الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتى لا تسبب الطقوس الدينية الإزعاج وتتناقض مع الحياة

باسم محمد حبيب

2008 / 12 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


في كل دول العالم وبالذات الدول الإسلامية تقام الطقوس والشعائر الدينية في أوقات محددة وتكون منظمة بحيث لاتمس مسار الحياة اليومية للناس الآخرين وفي الغالب تقتصر هذه الطقوس على رفع الأذان عبر مكبرات الصوت الذي قد لا يدوم إلا بضعة دقائق فيما تمارس الشعائر الأخرى داخل المساجد ولا تدوم إلى لوقت محدد في غالب الحالات
وحتى هذا الوقت القليل أصبح مثار جدل بين أطراف عدة وقد سمعنا عن محاولات لتحديد الأذان أو إلغاء رفعه بمكبرات الصوت في واحدة من اكبر المدن الإسلامية وهي مدينة القاهرة أما في العراق فالوضع مختلف إذ تمارس الشعائر والطقوس الدينية في الساحات العامة وقرب البيوت وعادة ما تستمر لعدة ساعات أو على مدار اليوم بحيث تشكل إزعاجا كبيرا للسكان الذين يحتاجون للاستمتاع بقيلولتهم وقضاء الوقت مع عوائلهم بصفاء وهدوء حيث يستغل مروجي هذه الطقوس هيمنة الحالة الدينية وخوف الناس من انتقام أدعياء الدين للامعان بهذه الظاهرة اللاانسانية التي تتنافي وابسط القيم والحقوق الإنسانية ناهيك عن معنى الدين نفسه ولا نشك لحظة بان الإسلام الصحيح يرفض هذه المغالات جملة وتفصيلا لأنها تهونه وتقلل من تأثيره بين الناس لان الدين المعاملة والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده حيث أصبحت هذه الظاهرة وسيلة إعلامية ريائية يمارس من خلالها الأدعياء هوسهم المريض لإشباع وتطمين حاجات نفسية خاصة لا علاقة لها بإيمان أو عبادة ولقد حاولت ذات يوم نصح قيم المسجد في مدينتنا بضرورة تقنين هذه الطقوس مراعاة لشعور الناس فكان رده الرفض مشيرا أن على الناس أن تتقبل هذا الأمر عن طيب خاطر لأنه يمنحهم حسنات هم غافلون عنها ثم دعاني للاستغفار لأنني تجرأت وطلبت ذلك وقد كان هذا الرجل من المعتدلين الذين لا يؤمنون بالعنف لأنه لو كان من سواهم لكان مصيري الموت بالتأكيد وبالطبع فان الطقوس الدينية لا تشمل طائفة دون أخرى لان بعض السنة يقيمون حلقات ذكر تضرب فيها الدفوف وتصدح فيها الحناجر ابتهالا إلى الله إلا أن هذه الظاهرة قد لا تقارن بما يفعله بعض الشيعة الذين يجعلون من الشوارع والساحات العامة مساجد وحسينيات مفتوحة لساعات طويلة على مدار أيام عدة لا سيما في أيام المناسبات الدينية حيث تقرا التعزية وتنتشر المواكب التي تضرب الزناجيل على إيقاع الطبل لتدور في أحياء المدينة وقد يصاحبها أحيانا طقوس التطبير الدموية أو اللطم في الهواء الطلق مع تمثيل حر وشعبي للواقعة الحسينية أو تلاوة الحادثة بصوت شجي يمنح الواقعة فحوا حزين هذا عدى التبذير الذي يصل حد الصرف المفتوح على الولائم والنذور والتي تستمر لأيام عدة أو في مناسبات عديدة على مدار العام حيث لا تقتصر المناسبات الدينية لدى الشيعة على واقعة عاشوراء بل تشمل أيضا ولادات ووفيات الأئمة الاثنى عشر الذين يؤمن بإمامتهم الشيعة هذا عدا المناسبات الأخرى كأربعينية الحسين ويوم الغدير والأعياد والمناسبات الإسلامية التقليدية حيث تتعطل الأعمال ويمتنع الكثير من الموظفين عن الذهاب إلى وظائفهم تحت ذريعة أحياء هذه المناسبات فتتعطل مصالح الناس ويتوقف سير العمل علما أن مجموع هذه المناسبات المعطلة ( بكسر الطاء ) تصل إلى حدود ستين يوما أو أكثر أي أكثر من سدس أيام السنة ففي مناسبات أربعينية الحسين ووفاة الكاظم وولادة المهدي أخر أئمة الشيعة الاثني عشرية يخرج الناس في مواكب راجلة لزيارة الأضرحة الدينية حيث يستمر السير لعدة أيام ( أكثر من عشرة أيام في الغالب ) الأمر الذي يكلف الدولة جهودا وإمكانيات كبيرة كان يمكن بذلها في مجالات أكثر جدوى كتوفير الرعاية الصحية وتحسين مستوى الخدمات ومكافحة البطالة والتصدي للفقر وما إلى ذلك فيما تعطل هذه المظاهر طاقات الناس أو توظفها في غير مكانها لان بعد هذه الطقوس والشعائر ماضوي ونحن بحاجة إلى زرع التفاؤل والابتسامة في نفوس الناس حتى يكونون مؤهلين للعيش في الحاضر وبدلا من أن توظف هذه الطقوس لخدمة واقع الناس ودفعهم للتفاني في أعمالهم توجه لغايات أخرى بعيدة عن المطلوب والمنشود وقد حاولت يوما أن أركز على هذا البعد حتى نكون قادرين على استثماره بالشكل الأمثل مطالبا باستبدال طقوس الحزن بطقوس فرح وتفاؤل لان موقف الحسين البطولي يثير الفرح لا الحزن مبينا أن هذه الطقوس والشعائر تمثل في حقيقة الأمر آلام الإنسان الرافديني في صراعه مع البيئة والواقع الصعب وهي في الغالب ارث رافديني متواتر منذ آلاف السنين تلبس حادثة كربلاء حتى غدا كأنه قرين لها مع انه خلاف ذلك وهذا ما بينه أكثر من مؤرخ وباحث في تاريخ العراق ( يمكن الرجوع على سبيل المثال ل كتاب سليم مطر الذات الجريحة ) وقد أشرت في بحث تناول مسيرة العقل العراقي لأوجه الشبه بين هذه الطقوس والشعائر وما يسبقها في الموروث الرافديني وخرجت بنتيجة مفادها أن هذه الطقوس هي في الواقع نقل حرفي لطقوس سكان العراق القدماء ( كتاب على وشك النشر عنوانه نقد العقل العراقي ) وليس أدل على ذلك من استمرار المناسبة لعشرة أيام الذي يناظر التقليد الرافديني في الاحتفاء بعيد الاكيتو الذي يستمر نفس المدة بداية كل عام بابلي ناهيك عن تلاوة الحادثة التي تماثل تلاوة قصة الخليقة البابلية وتمثيل الواقعة الذي عده البعض تشبها بتمثيل موت تموز ونزول عشتار (اينانا ) إلى العالم الأسفل أما الولائم وما يعرف بفرحة الزهراء فله علاقة بفرح عشتار ( اينانا ) لعودة خطيبها تموز من العالم الأسفل بعد التسوية التي جعلت أخته بديلا له لنصف العام الأخر بل حتى بكاء الحسين على أخيه العباس يمكن مضاهاته ببكاء جلجامش على صديقه الذي عده أخا انكيدو وتشبيه عرس القاسم بالزواج المقدس لدى العراقيين القدماء علما أن هذه الأحداث الكربلائية المتواترة لدى الشيعة ليس لها سند تاريخي وقد نفى حصولها غالبية المؤرخين ( يمكن الاطلاع على كتاب الشهيد مطهري الملحمة الحسينية الذي يطنب في مناقشة هذا الأمر) ومع ذلك فان ما نريد أن نتناوله هنا ليس أصول هذه الطقوس ولا نريد أن ننتقص من قيمتها التاريخية وحتى بعض وظيفتها الاجتماعية ( البعد الايجابي المتمثل بما تزرعه في نفوس الناس من تضامن وتراحم وما إلى ذلك ) بل كل ما نريده هو أن تقنن هذه الطقوس أو تنظم لتمارس بشكل مهذب وفي أماكن وأزمان محددة وان توظف لخدمة أغراض نافعة تتناسب مع ضرورات المرحلة وحاجات الناس واهم شيء هو احترام حق الناس في التمتع بأوقات القيلولة والراحة الذي هو حق أنساني عام . أنها دعوة لممارسة الاعتدال والابتعاد عن الغلو في ممارسة الطقوس والشعائر الدينية لان للحياة حق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحليل وربط جريئيين
امنه رضوان سعيد ( 2008 / 12 / 17 - 11:34 )
بكل بساطة و بشكل مباشر اقول لك انك حللت الحالة بشكل جريء ثانيابرأيي ان تعزيز الطقسية الدينية في الشارع العربي لانها تأتي شكل و مبرر للتعبير عن الانقسام و تداعياته العنيفة و المبررة دينيا لانه من المعتاد ان لا يسطيع احد ان يعترض على دين الاغلبية في الشارع و اكرر الاغلبية ومن خلال استغلال هذا المنطلق تتم العملية بشكل هستيريا جماعية مقدسة يصعب الاعتراض عليها او ترويج ثقافة مغايرة لها شكرا لك ارى جمال الحقيقة في مقالك امنه من فلسطين

اخر الافلام

.. كيف تنظر الحكومة الإسرائيلية لانتهاء مفاوضات القاهرة دون اتف


.. نتانياهو: إسرائيل مستعدة -للوقوف وحدها- بعد تعهد واشنطن وقف




.. إطلاق مشروع المدرسة الإلكترونية في العراق للتقليل من الاعتما


.. نتنياهو: خسرنا مئات الجنود بغزة.. وآمل تجاوز الخلاف مع بايدن




.. طلاب إسبان يدعمون غزة خلال مظاهرات في غرناطة