الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف ننظر للأحزاب الدينية؟

حسين علي الحمداني

2008 / 12 / 13
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق


تؤكد الكثير من التجارب الاجتماعية والسياسية والتاريخية أن الدين لا يمكن رصد دوره المركزي في أي انتخابات بمعزل عن رصد التغيير الاجتماعي والسياسي الذي تشهده السياسة الداخلية والخارجية للبلد. فالملاحظ الحضور الكبير للبعد الديني في الشخصية العراقية المعاصرة، وأزال هذا الحضور الكثير من الحجب عن العلاقة بين المجالين الديني والسياسي في الحياة السياسية العراقية، وهو ما فاجأ الكثير من القوى والجهات التي اختلف تفسيرها للظاهرة تبعا لمواقفها السياسية ورؤاها الأيديولوجية. فإزاء النجاح الكبير الذي حققته الأحزاب الدينية العراقية في الانتخابات الأخيرة (2006)اختلفت التفسيرات حول أسبابه ومبرراته ، وأرجع عدد من المراقبين ذلك إلى استخدام الرموز الدينية وقالوا إنه هو الذي نقل هذه الأحزاب إلى سدة الحكم كقوة أساسية ورئيسية في الدولة العراقية الجديدة التي يتم بناؤها من جديد. ولكن من الواضح جدا أن الأحزاب الدينية هي البديل الجيد للأنظمة الشمولية.
وهذا ما كان سيحصل إلا في سياق ثقافي واجتماعي مهيأ لاستقباله والتعامل معه بإيجابية شديدة، ويمكن القول إن هناك عناصر أساسية ساهمت في بروز دور هذا الشعار وقدرته على تحقيق الحشد والتعبئة تتراوح بين أسباب بنيوية تتعلق بخصوصية المجتمع العراقي، والتحدي الحضاري والسياسي والأمني الذي يواجهه، وأسباب تتعلق بالحراك السياسي الاجتماعي الذي برز في العراق بعد سقوط الدكتاتورية. مع الأخذ بنظر الاعتبار تهميش دور البعد الديني في المجال السياسي بتأثير نظريات التنمية السياسية السائدة في حقل السياسة المقارنة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وهي النظريات التي وجدت رواجا كبيرا، وأسست لفهم الظاهرة السياسية من خلال التركيز على دراسة السلوك الإنساني والتحليل الكمي، مع تهميش تأثير القيم في سلوك المواطنين.
ومع تغير الظروف ثبت قصور المدرسة السلوكية في فهم وتحليل الظاهرة السياسية خصوصا في العالم الثالث والمجتمعات الإسلامية، ومع ظهور ما بعد السلوكية تم مراجعة هذه الافتراضات والتأكيد على فكرة الخصوصية ودور القيم والثقافة الدينية في السلوك السياسي.
وفي هذا الصدد تم بلورة مفهوم "رؤى العالم" ‏Vision du monde‏ من أجل فهم وتحليل قضايا الهوية والقيم في المجتمع‏،‏ وأهم الخصائص النظرية للمفهوم كما حددها "كينيث بولدنج" في كتابه "الصورة" ‏The image هو أن الرابطة الأساسية لأي مجتمع أو ثقافة فرعية أو نظام هي "الصورة العامة" ‏Public image‏ التي تشير إلى الخصائص الجوهرية لرؤية العالم أو الصورة العامة التي يشترك فيها أفراد ذلك المجتمع وتتجسد في القيم والتقاليد والمثل العليا‏.‏
وتوافق الاهتمام بموضوع القيم ورؤى العالم مع ظهور موجة من العودة للتدين في العالم، حيث برز دور الدين في الانتخابات في كثير من الدول في أوربا وأمريكا، فعلى سبيل المثال "حركة تضامن" البولندية التي ناهضت الحكم الشيوعي في الثمانينيات اعتمدت على العناصر الكاثوليكية ودور الكنيسة، كما أثبتت الانتخابات الرئاسية الأمريكية منذ عهد ريغان وبصورة أوضح في عهد الرئيس جورج بوش الابن الحضور الكبير للبعد الديني في التأثير على المصوتين، حيث كان تأثير الدين في المعركة الانتخابية تأثيرا مباشرا وواضحا، يقول بوش‏:‏ "إن المسيح هو فيلسوفه السياسي المفضل وإنه من المؤمنين بعقيدة الولادة الثانية".
أهم ما يميز الحضارة العربية الإسلامية أن المجال القائد للحياة هو المجال الديني، حيث تتأسس الحياة على سيادة المجال الديني، الذي يحدد الأسس والقواعد والمبادئ والقيم الأساسية، وسيادة المجال الديني تعني أنه يمثل المرجعية الحضارية، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه السيادة لا تعني أن المجال الديني يتولى القيادة التنفيذية للمجالات الأخرى على عكس التجربة الحضارية في الغرب قبل بدء عصر النهضة والتنوير. والحقيقة تؤكد أن تهميش دور التقاليد والقيم العليا دون وجود بديل لها يخلق حالة من التوتر والاضطراب بين القيم العليا الحاكمة للحضارة وأولها العقيدة الدينية والحياة نفسها، وبين العقيدة الحضارية التي يؤمن بها الناس وواقع حياتهم.وقد أثرت السياسات التي اتبعتها النظم الحاكمة في خلق أزمة هوية لدى الأجيال الشابة، حيث أثرت السياسة الاجتماعية للنظام الدكتاتوري على أنساق القيم السائدة في المجتمع، وسبق هذا عمليات قمع واسعة مارسها النظام المقبور في حملة إعدامات واعتقالات لعناصر إسلامية من شتى المذاهب.
والحقيقة التي تتجاهلها الأنظمة الدكتاتورية ومنها النظام الصدامي المقبور إن الأحزاب والحركات الإٍسلامية هي نوع من الحركات الاجتماعية، وإن كانت تتميز عن غيرها بكونها تمتلك منطلقات عقيدية وإيمانية تجعل المنتمين إليها مستعدين للتضحية في سبيلها، كما أن لديها مرجعية متجاوزة للواقع المادي وتفسيراته الوضعية؛ إضافة إلى أن رسالتها تسمو فوق الفوارق بين التجمعات الطبقية والإثنيات العرقية، واللون والجنس؛ ولذلك نجد أن خطاب هذه الحركات يتجه إلى غالبية الناس دون تمييز، كما أن أهدافها تتسم بالشمول والكلية، مثل هدف "حياة أفضل"، و" إصلاح المجتمع "، و" القضاء على الفساد". لهذا نجد إن الشعارات التي رفعتها الأحزاب الدينية في مرحلة ما بعد سقوط الدكتاتورية أظهرت إن ملايين المواطنين يتفهمون ويؤيدون خطابات الأحزاب الدينية ليس فقط لأنها ترفع خطابا دينيا، ولكن -وهو الأهم- أن من يرفعون الشعار الديني جزء منهم ويعيشون همومهم ومشاكلهم، وليسوا منفصلين عنهم، ولذلك يجد خطابهم تأييدا، وهذا ما يؤكد إنها – أي الأحزاب والحركات الدينية- إنما هي اجتماعية بالأساس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشكل فوري.. الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء أحياء بخان يونس ورف


.. الفلسطينية التي اعتدى عليها كلب الاحتلال تروي تفاصيل الجريمة




.. أخبار الصباح | بايدن ينتقد المحكمة العليا.. وأول تعليق من إي


.. -تايمز أوف إسرائيل- تستبعد إرسال الجيش الإسرائيلي للآلاف من




.. علاقة السمنة بانقطاع التنفس أثناء النوم