الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منتظر الزيدي يقول: أنا لا أردد تراتيل الهزيمة ولو مرت أمامي جنازات الكون كلها

ناجح شاهين

2008 / 12 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


عندما سقط البرجان الشهيران من عليائهما، التقطت عدسات التصوير الغربية وعلى رأسها الأمريكية صوراً كريهة في عيون المواطن الغربي لمجموعات من الرعاع العرب خصوصاً في فلسطين والأردن ومصر والعراق، وهم يحتفلون بمصاب أمريكا في أعز ما تملك مجمعات وول ستريت التي تمثل أساطين رأس المال الأمريكي بل والغربي كله.
عانينا نحن الأعراب في كل مكان من أثر الصور التي تم بثها على مدار الساعة من قبل حيتان الإعلام الذي تهيمن عليه دوائر الحرب والاحتكارات والصهيونية العالمية. كانت تغطية كثيفة تزغلل الأبصار، وتدفع المشاهد باتجاه واحد هو تصوير العرب في المخيال العالمي قوماً يتعطشون للموت والخراب. لم يذكر الإعلام شيئاً عن دماء العرب التي سالت أنهاراً طوال القرن العشرين وما قبله. ولم يلمح أحد إلى كرامة هؤلاء العرب المتوحشين التي تدوسها سنابك خيل الرجل الأبيض دون أن يطرف لأبيض عين. كانوا قد اعتادوا قتل الآخرين دون أن يعذبهم ضمير أو يزجرهم موقف خلقي. كانوا قد استدخلوا عميقاً في ضمائرهم المروضة أن لا أحد يستحق لقب إنسان على وجه الحق والحقيقة إلا الرجل الأبيض، أعني الناصع البياض، ويفضل بالطبع أن يكون أنجلوساكسونياً وبروتستنتياً. أما سكان أمريكا الأصليين الذين أسماهم كولومبوس هنوداً حمراً، فقد كانت قيمتهم لا تزيد ولا تنقص عن قيمة الهنود من الألوان الأخرى؛ أعني الأسود، والبني، وخلافهما. الإبادة والاستعباد أمران غير منكرين في هذه الحال. وكما قال أحد الاباء العظام: "إنني أفضل الموت على أن أعيش مثلما يعيش العبيد في أمريكا." لكنه على الرغم من ذلك احتفظ بعبيده. ذلك لأن عبارته إنا قصد بها أن الموت أفضل من حياة الأفارقة فيما يخص الرجل الأبيض فحسب. أما بقية الناس فلا بأس بقتلهم واستعبادهم. والعرب لم يخرجوا عن هذا الإطار أبداً. ألم يقل قاضي المحكمة الأمريكية العليا عام 1924 إنه يستغرب أن يدعي أي عاقل أن يكون أهل الشام من العرب الذين يتصفون بلون يماثل لون حبة الجوز بيضاَ. كيف بعد ذلك يمكن له أن يصنفهم ضمن الأعراق النقية الصالحة للعيش في الولايات المتحدة؟ أما الصينيون فقد قرر نفس القاضي أنهم سود مائة في المائة وإن بدا لأول وهلة –لمن ليس لديه معرفة راسخة بالألوان- أنهم أقرب إلى البياض. لا ضير إذن في معاملة هذه الأعراق بما يليق بها، أعني بطبيعتها الدنئية بالنسبة إلى الطبيعة البيضاء السامية.
بمثل هذه العقلية جاء اليانكي الأبيض إلى بغداد لينشر الديمقراطية الأمريكية السعيدة، يرافقها منتجات علوية من قبيل "الماكدونالدز" و"الكوكا كولا" و"الفياجرا" و"المارلبورو". لكن فوق ذلك كله جاءت "بلاك ووتر" الأكثر فاعلية لأن القطاع الخاص أمهر وأشد نجاعة حتى عندما يتعلق الأمر ببناء الديمقراطية الأمريكية الرائعة في بلاد متخلفة كالعراق. كان ما كان مما أذكره ومما لست أذكره، من قبيل منتجعات "أبواغريب" ونزهات "الفالوجة". وتذوق العراقيون مرة أخرى بجرعة مضاعفة مرات عديدة مذاق القيم الأنجلوساكسونية. مئات الآلاف من القتلى، ملايين الجرحى والمشردين، وعشرات الآلاف من المعتقلين، وآلاف مؤلفة من المغتصبات والمغتصبين والجياع.
بجبروت العقب الحديدية المنتشية بانتصارها على الكتلة الشرقية عام ،1990 عالجت القوة الأمريكية الهائلة من يرفع رأسه أو يفكر في رفع رأسه من العراقيين. كان لا بد لهذا المقدار الهائل من البطش أن ينتصر مهما ظن العرب العراقيون أنهم أقوى من الموت والدمار. من الصحيح بالطبع أن المواطن الأمريكي بدأ يحس أن الحرب في العراق غير قابلة للربح، وأن من الأفضل للولايات المتحدة، ليس من باب الأخلاق ولاحقوق الإنسان، بل من باب المصالح البحتة، أن تترك العراق وترحل منه بأقل الخسائر. لكن هيهات، هيهات، فالمؤسسة الحاكمة في واشنطون العطشى للدم والنفط العربيين، والراغبة في توظيف مناسبة العراق لتلقين البشرية درساً في الطاعة، لا يمكن أن تنكفئ بسهولة. لا بد مما ليس منه بد. وهكذا تواصل فيلم "الأكشن" الأمريكي مدججاً بكل أنواع الأسلحة يقتل ويقتل حتى وصل لحظة ظن فيها أن ملايين الجنازات التي سودت عيش المواطنين العراقيين والعرب قد آتت أكلها وأن العراق جاهز لسماع شروط موته الأبدي. وقد جاءت الاتفاقية الأمنية الأخيرة خطوة كبيرة في هذا الاتجاه، وبدا لرئيس الولايات المتحدة المنصرف جورج بوش الصغير، أن بإمكانه أن يختم كتابه الأسود بصفحة بيضاء. فها هو العراق يدخل أخيراً في بيت الطاعة الأمريكية مقدماً المثال للجميع أن أحداً لا يستطيع التمرد ضد إرادة السيد الأبيض التي تمنح الحياة والموت من بين أشياء أخرى.
منتظر الزيدي مجرد إعلان آخر، واحد من الإعلانات الكثيرة التي ستواجه اليانكيين منذ هذه اللحظة حتى خروجهم النهائي من العراق، إن استسلام المواطن العربي والعراقي حلم ليلة صيف لندنية؛ ليلة عابرة لا تتلاءم مع الجو الإنجليزي المليء بالضباب والرياح. لقد أوضحت رسالة منتظر الزيدي موقف العراق والعرب جميعاً: نحن قوم لا يستطيع الموت أن ينال منا؛ نحن أمة يجسدها شعار حسن نصر الله زعيم المقاومة اللبنانية: "هيهات منا الذلة". ونحن أمة يعبر عنها حذاء منتظر الزيدي الذي قال تقريباً: أنا لا أشارك في تراتيل الهزيمة، ولو مرت أمامي جنازات الكون كلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد يختبران مدى التوافق بين عمار وريم ????


.. بحثا عن غذاء صحي.. هل المنتجات العضوية هي الحل؟ • فرانس 24 /




.. خروج مستشفى الأهلي المعمداني عن الخدمة بعد العملية الإسرائيل


.. إسرائيل قطعت خدمات الاتصالات على قطاع غزة منذ نهاية شهر أكتو




.. أمهات المحتجزين الإسرائيليين ينظمن مسيرة في الكنيست