الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاصولية...الوجه الاخر للعنف والارهاب

انتصار الميالي

2008 / 12 / 16
الارهاب, الحرب والسلام


تعبر "الأصولية" عن موقف فكري متعصب لدى بعض المؤمنين الذين يرفضون من خلال تمسكهم بـ"أصول دينهم"،كل تطور ويأبون مجاراة الحياة الاجتماعية الحديثة باسم احترام متصلب للعقائد الدينية أو الإيديولوجية.
لقد لعبت الأديان التاريخية الكبرى، حتى وقتنا الحاضر، دوراً رئيسا في بزوغ الثقافات والحضارات وتركت بصمتها عميقة في بناء المدن سياسياً. غير انه لا مناص من الاعتراف بأنها في الأعم الأغلب، تجاهلت فريضة اللاعنف الفلسفية وانضمت إلى أيدلوجيات العنف الضروري الشرعي والشريف السائد. وغالباً ما هيأت الأديان البشر، عبر التعليم الجامد لخطاب عقائدي منغلق، للتعصب حيال الآخرين بدلاً من اللطف بهم.وبهذا غذت الأديان القوميات الطائفية التي تجاهر بالتمييز والإقصاء والعنف. لقد تجاهلت من خلال تحالفها مع طاغوت العنف، الرهانات الأخلاقية والروحية والميتافيزيقية- وينبغي قطعا أن نذكر أيضا لرهانات اللاهوتية- والسياسية اللاعنفية. فهي لم تكتفِ بإقرار أن العنف حق طبيعي للإنسان في أطار الدفاع المشروع عن مصالحه، بل ذهبت في ظروف عديدة إلى تقديس العنف بمنحه مدداً من إلهها. عندما بارك الدين العنف، لم يتقدس العنف بل تدنس الدين. لقد تجنس الدين بذلك تجنس؛ إلا أن مجرد قبوله التواطؤ مع العنف دليل على انه كان قد تنجس قبلئذٍ.
أن الأصولية الدينية هي أقوى حوامل العنف: فما أن يستيقن قوم أن دينهم هو وحده الدين الصحيح حتى يجيزوا لأنفسهم الادعاء بأنهم وحدهم يمتلكون الحقيقة، فيقتنعون بأن الله قد أوكل أليهم مهمة الدفاع عنها، وبذلك لا يأخذون على عاتقهم واجب تكفير الزندقات وحسب، بل وواجب قتال الزنادقة أيضا. الأصولية الدينية- ويعلمنا التاريخ أن الأصولية فخ وقعت فيه جميع الأديان- تولد إذا مباشرة أيديولوجيا "الجهاد" التي ما انفك لها كل هذا الوزن في تاريخ الأديان. ففي المنطق الأصولي، مادام ليس ثمة قضية أعدل من قضية الله، ليس هناك من عنف أكثر شرعية من عنف الجهاد. هكذا تقدس الايدولوجيا الأصولية العنف. فالقتلة المتدينون هم من بين اشد القتلة عتّوا وأقلهم ندما.
أن الإنسان الفيلسوف في بحثه عن الحكمة العالمية- سواء كان مؤمنا أم لم يكن- لا يسعه إلا إن يدحض أيديولوجيا الأصوليين ويشجبها ويحاربها. لعل الفلسفة لا تتيح معرفة الإله الحق، لكنها تتيح على الأقل التعرف إلى الآلهة الباطلة، من خلال اجتهادها أن تقول عن الله ما ليسه- وهذا حاسم في حد ذاته. الفيلسوف يرفض فكرة إلهٍ يأمر المؤمن باللجوء إلى العنف فرضاً لاحترام الأيمان والعقيدة والشرع والنظام. فعند الفيلسوف أن نقيض الأيمان ليس عدم الأيمان بل العنف، ومهما يكن من أمر، فإن الكفر بالله ليس تجاهل انه موجود، بل الادعاء بأنه يرتضي عنف البشر ويبرره ويقرهم عليه، والأسوأ من ذلك أنه يمكن أن يأمرهم به.
ضمن هذا المنظار، فإن الحقيقة الأولى التي يمكن أن يعبر عنها الإنسان العاقل عندما يحاول جاهداً أن يتفكر في وجود الله هي أن هذا الإله حاشا أن يكون عنيفاً. أن العنف غريب عنه، وأنه متعالٍ عن الغضب والحسد والانتقام. فالله في كل الاحتمالات، لا عنف محض. ويعلمنا العقل، أذن، أن الآلهة التي تتحالف مع عنف البشر وتقرهم عليه وتأمر به أحياناً تقطن حتماً في مجمع الآلهة الباطلة. وهكذا فإن "رب الجنود" هو جزماً إله باطل، والإله الحق بمقدار ما في وسع الإنسان أن يعرفه، لا يمكن إلا أن يكون "إلهاً اعزل". عندما يُقوِّل الإنسان إلهاً أنه يقر البشر على عنفهم،فهذا قطعاً ليس كلام الله يعبر عن نفسه، بل كلام بشر عن الله، وهو كلام بشر مخطىء في كلامه على الله. فالإنسان يحتاج دوما إلى تبرير عنفه، وعندما يؤمن بإله، فأنه يحتاج إلى إقناع نفسه بأن إلهه يبرر عنفه. أن ضرورة عزل الله من سلاحه الملحة لهي فريضة فلسفية وثقافية وسياسية. فهي لا تخص المؤمنين فحسب، بل جميع المواطنين الحريصين على بناء عالم مطمئن.
إذا كان مبدأ اللاعنف هو أساس الفلسفة حقاً فمن المناسب التأكيد على أسبقية هذا المبدأ على الاعتبارات "الدينية" كلها. ولا يمكن لهذا التأكيد إلا أن يؤدي إلى قطيعة جذرية مع جميع المذاهب الدينية، ليس المتعلق منها بالجهاد وحسب، بل وبالحرب العادلة وبالعنف المشروع. ينبغي على "المتدينين" أنفسهم أن يكونوا في طليعة المتحلّين بشجاعة القيام بقطيعة كهذه، حتى وأن كانت تضع "موروثهم" موضع الاتهام. فالإنسان الروحاني – سواء امن بالله أم لم يؤمن- هو رجل قطيعة. فهو يحب الأرض حباً يجعله غير متعلق بأية أرض بعينها. ليس هناك من تراب مقدس في نظره، فهو مستعد على الدوام أن يترك أرضه ليمضي سائحا على دروب العالم، حراً في الشمس والمطر والثلج أو الريح.
لقد اعتدنا إن نعزو أعمال العنف التي ندينها إلى مختلف أنواع التطرف. إلا أن الأصوليات ليست ممكنة إلا عبر الأرثوذكسيات. فهذه تبرر سلفاً شطط الأصوليين من خلال بناء مذهبي، العنف المشروع والحرب العادلة ومن خلال تبرير الاستخدام العاقل للعنف؛ العمل على مطاردته حتى مخابئه، حيث يحتمي وسط الأرثوذكسيات، وعلى إخراجه منها.
الاحرى بالأديان، بدلاً من أن تدعي أنها جميعاً أديان سلام، أن يكون لديها من الشجاعة الروحية والأمانة الفكرية ما يجعلها تقر بأنها جميعاً كانت أيضاً أديان حرب وهذا ما يضطرها إلى الاعتراف ليس فقط بأخطائها، بل وبغيِّها خصوصاً. وعليه، فإن اعتراف "رجل" الدين بغيِّه أصعب بكثير من اعترافه بأخطائه، ذلك لأن الأخطاء لا تتهم إلا البشر، بينما الغيّ يتهم الأديان نفسها مباشرة. من الضروري، بل ويستحسن، أن يتوب المرء عن أخطائه، لكن الأهم منه أيضا اعترافه بأن أخطاءه هذه قد سببها وبررها الغيّ- غيٌّ في المذهب وغيٌّ في التفكير- وبأن الطريقة الوحيدة للرجوع عن غيِّه هو تصحيحه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة