الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصداف ولآليء – 7 – ( أساطير الأولين )

عبدو أبو يامن

2008 / 12 / 16
الادب والفن


وكم في أساطير الأولين من كنوز!!
وحتى نأمن اللبس وسوء الفهم وتصيد الأخطاء نرى لزاما علينا ابتداء أن نحدد ما ذا نعنى بالأسطورة هنا؛ ( فالأسطورة ) من الكلمات الشائكة والمربكة والمفخخة بالمعاني التي قد تصل حد التناقض!!
فنحن نقول في كلامنا الدارج حين نريد أن نمدح شخصية مشهورة سياسية كانت أو رياضية أو أدبية : فلان أسطورة؛ وكأننا بذلك قد ألقينا بأهم وأعظم ذخيرة في جعبتنا اللغوية للتعبير عن كل ما يعتمل في نفوسنا.. إذ لا يكفينا أن نقول عنه بأنه عظيم أو كبير أو خارق أو أعجوبة أو داهية أ وحتى مصيبة لا بل نقول عنه ببساطة : أسطورة.
وعلى النقيض من ذلك حين نريد ذم فعل أو ننتقص قدر حكاية أو نحقرمن شأن رواية فإننا نقول عنه بأنه أسطورة أي خرافة لا أصل له من الصحة.
مثال آخر: ( الأسطورة ) في نظر ( العلم الحديث ) هي الخصم اللدود والعتيد الذي ظل مهيمنا على العقلية البشرية لآلاف السنين، والتي لم تتخلص من تأثيره الضار وتسلك دروب النور والتقدم والمدنية إلا بفضله – أي العلم – حين قضى على الأسطورة لا نقول قضاء كليا وفي جميع بقاع المعمورة، كما يدعي ويزعم. ولو أن العلم في الآونة الأخيرة أخذ يخفف من غلوائه وغروره وبدأ ينظر للأسطورة بعين الحكمة والاتزان والتعقل ويوظفها في قطاعات مثل الأدب والفن وعلم النفس والاجتماع وغيره.
وهكذا هي الطبيعة البشرية تطرف في أقصى اليمين يقابله رد فعل عنيف يتطرف في أقصى اليسار ثم العودة مرة أخرى إلى الوسط؟ ربما لفترة ثم تعاود البشرية سيرتها عودا على بدء!!
ولسنا بحاجة إلى القول إن ( الأسطورة ) في أي شكل تبدت حكاية أو حدوتة أو قصة أو مثلا أو حكمة، شعرية كانت أم نثرية هي سيرة طفولة العالم، كيف كان يفكر ويتخيل ويأمل ويخاف ، وكيف كانت علاقته بالعالم المحيط به والكائنات التي يعيش معها، وكيف كان يتصرف إزاء عالم الأرض وملكوت السماء..
من الأسطورة نبع العلم وجاءت الفلسفة ونشأ الدين ثم أخذت تنفصم عنه تدريجيا وإن كانت لم تقطع الصلة به نهائيا.
فالأسطورة إذن هي المنبع والمعين والأصل الذي انبثقت منه كل أشكال النشاط الإنساني والفعاليات البشرية، هو البناء التحتي ، الجذر الذي يضرب بعيدا في أعماق البشرية، ولذا يعاودها الحنين مرة بعد أخرى إلى الاتصال بهذا الجذر‘ بهذا الحبل السري ؛ فالأسطورة باختصار هي الحبل السري للبشرية..
ولكن ما ذا أعنى بالأسطورة هنا؟
أعني بها : أحاديث وأقاويل اختلقها الأولون لا أصل لها ولا نظام، وأنا أسطر – بتشديد الطاء – عليكم تسطيرا أي : أسوق لكم أحاديث تشبه الأباطيل..وأحيانا كانت الأساطير تعني الأكاذيب؛ ولكن دائما هناك فرق بين أكاذيب وأكاذيب!!
ولنلاحظ هنا التشابه اللغوي الظاهري الشكلي والباطني المعنوي بين كل من : الأسطورة والأحدوثة والأكذوبة والأبطولة وكلها تجمع على الوزن ( أفاعيل ) فتصبح : أساطير وأحاديث وأكاذيب وأباطيل.
وهناك مصطلح آخر قريب الشبه بالأسطورة هو ( خرافة ) وهو لغويا يعني : الحديث المستملح من الكذب..
وكثيرا ما توصف المجتمعات الشرقية والعربية على وجه الخصوص بأنها مجتمعات تعشعش في أرجائها الخرافة وبأن تفكيرها تفكير أسطوري ؛ وهو الذي يرد المسببات إلى غير أسبابها الحقيقية، شأن الذين يؤمنون بالسحرة والمنجمين والمشعوذين. وهو أكبر عيب يؤخذ على هذه المجتمعات، وهو عيب نقر به ونسلم ، ولكن السؤال هل كل حديث خرافة باطل وشر وإثم؟ ألا تعشعش الخرافة في أرقى عواصم العالم، ألا تستخدم في أكبر مقرات رؤساء وزعماء العالم؟
أليس هناك فرق بين خرافة وخرافة، أليست النار التي تحرق وتدمر هي نفسها النار التي تدفيء وتنير؟!
والأساطير – وإن شئت الخرافة- هي نتاج عبقرية الشعوب، لا يعرف لها مؤلف بعينه، هي روح العالم وحصيلة العقل الجمعي والمخيلة البشرية؛ كيف ألفت، كيف أبدعت، كيف جمعت، هذا هو السؤال المؤرق الذي ما زال يحير الجميع ولا يزال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو