الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كولومبيا أيضاً تبدأ من القواعد

فنزويلا الاشتراكية

2008 / 12 / 15
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


بات بديهياً أن تبذل القوى الامبريالية المعادية للشعوب أقصى ما تستطيع وبكافة الطرق والوسائل في إطار برنامج تصديها لأي قوى معادية تسعى للتخفيف من نتائج جرائمها بحق الإنسانية. ولنا في الصراع الذي كان يظهر في كل علاقة تجمع بين إدارة الولايات المتحدة الحالية من جهة والانتشار الاشتراكي ذو البعد الشعبي في أمريكا اللاتينية من جهة أخرى مثال على ذلك. وإذا أردنا تفحص بعض أخطر الوسائل المتبعة، نجد أن إحداها يكمن في سعي القوى الامبريالية إلى غرس قوة تواليها وتكون أقرب لطرف الصراع المقابل لها أو على الأقل شراء قوة موجودة أصلا وكسبها إلى جانبها لكي تشكل خطراً أقرب وأسرع يهدد أي محاولة انتقال نحو حياة أفضل. كمثل حكومة كولومبيا اللاتينية التي تظن ومواليها أنها موجودة للتأثير على مد اشتراكي من حولها ووجدت نفسها في المقابل محصورة بإرادات شعبية لا فقط من الخارج بل من الداخل أيضاً.

لسنا بصدد الحديث عن دلالات وجود حكومة لاتينية موالية للقوى الامبريالية في الولايات المتحدة من حيث علاقتها وتأثيرها على المحيط اللاتيني اليساري في الخارج. ولكننا نود التركيز قليلا على خطورة ظاهرة كهذه من حيث تأثيرها على البيئة المحلية في الداخل وانعكاساتها على واقع الحياة الشعبية في كولومبيا وطبيعة حكمها للكولومبيين بأطيافهم جميعها. إن الحكومات الكولومبية المتوالية تكشف يوما بعد يوم عن طبيعتها العدوانية اللاشعبية التي لن يستغربها أحد في حكومة عميلة للإمبريالية كهذه. وإن انعكاس هذه الطبيعة في الواقع يظهر بأشكال عدة بطرق مباشرة وغير مباشرة بحق الشعب الكولومبي.

إن أبرز ما يميز الدولة الكولومبية هو أنها دولة أصيلة. ومعنى أنها أصيلة أن سكانها الأصليين يشكلون جزء هام من المجتمع الكولومبي ولهم تأثيرهم الايجابي خاصة في مجال الحركة الشعبية المناهضة للاستبداد الحكومي. وإذا كان حق السكان الأصليين كما هو متعارف عليه لا يتحمل الإنكار كحق طبيعي مكتسب، فما القول في حكومة لا تحرمهم هذا الحق فحسب بل تستبد بهم وتحرمهم حقوق إنسانية أساسية أخرى.

منذ وقت طويل، يتعرض السكان الأصليين في كولومبيا لانتهاك مباشر لحقهم في امتلاك الأراضي التي تعود ملكيتها لهم. وقد كانت ردود فعلهم وقتها لا تزال تشق طريقها حتى تاريخ 1991/12/16 عندما أمست إحدى تجمعات السكان الأصليين في بكاء على ضحايا مجزرة منطقة هويلاس للسكان الأصليين التي ذهب ضحيتها 20 مواطنا بينهم 5 نساء و4 أطفال. منذ ذلك التاريخ تهربت الحكومات الكولومبية المتوالية حتى الآن من التزاماها بالتعويض عن هذه المجزرة من خلال وعود بقيت تتوالى عبر السنين دون تنفيذ تتعلق بإرجاع أراضٍ أصلية لذوي الضحايا. عام 2005 أطلق عدد من تجمعات السكان الأصليين حملة "تحرير أمنا الأرض" نفذ السكان من خلالها سلسلة من النشاطات الاحتجاجية على تجاهل الحكومات لحق التعويض عن مجزرة 1991 واستمرت نشاطات السكان في محاولة منهم لاسترداد حقوقهم الضائعة.

والآن، في منطقة كوكا للسكان الأصليين في جنوب كولومبيا تتكرر مشاهد مخيفة يظن المتعايشون فيها أنها ستعيد التاريخ على هؤلاء السكان بدل إنصاف ضحاياهم التاريخيين. فقد بدأ 12 ألف شخص من السكان الأصليين بتنظيم مسيرات وتجمعات شعبية حاشدة منذ 12 تشرين الأول احتجاجا على عدة قضايا أبرزها عسكرة أراضيهم والاتفاقية الكولومبية الأمريكية للتجارة الحرة التي تسببت لهم بالكثير من الأضرار نتيجة لاستغلال التجار وجرائمهم التي شرعتها الاتفاقية. إضافة إلى فشل الرئيس الحالي ألفارو أوريبى في الالتزام بالعديد من الاتفاقات التي أبرمها مع تجمعات السكان الأصليين تتعلق بالأرض والتعليم والصحة.

في اليوم التالي من الاحتجاجات قام المتظاهرون بإغلاق عدد من الطرق الرئيسية في محاولة منهم لإيصال صوتهم للحكومة مطالبينها بالالتقاء معهم للتباحث في بعض القضايا الهامة التي تعنيهم. وفي إطار هذا التعبير الشعبي قامت قوات الأمن التابعة لحكومة أوريبى بتنفيذ سلسلة من المجازر الفعلية والمعنوية لإخماد ثورة المتظاهرين نتج عنها ارتفاع عدد الضحايا من السكان الأصليين إلى 11 خلال أسبوعين. وإن سياسة القتل المتواصلة التي تقوم بها مجموعة نيابية عسكرية تشكلت وانتشرت في الفترة الماضية في كولومبيا، بحسب شهود عيان، وهو ما تنكره الحكومة الكولومبية، هي سياسة قائمة على الإهانة قبل القتل كما حدث للعديد من قيادات السكان الأصليين الذين قتلوا أمام عائلاتهم بطريقة مهينة.

لعل من أهم ملامح هذه الأزمة القائمة بين الحكومة الامبريالية والتجمعات السكانية هي محاولة الحكومة تشويه قضيتهم أمام الشعب الكولومبي وبقية الأطراف المعنية. وفي هذا الإطار تعمل الحكومة على إعلان الربط الصريح بين تلك التحركات الشعبية ومنظمة "الفارك" المسلحة غير المقبولة من قبل المواطنين. وعلى الرغم من أن قياديين من السكان أعلنوا مرارا وتكرارا رفضهم لأعمال هذه المجموعة إلا أن الحكومة تصر على ادعاءاتها القائلة بأن تحرك السكان هو نتيجة لتحريض من منظمة الفارك.

وبالطبع، يستغل الرئيس أوريبى مثل هذه الادعاءات لإعلان ما يحلو له من الأحكام وتنفيذ ما يرغب من الإجراءات ضد هذه الفئة من الشعب الكولومبي. وهو ما فعله عندما أعلن منطقة كوكا منطقة اضطراب داخلي متذرعا بالعمل على ملاحقة مجموعة من الفارك بينما أمر بقمع المحتجين وإخمادهم بأي طريقة كانت على الرغم من أن هذه المنطقة تتحلى بالحكم الذاتي.

ونود الإشارة هنا إلى أن منظمات اتحادات السكان الأصليين تتلقى رسائل تهديد كثيرة من قبل الفارك. كما أن إشارات عدة تثبت بطلان ادعاءات الحكومة أبرزها أن ضحايا قوات الأمن الكولومبي في إطار الاشتباكات الأخيرة لم يكونوا جميعهم من السكان الأصليين بل مواطنين آخرين من منظمات مساندة وداعمة للحقوق الإنسانية.

وقد كان موقف الرئيس أوريبى في 27 تشرين الأول عندما جعل قرابة ال50 ألف مواطن من السكان الأصليين ينتظرونه في موعد تقرر من أجل أن يقوموا بعرض مطالبهم عليه، ولم يظهر الرئيس! موقفا مهينا لكرامة الإنسان بشكل عام فكيف من حاكم لشعبه؟ وبعد كل تلك الأحداث والأزمات والتصعيدات والضحايا، حدث اللقاء أخيراً في 2 تشرين الثاني عبر حوار مفتوح بين الرئيس و3 آلاف من السكان الأصليين ومناصريهم.

بدأ الرئيس خطابه متحديا بتوبيخ الحاضرين بسبب قيامهم بتجاهل النشيد الوطني وغناء نشيد بلدتهم بدلا منه في إشارة إلى اتهامهم بعدم احترام النشيد الوطني للبلاد. إلا أن المشاركين ذكروه أنهم وخلال الشهر الماضي الذي احتجوا فيه وعبروا عن مواقفهم كانت قوات الشرطة تمزق أعلامهم وتحرقها. إذ قالت عايدة كيلكويه مستشارة مجلس كوكا للسكان الأصليين "وهل هذا موقف احترام لشعوبنا؟ بل هو موقف تمييز وكره وحقد ولاإنسانية واجهناها كمواطنين لسنوات طويلة في هذا البلد."

بعد طرح القضايا الرئيسية وانتهاء الحوار، بعد أسابيع من التعبئة والزحف في كافة أنحاء جنوب كولومبيا وحشد عدة فئات مساندة، اعتقد بعض زعماء السكان الأصليين أنهم سيكونوا قد فقدوا الفرصة إذا لم تستمر المسيرة والتعبئة كإستراتيجية لبناء حركة شعبية عريضة على المستوى الوطني. ويبدو أن الرأي الشعبي قد فاز في النهاية عندما سألت عايدة كلكويه آلاف المتجمهرين قائلة "لم يعطي رئيس الجمهورية أي رد سياسي واضح وصارم لأي من مطالبنا. فهل نستمر؟" وكان الرد الساحق من الحشد يصرخ ب "سي" واضحة. لذا فإنه سيستمر.

يبدو أن الرئيس أوريبى قد نسق هذه التمثيلية من أجل أن يوحي للآخر أن حكومته تقبل الحوار. ولكن ما فائدته إذا بقي محصورا فقط في إطار الإعلام بينما يبقي على جنوده متواجدين على أراضي السكان الأصليين بحجة ضبط الأمن وملاحقة الفارك.

ولا يقتصر التشويش والإيهام فقط في إطار الحوار. لأن قضية أخرى تبرز بقوة بهذا الصدد هي قضية الإعلام الرسمي وما ينقله من حقائق أو لا حقائق إلى سكان كولومبيا الآخرين الذين يعتقدون أنهم يعيشون خارج إطار الأزمة بينما هم في قلب الأزمة وجزء كبير منها لأنهم يتعرضون إلى قمع واستبداد وتحكم امبريالي من نوع آخر متمثل بتجهيلهم إلى أبعد الحدود.

ولنا في هذا الحوار المفتوح مثالا أقرب إذ قام الإعلام الرسمي بنقل مجرد عبارة فذة قالها أحد السكان الأصليين للرئيس ولم ينقل أي من مطالبهم أو أي من مجريات الحوار. إن هذا المثال هو جزء بسيط من التضليل الإعلامي الذي يمارس على الشعب الكولومبي. فيكرر الرئيس في جميع مؤتمراته الصحفية أن هناك تمرد حاصل من قبل السكان الأصليين بتحريض من منظمة الفارك الإرهابية التي تحظى بسوء سمعة بين الكولومبيين طبعا وهو ما يجعل المواطن الكولومبي بعيدا عن قضايا السكان بل ومعادٍ لهم.

ويستمر الإعلام الرسمي دائما وبشكل واضح وصريح بنقل مصادر السلطة والحكومة دون الأخذ بأي مصدر من الطرف الآخر ما عدا تصريح واحد من السكان اقتصر على عبارة "سنستمر بالتمرد". وفي إطار الأزمة الأخيرة، تجاهل الإعلام الرسمي كل ما نظمه السكان من احتجاجات وكل ما نادوا به من مطالب ولم ينقل سوا أحداث الاشتباكات التي وقعت بين الشرطة والسكان. وهو ما يضلل المواطن العادي ويسبب ما آل إليه الحال من أسئلة متداولة في كولومبيا بين المواطنين مفادها "لماذا يتصرف البعض بهذه الطريقة في الوقت الذي يمكنهم فيه استخدام الطرق المشروعة للحكومة الديمقراطية من أجل الترويج لمصالحهم؟ إن هؤلاء الهنود الحمر في كوكا يبحثون دائما عن المشاكل ويريدونها بشكل مستمر."

على صعيد آخر، بالرغم من المؤسسة الديمقراطية الهشة في كولومبيا، يبقى فيها برامج إعلامية شعبية يمكنها تحدي الإعلام الرسمي. وتقوم جاليات السكان الأصليين بالعمل على تطوير هذا المجال. فلها قنواتها الإعلامية الخاصة التي تستخدمها على نطاق واسع.

إن هذه الحكومة العميلة التي تتلقى الدعم العسكري من الولايات المتحدة لا تستهدف فقط جماعات معينة وقد أثبت الواقع ولا يزال يثبت ذلك. ولن تستطع قوات الشرطة الحكومية التهرب من حقيقتها التي لا بد أن تظهر واضحة للعيان. فمع العديد من حالات قتل المدنيين المنتشرة، أصدرت المنظمة العالمية لحقوق الإنسان بيان يدين ما اعتبرته ظاهرة في كولومبيا وهو قتل المدنيين مما أثار فضيحة للحكومة القمعية الإجرامية بحق الجميع لا فقط السكان الأصليين سواء من خلال انتهاك الحقوق أو التضليل أو القتل المباح. وعلى إثر هذه القضية، اضطر الرئيس أوريبى القيام بخطوة مشابهة لخطوات التزيين التي يقوم بها من خلال طرد 20 قائد عسكري من الجيش الكولومبي مما أدى إلى استقالة قائد الجيش الكولومبي في 2008/11/4.

بحسب تقرير، بلغت نتائج العنف ضد السكان الأصليين الذي تمارسه الحكومة الامبريالية في كولومبيا إلى اغتيال 24 مواطن منذ أيلول وترحيل قرابة 400 ألف خلال فترة حكم الرئيس أوريبى.

إن الحكومة الامبريالية في كولومبيا، مهما بلغ استبدادها، تبقى واهية وضعيفة أمام التحرك الشعبي الذي رفض السكوت وأبى إلا أن يستمر. ومن أهم دلالات ضعفها هو اعتمادها على الولايات المتحدة وتبعيتها لقوى خارجية وعدم إمكانيتها الاستمرار بما هي عليه دون مساعدة أحد لشدة ما تشتهر به من فساد وعنف واستبداد. وإن ما يحدث في إطار أزمة السكان الأصليين يثبت أن حكومة الرئيس أوريبى ليست حكومة كولومبية بل هي حكومة احتلال في كولومبيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سجال إيراني تركي.. من عثر على حطام طائرة رئيسي؟? | #سوشال_سك


.. السعودية وإسرائيل.. تطبيع يصطدم برفض نتنياهو لحل الدولتين وو




.. هل تفتح إيران صفحة جديدة في علاقاتها الخارجية؟ | #غرفة_الأخب


.. غزيون للجنائية الدولية: إن ذهب السنوار وهنية فلن تتوقف الأجي




.. 8 شهداء خلال اقتحام قوات الاحتلال مدينة ومخيم جنين والجيش يش