الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هي مرحلة الشيوعيين الآن؟

سليم سوزه

2008 / 12 / 14
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


بالرغم من ايماني المطلق بان انتخابات مجالس المحافظات القادمة سوف لن تختلف كثيراً عن سابقاتها التي حصلت في عراق ما بعد الدكتاتورية، الاّ ان المراقب لخريطة الوضع السياسي في البلد يستطيع ان يلمس تغييراً طفيفاً في توجهات الناخب، وتبدلاً في بعض المواقف، والتي قد لا تؤدي فعلاً الى تأثير كبير في ميزان العملية الانتخابية لصالح العلمانيين، لكنها مهمة لاستشراف المستقبل ومعرفة الى اين تتجه بوصلة المواطن على الاقل خلال الفترة القليلة القادمة.

في برنامج للدكتور محمد الهاشمي على قناة المستقلة، كان هناك سؤالاً مستفزاً للضيفين الغريمين، الشيوعي السابق الدكتور مهدي السعيد، والبعثي سيف الدين الدوري، والسؤال كان: مَن ستنتخب؟ من بين اصناف ذكرها الهاشمي اشتملت على بعثيين واسلاميين وقوميين ويساريين وشيوعيين وليبراليين علمانيين وتيارات اخرى، فأجاب الدوري، بانه سينتخب البعثيين دون ادنى تردد، وهو ما كان متوقع منه ..
اما الملفت في الامر هو جواب الشيوعي السابق مهدي السعيد، فقد صدم الهاشمي والمتابعين للبرنامج، حينما قال باني سانتخب الليبرالي العلماني، مما جعل المذيع يسأله اكثر من مرة عن السبب وهو المفروض ذو تراث يساري شيوعي، فعلّل لان المرحلة الحالية ليست مرحلة الشيوعيين، مضيفاً بان العراق اليوم يحتاج الى ليبرالي علماني يوحد الجميع.

من هنا اتت فكرة هذا المقال بعنوانه، لنرى هل فعلاً ان المرحلة الحالية ليست مرحلة الشيوعيين؟ وان كانت كذلك، فمتى هي مرحلتهم؟ وهل من المفروض ان يحرث الليبراليون الارض كي يزرعها من بعدهم الشيوعيون!

بالتأكيد كلام السعيد ليس هو كلام كل الشيوعيين خصوصاً وان الرجل بدى عليه الهذيان وفقدان التركيز وعدم القدرة في مواجهة سؤال المقدّم حيث تلعثم كثيراً وتردّد في الاجابة لدرجة بدأ يبرّر اجابته تلك، بان الوضع في البلد عبارة عن فوضى سياسية وان الشيوعيين ممكن ان يزيدوها فوضى بسبب فجوتهم الكبيرة تجاه عنصري الدين والقومية، والذي تركهما الحزب الشيوعي العراقي دون رؤية او معالجة واقعية كي يستطيع كسب الناس.
واضاف بان الليبراليين العلمانيين هم وحدهم القادرون على انتشال الوضع الراهن ممّا هو عليه الآن، مما اضحك الهاشمي كثيراً وجعله يقول بانك يا سعيد تخذل الشيوعيين بهذا .. لان المفروض بالفكر ان يبرز في وقت الازمات كي يبرهن صحة نظريته، لا ان ينتظر غيره ينقذه ومجتمعه في وقت الشدة، حتى يستلم هو زمام الامور في وقت الرخاء...

البعثي الدوري دخل هو الآخر على خط الشيوعيين والاسلاميين التقليديين الذين فشلوا في تقديم نموذج للدولة العصرية، واستعار مبرّراتهم وعباراتهم (بالنص والمعنى) التي كانوا يطلقونها بعد كل عملية فشل لهم، حينما قال ان سقوط صدام والبعثيين من اتباعه، لا يعني سقوط البعث كفكر قومي، وان ممارسة هؤلاء لم تكن تعبر عن النظرية البعثية، مشدداً على ان الخطأ كان في التطبيق وليس النظرية.

لا يُذكّرني هذا الاجترار سوى باجترار البعثيين القدامى لمقولات القائد الضرورة، مثل (ياحوم اتبع لو جرّينا) و( ما ردّلهم مخبّر) و(جدار الحصار يتآكل) وغيرها، مع فارق انهم اليوم يستنسخون ما يقوله الآخرون عن تجارب مضت، وليس ما كان يقوله رئيس قافلتهم صدام.
عموماً ساترك لكم انتم التعليق على البعثي واعود لصلب موضوعي الاساس، موضوع المرحلة الحالية، هل ستكون شيوعية ام لا.

ادق مَن يستطيع الاجابة على هذا التساؤل هم الشيوعيون انفسهم، هل انهم اعدّوا العدّة لمثل هكذا يوم، اعني يوم الانتخابات؟ هل بمقدورهم ان يقنعوا الناخب العراقي ببرنامجهم السياسي؟ هل هم مؤهلون لقيادة المحافظات العراقية في الانتخابات القادمة وبالتالي البلد في الانتخابات البرلمانية التي تليها؟
اعتقد ان اكثر المتفائلين من الشيوعيين سوف لن يجرؤ على القول بان الحزب سيأخذ اكثر من مقعد او مقعدين كحد اقصى في بعض المحافظات العراقية، بل لربما لا يحافظ حتى على مقعديه في مجلس محافظة بغداد، الذين حاز عليهما في الانتخابات السابقة من اصل 51 مقعد مخصّص للعاصمة .. والسبب ليس كما يدّعي بعض المتطرفين اليساريين من ان الحزب تخلى عن مبادئه وجذوره الماركسية وفضّل مصالحه الشخصية بدخوله العملية السياسية .. بل من وجهة نظري، عدم قدرة الحزب لخلق خطاب سياسي ينافس خطاب الآخرين وعدم القطع بأهم القضايا المصيرية، فضلاً عن غياب الرؤية او عدم وضوحها في ما يخص مستقبل العراق السياسي وما يمكن ان تكون ملامح نظامه في حال تصدّر الشيوعيون القيادة السياسية.

قائمة الحزب الشيوعي العراقي "مدنيون" والتي يأتلف فيها مع الحركة الاشتراكية العربية والحزب الديمقراطي، قد اعلنت برنامجها السياسي والخدمي والذي تركّز كبقية البرامج، على تحسين الخدمات وتطوير البنية التحتية في المحافظات، لا اعتقد هي الاخرى ستكون البديل الناجح عن القوائم الباقية، لان معظم العراقيين يعلمون بأن المسألة الخدماتية غير متعلقة فقط باداء المُنتخَبين، بل هي مرتبطة بمجمل الوضع العام للبلاد، بما فيه الوضع السياسي والامني، فضلاً عن انهم غير مستعدين الآن للتغيير وكل الدلائل تشير الى ذلك. واذا كان هناك ثمّة احباط من اداء المجالس الحالية، فليس هناك من خطاب يساري او علماني قوي يستطيع لفت انتباههم وشد اصواتهم كي يكون البديل للاسلاميين الحاليين.

لهذا اعتقد بان المرحلة القادمة سوف لن تكون مغايرة للمرحلة الحالية على الرغم من انها ستشتمل حسب تصوّري على صعود بعض المستقلين على حساب قوائم الاحزاب عامة، وسوف لن تكون كذلك مرحلة الشيوعيين، لا لانهم سيزيدون البلد فوضى، كما يقول مهدي السعيد، بل لان الناس لم تجد بعد جدوى من التغيير او على الاقل لم تر خطاباً علمانياً يجاري خطاب الاسلاميين، وان ادعاء العلمانية والتقدّم من قبل بعض سياسييّ العراق الجديد، ليس سوى غطاءاً للبعث، كما هو الحال في رئيسين لقائمتين علمانيتين عربيتين في مجلس النواب الحالي.

سيبقى الحال كذلك، مالم تستطع التيارات العلمانية بما فيها اليسارية كسب ثقة المواطن العراقي والتخلّي عن جمودها الايديولوجي باتجاه التغيير والمواكبة وبعيداً عن شعارات الماضي وتطبيقات السلف.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لماذا يريد الشيوعيون ان ينتخبوا؟
صائب خليل ( 2008 / 12 / 13 - 19:49 )
أخي العزيز الزميل سليم سوزة
هل لي أن أسأل لماذا يريد الشيوعيون ان ينتخبوا؟
وما الذي يأمله الناخب الشيوعي من انتخابهم؟
هل ان مواقفهم اكثر يسارية من المعدل العام للأحزاب؟
هل يستخدمون خطاباً مختلفاً عن الباقين أم ان نفس العبارات التي يتقاذفها الأخرون بلا تفكير تدخل خطابهم وبلا تفكير أيضاً؟ وغالباً ما يكون الإحتلال هو من يطلقها؟
سابقاً تصورنا أن خطأهم في الوقوف وراء علاوي هو السبب في تميع مواقفهم، لكن بعد ذلك تبين أنهم كانوا يخفون وراءه تميعاً اكبر...
ماذا يأمل الشيوعي من انتخاب حزبه، هو السؤال الذي آمل أن احصل على جواب عليه.


2 - وما هو البديل للشيوعيين يا زميلي الاستاذ صائب
سليم سوزه ( 2008 / 12 / 13 - 20:17 )
في البداية اهنأ موقعنا الحوار المتمدن على وضع زاوية تعليقات تحت المقالات وهو ما كان ينقصه في السابق

ومن ثم اوجه كلامي للاستاذ صائب خليل المحترم واقول له ما هو البديل للشيوعيين اليوم؟
هل المفروض ان يجلسوا ويضعوا ايديهم على خدهم ام يفترض بهم التحرك سريعا على مواطن الخلل والضعف في اداءهم؟
وهل مقياسنا في تقييم الحركات والكيانات هو ضرورة ان يستخدموا الخطاب المختلف مع الآخر من اجل الاختلاف فقط؟ ام المفروض ان يقدموا شيئا لهذا الشعب المسكين وان يساهموا في العملية الاعمارية للبلد وللمواطن معا

باعتقادي ان الخطاب العلماني عموما والشيوعي بصورة خاصة ضعيف جدا بالدرجة التي يمكن له ان يؤثر على ناخب ابتلى بالطائفية والمحاصصة والفساد الادراي والمالي ولا يعرف كيف المفر او الى اين

لكني ومع ذلك من انصار العمل حتى لو كان محدودا الاّ انه بالتأكيد افضل من السكون والجمود
اقول هذا رغم خلافي مع الشيوعيين وموقفي من الماركسية بصورة عامة ولاني تعودت الحديث هكذا مع والدي الشيوعي المخضرم


3 - في الحركة بركة
محمد علي محيي الدين ( 2008 / 12 / 14 - 15:41 )
في الحركة بركة كما يقال وقد تحرك الشيوعيون عن خبرة وممارسة سابقة ورغم تعقيدات الوضع العراقي الا ان مكانهم محفوظا ومعروفا ،أطمئن أخي صائب خليل بأن الشيوعيين موجودون وسبفوزون رغم أن التزوير سيكون الهاجس الوحيد الذي يقلقني،والشعب العراقي ينظر اليهم الآن نظرة أكبار لأنهم فوق الطائفية وقمة الوطنية وأكثر الموجودين أمانة ونزاهة وأخلاص،والمستقبل كفيل بأظهار الكثير رغم عدم توفر الأمكانية المادية لمجارات الآخرين ولولا الأمل لبطل العمل مع تحياتي الخالصة


4 - الشيوعيون والأنتخابات
أحمد السعد ( 2008 / 12 / 14 - 18:36 )
الأخ العزيز سليم سوزه المحترم
أنا كتبت وعلى هذا الموقع عن خطأ الحزب لبتحالفه السابق مع علاوى وفضلت أن ينزل الحزب بقائمه مفرده كما فعل عندما نزل بقائمة أتحاد الشعب . ليس هذا موضوعنا , موضوعنا هو هل يستطيع الحزب فى هذه الأنتخابات ان يحقق شيئا ملموسا الجواب هو لا
والسبب ليس فى خطاب الحزب غير المختلف عن خطاب الأحتلال(كما يقول صائب خليل) فهذا رأيه الشخصى ولكن بسبب أن الحزب لم يقترب اكثر من الجماهير وبقى رهين القاعات المغلقه فى المقرات ومقتصرا على مجموعه من المثقفين الذين تجاوزوا الأربعين سنا فالحزب لم يستطع أن ينتشر فى اوساط الشباب ولم يحاول الأتصال بالجماهير بشكل مباشر من خلال الندوات الجماهيريه وقد صرح ابو داود مره بأن الحزب يدرس فكرة فتح قناة تلفزيونيه فضائيه رغم كلفتها المرتفعه وأعتقد أن هذا سيكون خطوه رائعه للحجزب لينتشر اكثر بين اوساط الجماهير التى لازالت تعتبر قاعده للقوى الأسلاميه بسبب انجرارها وراء العاطفه الدينيه وعدم تلمسها للبديل الحقيقى الذى يمكن ان يحقق لها طموحاتها وآمالها.المسألة الأخرى هو أن الحزب لم يحاول الأقتراب من القوى اليساريه العراقية الموجوده على الساحة وحاول دائما تجاهلها وكنت قد كتبت عن ذلك وعلى هذا الموقع ايضا. للحزب الشيوعى جماهيره ايضا ولكن لن نتوقع نتا


5 - طيف جديد
زين ( 2008 / 12 / 14 - 19:41 )
بالتأكيد هي ليست مرحلة الشيوعيين لا فقط بسبب الظروف الشائكة المحيطة بالوضع في العراق ، فلو ان مثل هذه الانتخابات جرى تنظيمها في اي من البلدان العربية فلن يكون نصيب الشيوعيون بأفضل حال مما هو في العراق رغم الظروف الافضل و الأميز مقارنة بوضع العراق و عليه فالمسألة ليست متعلقة بالخطاب او البرنامج السياسي المقدم من الشيوعيين او اي من قوى اليسار .. لنكن واقعيين و نعترف بأن القاعدة الأجتماعية لليسار عالميا و ليس فقط عربيا قد تقلصت فلا يستطيع شيوعيو فرنسا اليوم كسب ذات اصوات السبعينات و الثمانينات و هو ما ينطبق على ايطاليا و اسبانيا .. أذن المسألة متعلقة بجانب جوهري لا يزال فاعلاً هو أنحسار المد اليساري في مقابل أمتداد و توسع افقي ساحق للقوى المناوئة المتمثلة في بلداننا العربية بل و حتى الاسلامية بالقوى الدينية ذات البرامج الطائفية او النزعات الأصولية او الأهداف الأنحدارية التي كانت تصنف يوماً بالرجعية و المتخلفة و لكن ترتفع راياتها اليوم خفاقة جماهيرياً في لبنان و العراق و فلسطين و السودان و ايران و باكستان ... و امام هذا المد اليميني اخفقت قوى اليسار حتى في تشكيل جبهة موحدة.. و ربما بات الوضع يتطلب توحيد لا قوى اليسار فحسب بل و معها القوى العلمانية و الليبرالية مجتمعه .. يجب الخروج من قم


6 - الجماهير ليس مع القوى التي تدعم التخلف ونظام المحاصصة
علي صالح ( 2008 / 12 / 14 - 19:42 )
أعتقد ان السياسة في العراق عبارة عن تجارة والمشتري الأكبر الأحزاب الكردية ، فهذا الحزب تخلى عن ثوابته كونه حركة وطنية مستقلة ومناضلة واخذ ينبطح امام القوى الدينية لغايات المشاركة السياسية البائسة ومع الاحزاب الكردية لان بعض القيادات تشابكت في سرطان الدفع والمصالح مع هذه القوى ، اما جناحه الكردي فهو ملك أكثر من الملك في الزعيق القومي لهذا تحالفوا ومعهم الحزب كله في قائمة في الموصل وكركوك وديالى ، والجوهري في هذا التحالف هو قومي شوفيني ، فليس هناك من برنامج اجتماعي- اقتصادي لدى الاحزاب الكردية تجاه هذه المناطق بل يهمها ان تكون مكان للارهاب والتخلف حتى يتحقق حلم استقطاع اراضي اكثر للأقليم وهذا ما يصرح به قادتهم ليل نهار..ان عزوف الجماهير عن الحزب الشيوعي مهمة وطنية فلا مكان لمن يزعزع الوطنية العراقية وينتصر لنظام المحاصصة الطائفية والقومية السئ والذين كان الشيوعيين احدى دعائمة تحالفا ونشاطا سيسايا ومشاركة ..!


7 - المشاركة لاختيار البديل
د.علي عبد الامير ( 2008 / 12 / 15 - 05:31 )
الاخ الاستاذ سليم سوزة
شكرا على هذا المقال الجميل
واعتقد بان الناخب العراقي قد جرب الكثير من الخيارات ويحاول في المستقبل ان يجرب الخيارات الاخرى والتي لا اعتقد انها ستختلف كثيرا عن سابقاتها فالمعيار في الانتخابات القادمة انتخاب وجوه جديدة مع اختلاف توجهاتها ولو ان الاتجاه العام الحالي هو عدم المشاركة حتى الان ، كما ان الشيوعيون شاركو بالحكم الحالي ولم يقدمو شي كما شاركو سابقا وحدث ما حدث حينها اتمنى ان لا تجري الانتخابات على اساس الخيار البديل مهما كان
وشكرا على اتاحة الفرصة للمشاركة

اخر الافلام

.. مسؤول إيراني لرويترز: ما زلنا متفائلين لكن المعلومات الواردة


.. رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية يأمر بفتح تحقيق




.. مسؤول إيراني لرويترز: حياة الرئيس ووزير الخارجية في خطر بعد


.. وزير الداخلية الإيراني: طائرة الرئيس ابراهيم رئيسي تعرضت لهب




.. قراءة في رسالة المرشد الإيراني خامنئي للشعب حول حادث اختفاء