجنب هجوم رفح.. ما ا




.. تصاعد مخاوف سكان قطاع غزة من عملية اجتياح رفح قبل أي هدنة