الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفتى -الحي-.. وتجفيف المنابع!

إكرام يوسف

2008 / 12 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


أي أنواع القلوب.. ذلك الذي يجرؤ صاحبه على خطف فتى مسالم جميل، فيحرم أهله من فرحة العيد؟!.. وكيف يستطيع أن ينظر في أعين أطفاله وأسرته ويحتضنهم معيدا عليهم، من أصدر قرار انتزاع شاب من بين أحضان أسرته، بينما لم يرتكب جرما سوى ممارسة حقه الطبيعي في التعبير عن الرأي؟..
ففي الوقت الذي ينشغل رفاقه ببرنامج نزهات أيام العيد، وسهرات لياليه .. فوجئ أهل محمد عادل، بمن يبلغهم أن فرقة من أشاوس رجال السلطة لم يجدوا ما يستعرضون به عضلاتهم الأمنية، سوى خطف ولدهم من على أحد مقاهي وسط القاهرة، لتنقطع تماما أخبار الفتى ذي العشرين ربيعا منذ يوم 20 نوفمبر، دون تحويله للتحقيق، أو إبلاغ أهله بمكان احتجازه.
عرفت الفتى محمد عادل للمرة الأولى، من مشاركاته في منتدى حركة كفاية الإليكتروني "مندرة كفاية"، ولفت نظري المعرف الذي كان يشارك به في المنتدى: "ميت"!.. تخيلته رجلا كبير السن، دفعته تجارب الحياة المحبطة إلى أن يساوي بين حياته والموت. ولما لمست نبرة دينية في خطابه السياسي، توقعت أنه بنى اختياره على الآية الكريمة "إنك ميت وإنهم ميتون".. وسرعان ما عرفت اسمه الحقيقي، وعمره الذي لم يكن تجاوز السابعة عشر، عندما قرأت نبأ اعتقاله أثناء فعاليات تضامن حركة كفاية مع قضاة مصر. أذكر كم كانت المفاجأة موجعة لقلبي ـ كأم ـ وتمنيت ألا تكون والدته عرفت أنه يتخذ لنفسه اسم "ميت".. ولا أخفي أنني ظللت طويلا، أتعجب من الدافع وراء اختياره للتسمية الموجعة!.
التقيته بعد ذلك، مرة أو ربما مرتين عابرتين، في نقابة الصحفيين أثناء إفطار رمضاني نظمته حركة كفاية، فوجدته عكس ما توقعت؛ وجها طفوليا، يشع براءة، خفيض الصوت، بالغ التهذيب. فرحت بأن مصر مازالت تنجب شبابا قادرا على انتشال نفسه من براثن دوامات تبتلع الكثيرين من أقرانه؛ فوسط تفشي ظواهر انحراف الشباب، من انتشار الإدمان، وحوادث العنف، وحالات التحرش الجنسي التي باتت خبرا شبه يومي يتصدر صفحات الحوادث، وتراجع القدر الكبير من أخلاقيات وقيم اشتهر بها المصريون طويلا، تحرص أم الدنيا ـ المحروسة ـ على أن تثبت قدرتها على إنجاب من يستحقون شرف الانتساب إلى رحمها.
وبصرف النظر عما يقال عن انتماء الفتى ـ مرة يقولون عنه إخواني، ومرة أخرى يقولون إنه انشق عن الإخوان لاختلافه مع ممارساتهم، لكنه ظل مرتبطا بهم عاطفيا ـ فالواضح أنه مازال في طور التكوين الفكري، يسعى ـ بصدق ـ لفهم ما حوله، وبلورة موقف إزاءه .. يشعر بهموم أمته ويتجاوب معها، ولا يقبل أن يقف سلبيا أمام ما يراه من أخطار تحدق بوطنه.. وبصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع ما يعلنه من أفكار.. تظل أفكارا، يعبر عنها صاحبها بمختلف طرق التعبير السلمي؛ فينشئ مدونة تحت الاسم الذي اختاره لنفسه "ميت"!.. يبحث فيها أحوال الوطن من وجهة نظره، ويتبادل مع أصدقائه ومعارفه وقرائه الآراء .. يشارك في وقفة احتجاجية ضد سياسات يعتبر أنها تهدد مستقبل هذا الوطن.. يتعاطف مع أهالي غزة فيشارك في قوافل الإغاثة الذاهبة إليهم.. وكلها أنشطة وممارسات سلمية لشاب في مقتبل العمر قرر أن يتخلى عن مقاعد المتفرجين وأن يشارك بإيجابية في الدفاع عما يؤمن به.. فعلى أي شيء قرروا عقابه؟
والمعروف أن الشباب عادة في الفترة العمرية التي يمر بها محمد عادل يميلون إلى البحث عن أي نوع من أنواع الانتماء؛ بداية من التعصب لفريق رياضي، أو الانضمام إلى شلة ماجنة تمضي وقتها في الحفلات والسهرات والشرب، أو الوقوع في فخ جماعات إرهابية، أو غير ذلك من الانتماءات التافهة أو الضارة. فما الذي يقلق سلطات الأمن من شاب اختار أن يكون انتماؤه لمصلحة وطنه ـ حسبما يراها ـ ويحاول أن يشارك "سلميا" في بناء مستقبل أمته؟.. أم أن المقصود توصيل رسالة لشباب هذا الوطن فحواها "عليكم ألا تتخلوا عن سياسة السير بجوار الحائط، وإن استطعتم فلتسيروا داخل الحائط نفسه.. لا يهم إن انزلقتم إلى هاوية الإدمان، أو مختلف أشكال الانحراف والابتذال والهبوط، كل ما عليكم أن تتوقفوا عن التفكير، وتغمضوا أعينكم، وتسدوا آذانكم، وألا تنبسوا ببنت شفه فيما يتعلق بالقضايا العامة، وسياسات الدولة"؟
وعلى فرض أن الفتى من الخبث والمكر والخداع، بحيث استطاع أن يخفي وراء مظهره البريء والمسالم، ذئبا يخطط في الظلام للقضاء على أمن البلاد! فما الداعي لخطفه وإخفاء مكان احتجازه والحيلولة دون تعرف أهله ومحاميه على سبب خطفه؟.. أليس من الواجب كشف ستره وتوجيه تهمة إليه، وفضحه على الملأ بالأدلة الدامغة؟ بدلا من ترك المجال للقيل والقال، ولشائعات تتردد عن أن قوات الأمن تمارس ضد الفتى الأعزل الذي خطفته وهو يخطو ـ لتوه ـ أولى عتبات الشباب، أقسى أنواع التعذيب، حتى يقلع تماما عن رذيلة إعمال العقل والتفكير في هموم الوطن، ويتخلى نهائيا عن إدمان حب الوطن وحب الحياة.
لاشك أن محمد عادل، وأمثاله من أبنائنا ـ من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية ـ هم البذرة الحقيقية لمصر الغد، ويبدو أن "البعض" حريص على وأد هذه البذرة قبل نضجها.. هناك من يحرصون على قتل جنين حب الوطن في قلوب أبنائه.. من يصرون على تجفيف منابع التغيير، بإرهاب أبنائنا ومنعهم من الانشغال بمستقبل هذا البلد بينما يسير هذا "البعض" قدما في مؤامرة الإجهاز على هذا الشعب والقضاء على مستقبله.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - Most of Us are Dead
neil ( 2008 / 12 / 17 - 02:10 )
الاستاذة الفاضلة أكرام - ليس محمد فقط يطلق على نفسه هذا الاسم بل يجوز على خمسة وثمانون فى المئة من الشعب المصرى - أختطاف مواطن وأختفائه لم تحدث فى التاريخ المصرى المعاصر الا منذ ثورة العسكر المصرية الفاقدة الهوية - أشكرك الاستاذة أكرام


2 - تحية كبيرة
قاريء ( 2008 / 12 / 17 - 16:15 )
تحية لما تكتبين من قضايا ...تمنياتي بالموفقية الدائمة

اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن