الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصداف ولآليء – 5 – ( مارك توين.. والنمل – 2 - )

عبدو أبو يامن

2008 / 12 / 10
الادب والفن


فالإبداع الإنساني ليس منتجا ماديا، يضمن صانعه جودة الصناعة، ويضمن خلوه من عيوب التصنيع، إذ لا تكفي العلامة التجارية لضمان الجودة، ورفعة الأداء.. فالإبداع الإنساني فنا كان أو أدبا لا يخضع لتلك المقاييس الكمية والكيفية المادية والتوقع الدقيق الذي يضمن النتائج مائة في المائة؛ فالنفس البشرية لها مدها وجزرها، ولها إقبالها وإدبارها، ولها لحظات صفاء وشفافية وعطاء وإلهام تأتي فيه بالمعجزات، ولها أوقات أخرى تعجز فيها عن الحركة والأداء، وهي إن تحركت أو أعطت فهو ذلك العطاء الفج الساذج الباهت الذي يظهر عليه الإعياء والكد، والذي يقع في مستنقع الرتابة والاعتيادية والتقليدية..
ولطالما اشتكى المبدعون من تلك الأوقات العصيبة التي جفت فيها ينابيع الإلهام، وغاض معين الإبداع، والتي كانت في نظرهم أسوأ ما يتعرض له مبدع في حياته، ويصفونها بالعقم والجدب والإفلاس، وهي على كل حال أوقات ضائعة من حياتهم، هذه الحياة التي يقيمونها بما أنتجوا وأبدعوا.
فصاحبنا ( مارك توين ) يبدو أنه كان يعاني – وهو يكتب مقالته الآنفة الذكر- مثل هذه الأوقات، أو لعله مجرد الاستمرار؛ فكثيرا ما يلجأ المبدعون إلى هذا، خوفا من انحسار الأضواء وفقدان بريق الشهرة الكاشف، وفزعا من نسيان الناس لهم، والفنان المبدع نرجسي بطبعه يؤثر الثناء ويحرص على المديح لأنه هو الوقود الذي يسير به ماكينة إبداعه، وهو في النهاية يكتب أو يبدع لكي يجد صدى لذلك، وهو لا يكتب لنفسه وإلا لما حرص على انتشار اسمه وذيوع صيته، فصوت المبدع دائم البحث عن صداه وإذا انتفى الصدى كف الصوت عن الصياح؛ لأنه سيكون حين ذاك صرخة في واد، سرعان ما تتبدد مع ذرات الأثير!!
ولعل صاحبنا- وهذا أخطر ما في الموضوع، وهو الجانب الأسوأ والباعث على الرثاء والشفقة – كان يكتب لمجرد لقمة العيش، فالكتابة عموما لا تكاد تحمل همها؛ فهو يكتب في صحيفة يومية، أو دورية أسبوعية أو شهرية فهو ملزم ومضطر بأن يغذي هذا الوحش الشره، هذا الوحش الذي لا يقتات إلا الكلمات، ولو كانت كلمات لا معنى لها!!
والإبداع ضد الإلزام، ضد القسر، ضد حسابات الربح والخسارة، ضد ضغط الوقت وأهواء الجماهير.. إنه لا يعيش إلا في جو من الحرية وإن حرم من هذه الحرية فإنه سرعان ما يموت، كالسمك الذي لا يعيش إلا في الماء فإن أخرجته منه فإنه سيموت..
ولعله – التماسا للعذر – واقع تحت رحمة الجمهور، فكثيرا ما يفرض الجمهور رأيه وذوقه على المبدع؛ فإذا أمتعهم المبدع بمقالة أو مقالتين من النوع الساخر عفو خاطره وبملء إرادته استلذوا مثل هذا النوع من الكتابات فصاروا يبحثون عنها وإذا لم يجدوها طالبوه بها وحاولوا قولبته في إطارها، إرضاء لغرائزهم وتحقيقا لشهواتهم.. وويل للفنان أو الكاتب الذي يساير الاتجاه العام أو الذوق السائد إنه سيحفر قبره بيديه؛ لأنه سيقع في إسار الوقتي واللحظي والمعتاد، وسيوصد الأبواب في وجه أي إلهام جديد..
كل هذه الأعذار يمكن أن تساق دفاعا عن ( توين ) وهو في النهاية ليس سوى نموذج دائم التكرار في كل مكان وزمان.. وأما وجه الاعتراض على رأيه في النمل فلنرجئه إلى المقال القادم. ( يتبع )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-


.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت




.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً


.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو




.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس