الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية خرمة

حافظ خليل الهيتي

2008 / 12 / 15
الادب والفن



كنا مجموعة صبية في المرحلة الابتدائية نلعب سوية بالقرب من دار امرأة عجوز تدعى (خرمه).. تعيش لوحدها مع بضع معزات يقاسمنها (الخرابة) وهي عبارة عن غرفة عتيقة آيلة للسقوط تفضي إلى باحة مسقوفة بأغصان شجر التوت وجريد النخل ويابس القش.. تعيش معهن وتعتاش عليهن وعلى ما يبعثه لها أهل الحي من بقايا الطعام والخبز ولمعزاتها بقايا الخضار وقشور الفاكهة وما شابه.
صباحا تنطلق برفقة معزاتها إلى أطراف المدينة تجوب الطرقات المؤدية لضفة النهر.. تقتات المعزات على الأحراش والمتدلي من الأغصان وعلى ما تعثر عليه من ورق الشجر المتساقط على الأرض ولا تعود لمأواها حتى تميل الشمس متوارية خلف التلال.. حينذاك تنكص آيبة ومعزاتها .. تدخلهم للباحة وتدلف بنفسها داخل قنها الذي لا يحوي غير فرش عتيق وأغطية باليه.. وصحن من الألمنيوم سحقته الأيام، ووعاء فخار تشرب منه، حقيقة الأمر إنها تعيش في زريبة ليس إلا.
وعند سكون الليل تجلس (خرمه) في غرفتها مع سراج نفطي غالبا ما تتركه دون إشعاله فهي لا تحتاج إليه كثيرا فضعف بصرها أثناء النهار علمها التعامل مع الظلام. اعتدنا نحن الصبية أن نستمع لـ (خرمه) وهي تقص حكاية مع نفسها ونحن نتدافع عند بابها لنعرف أخبار الأمير الذي تحكي عنه وتحكي له وكأنه يقاسمها المكان ونحن نسترق السمع لما تقول وغالبا ما نقطع عليها سمرها حين يدفع احدنا ويصطدم ببابها أو تنطلق قهقهة من احدهم.. وحين ندرك أنها أحست بوجودنا نولي هاربين كل إلى بيته وشبح الأمير يلاحقنا حتى فراش النوم.. لنعود في الليلة التالية ونعاود التصنت لمعرفة أخبار الأمير.
وذات يوم لم تخرج فيه (خرمه) كالمعتاد عند الصباح لتقوم برحلتها اليومية برفقة شركاء العمر. وقد سمعنا نساء الحي يتحدثون عنها ويقولون أنها طريحة فراش المرض ولا تقوى على النهوض لكن هذا الخبر لم يمنعنا من التسلل ليلا والجلوس عند بابها.
كان حديثها هذه الليلة متقطع وخافت يخالطه الأنين.. وهي تتوسل بأميرها أن لا يتركها وحيدة بين جدران القن ويسافر وهي ليس لها احد غيره..
سكون الليل وهدوء الصبية فهم لا يصدرون اصواتا أو قهقهات ككل مرة ولا يتدافعون فقد أصيبوا بالشلل التام وأفواههم كممها ترقب حذر يشوبه القلق.
مما زاد من وحشة الليل لدرجة أن احدنا يسمع أنفاسه و(خرمه) هي الأخرى سكتت عن الكلام.. ليل.. صمت.. وسكون.. حتى انفجر احد الصبية ناحبا بنشيج مزق أستار الليل وبدد سكونه لقد أدرك إن هذه أخر ليلة استمع فيها لحكايات (خرمه) فقد ألجمها الموت وسكتت إلى الأبد فأجهش الصبية بالبكاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قصة واقعية جدا
الدكتور هاشم ( 2008 / 12 / 14 - 22:08 )
قصة جميلة تصور حالة انسانية وتنقل لنا مشاعر انسانية صادقة انها تؤرشف لحياة مدينة تتميز بالطيبة التلقائية البعيدة عن التلوث عاش قلمك ياابو براء الورد منى الود والاحترام كله

اخر الافلام

.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??


.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??




.. فيلم -لا غزة تعيش بالأمل- رشيد مشهراوي مع منى الشاذلي


.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط




.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش