الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صبيحة والموقف الايجابي من المرأة !

سهر العامري

2004 / 3 / 8
ملف - بمناسبة 8 مارس/ اذار 2004 يوم المرأة العالمي


في مجتمع شرقي مثل مجتمعنا ، وفي أيام غابرة ، يكون الموقف الايجابي من المرأة مستغربا ، إن لم يكن مشينا ، فقد حملت عقول الرجال منا ثقل إرث تنوء الرواسي بحمله ، ففي مرحلة الرعي السائدة عند العرب قبل الأسلام كانت المرأة مستبعدة في الغالب الأعم من المشاركة في طريقة العيش تلك ، لظروف قاسية خارجة عن ارادة الرجل والمرأة على حد سواء .
فالطبيعة بأهوالها ، والرعي وقسوته ، والخوف على المرأة من الغزو والغارات ، وشظف العيش والحياة ، كل هذا ، وغيره ، شكل لدى العربي نظرة دونية لها ، حتى وصل به الحال الى وأدها ، وهي في أيامها الأولى خشية أملاق ، كما نصّ على ذلك القرآن الكريم ، وليس حفاظا على شرف الأسرة وكرامتها من طفلة لم ترتكب جرما بعد ، إن كان هناك جرم .
وإذا كانت المرأة في مرحلة الرعي تلك ُترى وُتشاهد ، وتعد طعاما وترحب بضيوف وتتحدث معهم ، نراها في حواضر العرب ، فيما بعد ، قد كنت في بيتها ، وحجبت عنها رؤية الرجال ، وابتعدت كلية عن مشاركة الرجل في عمل ، وذلك بفعل موروث ، وبفعل نص مشرع ، وليس بفعل ظرف طبيعي قاهر هذه المرة .
ورغم أن النساء في أرياف العراق كن أكثر حضورا في العمل من نساء المدن ، لكن ذلك لم يدفع عنهن تلك النظرة الدونية التي نظر بها الرجال لهن ، والتي انبثقت من تقاليد وأعراف درجت عليها الناس منذ عهود خلت ، وبسبب من أنهن كن يزاولن عملا تكميليا كان الرجل هو الذي ينجز المراحل الصعبة منه ، كما هو الحال في الزراعة ، وهي الحرفة السائدة التي استقر عليها عرب العراق بعد الفتح ، ولو كانت المرأة العراقية قد زاولت عملا مستقلا لكانت نظرة الرجل لها قد تغيرت كثيرا .
ومن هنا يمكن القول ان الموقف السلبي من المرأة قد تشكل بسبب من تقليد اجتماعي، وبسبب من العزل الذي فُرض على النساء ، و بسبب حرمان النساء من العمل والدرس كذلك ، فقد خلت مواقع العمل في العراق من النساء ، مثلما خلت مدارسه قبيل حقبة قصيرة مضت من الزمن ، وهذا من بين ما ساهم في عدم تشكيل موقف ايجابي منها ، يقوم على احترامها ، والثقة بامكاناتها ، وليس النظر اليها ككائن ضعيف يلوذ بالرجل ، ويعتمد عليه في أمور عيشه وحياته .
كنت أنا واحد من أولئك الذين عاشوا مرحلة العزل تلك في ذروتها ، ولكنني وأقران لي عشنا في بدء حياتنا الدراسية خارج طوق تلك المرحلة ، فقد قاسمتنا البنات مقاعدنا الدراسية ، ومنذ السنة الأولى من المرحلة الابتدائية ، وفي مدرسة لم يسمح ذوو أبنائها لبناتهم الدراسة فيها ، لكن جيل من المعلمين والموظفين كان حريصا على تعليم بناته ، ومن هنا قاسمتني زميلة تدعى صبيحة مقعدي الدراسي ، وقت أن كان عمري لم يزد على السابعة من السنين .
كان أبو صبيحة القادم من بغداد معلمنا ، وكنا نحن نجدّ درسا في مدرسة تجثو على ضفاف أهوا ر الجنوب ، وفي طبيعة بتول لم يحل بها دنس الحضارة بعد ، ومثلما كنت أنهض أنا الى السبورة ، وأخط كلمة عليها ، كانت صبيحة تخط وتكتب عليها مثلي ، فهل لمثل هذه الشراكة في العمل يد في تشكيل الموقف الأيجابي من المرأة عند الرجل ؟ أنا أجزم بذلك من خلال تلك التجربة المبكرة التي مررنا بها .
حين حللنا الصف السادس الأبتدائي كانت صبيحة قد ارتحلت الى بغداد ، لكن موقفا ايجابيا عنها وعن غيرها ، ممن قاسمن طلاب تلك المدرسة مقاعدهم الدراسية ، قد تعلق في نفوسهم ، فها هو معلمنا الشيوعي ، حميد وادي ، يخط عنوانا في درس الانشاء على السبورة يقول : السفور والحجاب ! وقبل أن نبدأ الكتابة ، دخلنا في حوار ديمقراطي حار ، انقسم فيه الصف على نفسه ، كانت الأغلبية ، وانا منها ، قد انحازت الى السفور ، ليس بسبب من الحرية التي منحها لنا الاستاذ ، وإنما لأن صبيحة قد درست معنا سافرة ، دون أن يمسها سوء ، أو يشينها ضرر ، ولا زلت أتذكر زميلا لي ، كان غارقا في العبادة ، وقد أعدمه صدام فيما بعد ، هو الذي ختم الحوار الحار بيننا ، حين ردّ على دعاة الحجاب بقوله : في العباءة اختبأ نوري السعيد! فصفق المعلم الذي ظل محايدا طوال الوقت ، وصفقنا نحن من بعده ، منتصرين في ذاك الحوار !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية


.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس




.. قبالة مقر البرلمان.. الشرطة الألمانية تفض بالقوة مخيما للمتض


.. مسؤولة إسرائيلية تصف أغلب شهداء غزة بالإرهابيين




.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في