الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حينما يؤمِنُ الإلحاد...

يوسف هريمة

2008 / 12 / 16
الادب والفن



في صمت الليل وبين ثنايا دفاتر قديمة وكتب مبعثرة كانت عيون " عبد الله " قد تسمرت في جوف السماء. شاب في ربيعه العشرين لا يعرف الكلل ولا الملل، صديقه الوحيد هو قلم يتكئ عليه حينما تضيق به النفس والأرض، في مسار طويل بدايته حلقات الطفولة المغتصبة وامتداداته ما زالت تزحف نحو المجهول.
بين حيطان غرفة وشرفة تطل على عالم لا محدود من الأسرار، كان عالم الأرق الفكري تدفع بالعقل أن يتحرر من سباته العميق، فيسأل وينبش ويدرس... حتى لو كان ظل السؤال قرار لا محدود، والرحلة غير منتهية في عوالم الشرق المعقد والمركب.
كانت هذه هي حاله وهو يحصي تناقضات المجتمع، ويقلب الكف على الكف في المآل والمستقبل والمصير...
من أنا...؟
من أكون...؟
إلى أين سأرحل...؟
هذه كلمات رددها لسان " عبد الله " وهو بين جور الواقع وإكراهات العقل المتحرر من سطوة الدين والأخلاق. كره اسمه لأن فيه بعدا من أبعاد الذات المؤمنة بقيم الدين وروح المقدس، وكلما ناداه قريب أو بعيد " يا عبد الله..." أسرها في نفسه ولم يبدها لهم...
نعم هي لعنة الثورة وقبح السؤال المتمكن من ذات عارفة بخبايا الفلسفة المادية والإلحاد الديني، من كانت تحرك الفتى وتشحنه ليطرح السؤال ويضرب في الأرض طولا وعرضا عله يتحرر من عبوديته.
وفي ليلة من لياليه الساكنة فاضت النفس برحابة السؤال، وقررت أن لا يشاركها في مقتها للواقع أحد...
قررت هذه المرة أن تثور ولا تركع إلا لصوت العقل، وليكن عنوانها حرية لم تكتب على وجه الشرق المتناقض بعد.
كانت بداية التمرد الديني هجر للمساجد، فالجوامع قد سرقت من زمن وعلى منابرها كتبت الوصاية. أراد أن يصلي صلاته الجديدة في محاريب بخشوع لا يذكر اسم الله فيها، فقد ملَّ هذه النسبة. اتجه إلى محل لبيع الخمور أملا أن يركع ركعته الأولى بعيدا عن التهليل والتكبير، فالنفس ضاقت وعلى جبينها التصقت العبودية.
دخل المحل وكؤوس الراح تتقاذفها الأيادي فلا معبود إلا الخمر كما ظن، وأطلق العنان للعينين لتأكل ما لذ وطاب من عري النساء، فما تشتهيه النفس هنا لا يحتاج إلا المال.
توجه عند الساقي:
أسقني الراح وجه الصباح...
أجاب الساقي:" تفضل سيدي بسم الله..."
تسمر في مكانه ولم يبد حسرته وجلس بعيدا في طاولة منزويا بوحدته، والعيون تعشق وترقب طلوع راقصة كان صاحب المحل قد برمجها لزبنائه في ليلة حمراء.
دخل الجوق أولا يتهيأ لبداية الحفل والسمر وبدؤوا يجربون الميكروفونات.
بادر أحدهم: وهو يمسك بالميكروفون:" الله الله...
وإذا بالراقصة تلوح في الأفق وعيون " عبد الله " تصفق...
تذكر على الفور وانسابت خمريات أبي نواس:
اشـرَبْ ، فُـديتَ علانِيَـه أمُ التّسَتّرِ زانِيَهْ
اشـرَبْ فـدَيتُـكَ ، واسقِـني حتى أنَـامَ مكـانِـيَــهْ
لا تَــقْــنَـعَـنّ بِـسَـكْـرَة ٍ ، .........حتى تَعُودَ بثَانِيَهْ
انتهى التصفيق ورددت الراقصة:" يالله صلوا على النبي..."
كاد الكأس يفقد توازنه بين أيدي :" عبد الله " وظن أنه أحيط به من كل جانب...
وضع أصبعه على سماعتيه فإذا بقوام يتمايل يقصد طاولته في ركن بعيد.
بادرت الفتاة: ممكن أجلس...
تبسم " عبد الله ": تفضلي...
دار الحديث على إيقاعات الراح وقصص الغرام وانتهت المهمة بسؤال:
أريد أن أراك غدا...
أجابت والبسمة تملأ عيونها:" نعم بعد المغرب "
لا لا نهارا أجابها بسرعة...
قالت أنا صائمة:" دَيْن الله في رقبتي..."
" نلتقي بعد المغرب..."
حمل " عبد الله " خيبته وعاد يسخر من القدر، فالمساجد مساجد...
وحتى الحانات عادت منابر للوعظ والإرشاد...
فتحت الأم الباب:" تأخرت عبد الله...."
لم يجب وراح صوب الغرفة التي أنجبت الإلحاد والتمرد يقلب الكتب. سقط الدمع من عينيه فمد يده يمسح الحزن عن الخدود وقال:
" في الشرق مُتْ متناقضاً ولا تعِشْ ناقداً..."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??