الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-ثقافة- الحذاء

هوشنك بروكا

2008 / 12 / 17
كتابات ساخرة


المتتبع لأخبار حذاء الصحفي العراقي منتظر الزيدي، المراسل في قناة البغدادية العراقية، والذي عبر أمس الأحد، به ومن خلال "حرية" تصويبه و رشقه، عن "رأيه الديمقراطي جداً" في وجه بوش، سيكتشف أن هذا الحذاء، هو "حذاء مفرد بصيغة الجمع"، يعبر عن "رأي" الكثير الكثير من الشارع العربي، الذي أبى ولايزال الدخول في التاريخ، إلا عبر هذه الثقافة ووسائلها الماضية جداً.."ثقافة القندرة".

المتصفح لجهات النت العربية، بعامتها وخاصتها، مثلاً، سيلحظ مدى التعاطف العربي الكبير، في مستواه الشارعي، مع "حذاء الزيدي"، وكأن بهؤلاء "الرفاق" و"الأخوة" و"المؤمنين"، المدافعين عن "أحذيتهم الديمقراطية"، يقولون له: "كلنا حذاؤك..كلنا لك حذاء...قلوبنا مع حذائك..عقولنا في حذائك..مستقبلنا وكل القادم منا ومن بلادنا وأكبادنا فدية لحذائك".

هذا الشارع الغارق في ثقافة الحذاء، أصيب إثر "حرية حذاء الزيدي"، بنوعٍ مما يمكن تسميته ب"هذيان أو هستيريا الحذاء". الأمر الذي أدى بهؤلاء الغارقين في "ماضي الحذاء"، إلى وصف هذا "الحذاء الصحفي"، ب"الحذاء الشهم"، و"الحذاء البطل"، و"الحذاء الأصيل"، و"الحذاء الأسطوري"، والحذاء الثوري"، و"الحذاء المستقبل" ،و"الحذاء المنتظر"، والحذاء الخلاص، و"الحذاء الأكيد المنتصر"...إلخ.

ولكي لا يبقَ هذا الشارع، وحيداً، في التعبير عن تعاطفه "الغوغائي"، مع "حذاء الزيدي الصحفي"، أصدر مجلس إدارة تلفزيون البغدادية، عقب "موقعة الحذاء"، بياناً طالب فيه بضرورة "إحترام حق التعبير والديمقراطية وحق المراسل القانوني والإفراج الفوري عنه".
هكذا دافع تلفزيون البغدادية، كجهة إعلامية، عن حرية حذاء الزيدي وديمقراطيته، وطالب ب"الإفراج الفوري" ل"أمير الحذاء الصحفي".
أما قنوات وجهات عربية رسمية كبيرة أخرى(تلفزيون الجزيرة مثالاً)، فلم تخفِ فرحتها الكبرى، بهذا "النصر الحذائي المبين"، وكأن الزيدي قد فتح به العالم لأمة العرب من المحيط إلى الخليج.

الزيدي، أدخل الصحافة عبر لسان قندرته، في مرحلةٍ جديدة.. التاريخ سيحفظ اسمها المغلف بحذائه المختوم بإسمه، لأجيال أخرى قادمة..أنها صحافة في زمان الحذاء..حرية وديمقراطية وتعبير في زمان الحذاء!

الإشكالية الكبرى، ههنا، بالطبع، لا تكمن في "حادثة الحذاء" هذه بعينها، ولا في كون هذا الحذاء "الفاتح"، قد رمي إلى وجه رئيس أكبر دولة في العالم.
المشكلة، ههنا، ليست في "بوش"، المفتوح والمقذوف بحذاء الزيدي، الذي كسر به، بحسب المناصرين ل"حرية تعبير الحذاء"، "إسطورة أمريكا"، وإنما كل الإشكالية وكل المشكلة تكمن في "الحذاء" بإعتباره "ثقافة" ماضيةً، للتعبير عن حق "العقل الماضي"، في اختيار الحذاء جهةً لتفكيره.
الإشكالية، إذن، هي في هذا "العقل الضرورة" الغارق والغائر في زمان الحذاء، والمصّر على "ضرورة" البقاء المزمن في الماضي "الحذائي"، وعلى الخروج من كل العقل وكل التاريخ، وبالتالي الإقامة الأبدية خارج المستقبل من العقل، والمستقبل من الثقافة، والمستقبل من الإجتماع، والمستقبل من الحياة، والمستقبل من الوطن والأمة والسياسة والإنسان والله.

الإشكالية، بالطبع، لا تكمن في بوش، وسواه من سادة الغرب، ممن عودتهم ثقافاتهم على استقبال البيض والطماطم على وجوههم، كطريقة للتعبير الديمقراطي عن الرأي ومشتقاته، وإنما الإشكالية الكبرى تكمن في "صحافةٍ"، يفترض بها أن تكون "سلطةً رابعة"، شاءت أن تختار القندرة، لساناً فصيحاً، للتعبير عن "حريتها" و"ديمقراطيتها".

المشكلة، ههنا، لا تكمن في ديمقراطية الغرب المفتوحة على الكل، وإلهها المفتوح، بأن يدلي كلٌّ برأيه وبدينه، ويعبر عن أفكاره، وبأن يقول الكل كلمته ويمشي، ويترك للآخرين كلمتهم وحريتهم ودينهم، وإنما المشكلة ههنا، تكمن في أن يركب البعض الكبير من "الرأي العام" في بلاد العرب أوطاني، هذه الديمقراطية المفتوحه وغربها المفتوح، وفرصها المفتوحة، ويمسخها إلى "ديمقراطية مغلقة"، هي من الحذاء إلى الحذاء.

المشكلة، ههنا، لا تكمن في بوش المتهور، الذي هوّر، بلا شك، أمريكا وأوقعها في فخاخ سياساته، والذي لن يرحمه القادم من أمريكا، والقادم من أمة أمريكا وحرية وديمقراطية وصحافة أمريكا، وإنما المشكلة الكبرى تكمن في البعض الكبير من العقل العربي الماضي، الذي اختار الحذاء "فلسفةً"، للتعبير عن حدود تفكيره.
الحذاء في الغرب أرجل، فيما هو في الشرق عقل.
في الغرب، الحذاء يمشي، وفي الشرق يفَُكّر به وفيه وعليه ولأجله.
في الغرب الحذاء جمال وذوق وجنس وأناقة، فيما هو في الشرق ثقافة، وإهانة، وطريقة للتفكير والتعبير عن الرأي، ولسان، وإعراب وقواعد ونحو..
في الغرب الحذاء فن، أما في الشرق فهو سياسة وسلطة وحكم.
في الغرب الحذاء مكان، فيما هو في الشرق تاريخ وزمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فرحه وتمت
عوني حدادين ( 2008 / 12 / 16 - 19:30 )
لقلة حيلتنا اجعلنا نفرح ولو مره واحده يا عزيزي والغضب والانكسار والذل من الاحتلال واعوانه يجعلك مره اخري ان تبصق عليهم


2 - حلال أم حرام
أبو زينب ( 2008 / 12 / 17 - 03:48 )
عندنا في كندا تعلن بعض المحلات التجارية عن الأحذية بأنها مصنوعة من ( جلد حلال ) ومعنى أن الأحذية الأخرى مصنوعة من جلد حرام . نحمد الله أن بلغنا من العلم والتقوى أن نفرّق حتى الأحذية إن كانت مصنوعة من جلد حلال أو حرام . ولحد الآن وكثير من الكتاب كتبوا مقالات والبغدادية أصدرت بياناً ولكنها لم تذكر أن حذاء الزيدي مصنوع من ( جلد حلال ) فهل نستنتج أنه مصنوع من جلد حرام

اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان