الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحت سياط التعذيب................4

مازن فيصل البلداوي

2008 / 12 / 12
حقوق الانسان


تكملة لما كان في الجزء الماضي وحديثي مع أحد ألاخوة ألأكراد، بقينا نتحدث قليلا بعد أن أتمّ بعض ألاخوة صلاتهم أذ كان ألنور قد أطفأ من الخارج طبعا، وتمدد كل منهم على ألأرض، مخدّة كلأ منهم ملابسه أو جزء من ملابسه يتوسدها وينقلب الى ذات اليمين أو ذات الشمال أذ لاتكفي المساحة المتاحة لأن ينام ألآدمي على ظهره! ويضطر الى ان يثني ركبتيه كي لاتمتّد رجليه طويلا الى الجهة المقابلة لأن هناك أخا آخر ينام بنفس الطريقة..........أحد عشر شخصا كأننا أصابع بسكويت قد صفّت داخل علبة كرتون او أصابع نقانق قد صفّت بعلبة معدنية.......ههههههههههه........ عجيب ياأخي هذا الأنسان! وغطّوا أجسادهم بصورة مشتركة، أي كل شخصين بغطاء واحد...... وغطّ الجميع بنوم عميق، بقيت عيني مفتوحتين بالرغم من أني أخذت الوضع الخاص بالنوم أنصت وأسمع لما يجري خارج الزنزانة ، فهناك أصوات نساء ورجال على حدّ سواء تستغيث وتطلب الرحمة، أشخاص كثيرون وقصص كثيرة لايعلم أحد عنها ألا أولاءك ألأشخاص الذين عاشوا تلك التجربة ولازالوا على قيد الحياة.
أخذني التعب الذي أرهقنا خلال اليومين الماضيين واستغرقت بالنوم لأصحو على هزهزة يد أحد الأخوة يوقظني ويقول سيوزعون الفطور بعد قليل فنهضت مسرعالآخذ قليل من ماء الخزّان المعدني لأغسل وجهي( وأصحصح)، وفعلا ماهي ألا دقائق أذ سمعنا صوت ألأقفال وهي تفتح،فتح الباب بعدها وتقدّم أحدنا ليقدّم ألأناء البلاستيكي الذي خصص للطعام فسكب له الشخص الموكل بمهمّة توزيع الطعام مقدارا على قدر 3/4 من ألاناء وأعيد غلق الباب وأوصدت مع أقفالها مرة أخرى، هنا كان الواجب على المجموعة ان تتناول طعامها على وجبتين لأن صغر ألأناء لايكفي ان يتحلّق حوله الجميع، فدعيت الى الوجبة الأولى فأخرجت نصف الخبزة العسكرية من مخبأها لآكلها مع حساء العدس الذي أعطيناه، على كل حال انتهينا من تناول الطعام وبدأنا بتناول السجائر وبالطريقة الجديدة، اي كل ثلاثة أو أربعة أشخاص يستهلكون سيجارة واحدة، وما هي ألا مايقارب النصف ساعة حتى أطفأ النور مرة أخرى وعدنا لما كنا عليه من جو مظلم تقريبا الا ماتسرّب من ضياء من تحت الباب، لذا لم يكن بوسع أحدنا ان يعلم ماهو الوقت،الا ان يفرّق بين فترة ضياء وظلام.
هنا سألني أحد ألاشخاص القابعين عند الزاوية القريبة من الباب وكان يرتدي بدلة عسكرية خضراء اللون ويحمل شارة الوحدات المدرّعة على يده اليسرى،أشيب الشعر الا من أسوداد هنا وهناك، طويل القامة ابيض الى أصفر اللون بنيته ضعيفة، وقال ...ماسبب مجيئك الى هنا، فأجبته باني مع ثلاثة أشخاص آخرين قد طلبنا لغرض التحقيق ودار بيننا حديث هامس،لأن الكلام كان ممنوعا، ناهيك ان الحرس يفتح الشباك الموجود في أعلى الباب فجأة ليرى ويكشف مايحصل داخل الزنزانة من وقت لآخر، ولايريد احد من الموجودين ان يتعرض لموقف يزيد ماهو عليه سوءان وانتهى سؤاله.........فشجّعني هذا ان اتقرّب منه وأسأله عن سبب مجيئه الى هنا،فأجابني بأنه هنا بسب وضع أخيه المتواجد في لندن/المملكة المتحدة وهو شخص حاصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة النووية، وطلبت منه الدولة بأن يقنع أخيه بالعودة الى العراق، ويقول انه قد فاتحه أكثر من مرّة وهو لايريد العودة! فماذا عساي أفعل؟ يقول ... قد أخبرتهم بأنكم دولة وتستطيعون أقناعه أو أجباره بالعودة الى العراق، فأنتم بموقف أقوى مني! يقول... لايريدون سماع هذه ألأجابة ويجبرونني على القيام بعملية ألأتيان به بأعتبار ان هذه مسؤليتي كاخ أكبر، تبيّن فيما بعد أنه برتبة عسكرية متوسطة وفي وحدة من الوحدات المدرّعة المهمة وكان مذهبه شيعيا وهو من سكنة محافظة ديالى.
عدت الى مكاني بعدما انهيت الحديث معه واخرجت سيكارة من علبة سكائري والتي قاربت على ألانتهاء لأستمتع بتدخين سيكارة لوحدي كما انا فاعل الان وانا اكتب هذه السطور واستذكر تلك ألاحداث، أنقلبت بعدها الى الحديث مع ألأخ عثمان سابق الذكر عن كيفية ألاستدعاء وماهية الاحتمالات وحيثيات التخقيق،فحكى لي ماحكى في حينها ولاأريد ان أذكرها لأني سأذكرها بالتفصيل كما مررت بتلك المرحلة لاحقا وبينما نحن هكذا أذ سمعنا ألأقفال تفتح وبعدها الباب وثلاثة أشخاص وقفوا عند الباب أحدهم يحمل ورقة ، وهنا استيقظ جميع من كان قد خلد لغفوة بعد طعام ألأفطار وأسندوا ظهورهم الى الحائط، وبدأت ألأسماء تتلى وأذ أحد ألاسماء لأخ معنا في الزنزانة، فنهض واقفا، وبدأ يخلع سرواله وغطاء جسمه العلوي وبقي بملابسه الداخلية وخرج الى الممر خارج الزنزانة، بعدها أغلقت الباب وأعيدت ألأقفال اليها، بقينا نتحدث بهمس بين هذا وذاك وما هو الا بعض من الوقت أذ فتحت الباب مرة أخرى وعاد الى الزنزانة ألأخ الذي خرج صباحا وقد دخل بحالة يرثى لها، جسمه يرتعش من أعلى رأسه الى أخمص قدميه والدماء تسيل من عدة أماكن على جسده وفمه وهو يبكي بكاء ألألم ، فأستقبله أثنين من ألأخوان الموجودين وساعدوه لأرتداء ملابسه وغطّوه بغطائين بعدما مسحوا الجروح التي كانت على جسده (بفانيلته) ليهدأ أرتعاش جسمه ويحافظ على درجة الحرارة بعيدا عن لسعات برد شباط في بغداد، بعدما هدأت ألأمور، سألت ألأخ عثمان عن قضية ألأخ عبد الرحمن(كما اتذكر أسمه) فقال....هو هنا منذ أكثر من ستة أشهر وكل أسبوع أو عشرة أيام ينادوا أسمه فيذهب ثم يعود بتلك الحال التي رأيته بها، وقضيته أن تشابها في أسم جد أمه وليس جدّه لأمّه مع شخص مشتبه به شارك بتفجير مستودعات الأسلحة (الحادثة الشهيرة) في منطقة أبي غريب ....... وهو من ألأخوة ألأكراد .
على كلّ حال، كانت ألأيام تمرّ علينا بمثل هكذا أو بشبهها ونحن نسمع مانسمعه ونرى مانراه لمن يحين دوره للذهاب للتحقيق وكل حسب قضيته التي اتى من أجلها الى هنا، وبعد يومين من هذا الموقف وذات ليلة وحسب تقديري ان الوقت كان قد قارب على منتصف الليل وكنا قد غفونا للنوم، فزعنا مستيقظين على صوت فتح ألأقفال والباب وأنارة الضوء، لنرى ثلاثة أشخاص عند الباب احدهم برتبة (نائب ضابط) والغريب انه كان يرتدي الملابس الخاصة بما يرتديه العسكري بعد ساعات الدوام الرسمي، وكان يبدو عليه ملامح السكران من الخمر، فقال ( لك منو منكم يا خوات .......،حاط المقراضة بالحمّام) اي من منكم يا كذا من كذا .... قد وضع مقراضة الأظافر في دورة المياه؟ ومن الطبيعي ان لاأحد يستطيع الأجابة حتى ان كان فاعلا، بالرغم من ان مراحل التفتيش عند القدوم لن تجعلك تخفي مثل هذه الأداة التي تحتوي على سكّين صغيرة! وهنا انتفض قائلا وموجها الكلام نحوي وقال! (كوم لك أنته....... شكد صارلك هنا) أي قم انت، موجها اصبعه نحوي، كم يوما لك هنا؟
فأخبرته ، انا لي أربعة أيام....... فقال، أذا أكيد أنت من وضع المقراضة في الحمام! فقلت له ابدا! اساسا ليس لي مقراضة مثل هذه، ومن ثمّ، فأن التفتيش لايعطيك فرصة لأن تخبيء مثل هكذا شيءّ فقال،، شوف شوف شوف... شلون لسان طويل، ويرد بعد، اي يرّد ايضا،، ثم قال .... جيبوه، تعال لك اطلع برّه!
أضطررت ان أخلع سروالي وغطاء جسمي العلوي وخرجت الى الممر، فأوقفوني بأتجاه الحائط وسحبت يديّ الى الخلف وربطت، ثم عصبت عيناي، وهنا كنت متأكدا ان تلك اللحظات هي اخر لحظات حياتي، أذ لم يمكنني ان افكّر بغير ذلك في تلك اللحظة، وانا أسمع نفس الصوت الذي أسمعه يوميا ، صوت ذلك الجهاز أو ألآلة التي تشبه كمن يدير معلقة في قدر كبير........... وهنا قال نفس الصوت لي........... ولك أعترف أحسن لك، لا أذبّك بحوض التيزاب...... جاي تسمع الحوض والخوط مالته ( اي اعترف وألا رميتك في حوض ماء النار، الا تسمع صوته؟) فقلت له : ياسيدي..... الموضوع لايستحق كذبا او ماشاكل، حقيقة اني لم أجلب ولم أضع تلك المقراضة في الحمّام .......... أرجوك صدقني! ولو كنت فعلا وضعتها ، لأخبرتك وانتهى الأمر!
وهنا لاأدري كيف سمعته يقول ،، حسنا خذوه وأعيدوه الى زنزانته.................... تنفّست الصعداء وانا في طريق العودة حتى وصلت الزنزانة، فتحت الباب،، دخلت وارتديت ملابسي وعدت الى النوم بعدما حدثت الأخوة المنتظرين بما حصل!

سنتحدث في الحلقة القادمة عما حدث أثناء التحقيق!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقالات وإعفاءات في تونس بسبب العلم التونسي


.. تونس– اعتقالات وتوقيف بحق محامين وإعلاميين




.. العالم الليلة | قصف إسرائيلي على شمال غزة.. وترمب يتعهد بطرد


.. ترمب يواصل تصريحاته الصادمة بشأن المهاجرين غير الشرعيين




.. تصريحات ترمب السلبية ضد المهاجرين غير الشرعيين تجذب أصواتا ا