الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقاش حول العولمة في موضوعات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوري

سلامة كيلة

2004 / 3 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


منذ بدأنا النشاط ضد العولمة الرأسمالية المتوحشة، كان همنا أن يتوسع الاهتمام في معالجة هذه الظاهرة التي جرى اعتبارها أنها جديدة، وموضوعية، والدفع باتجاه تطوير قوى اجتماعية وسياسية ونقابية لمقاومتها، والتصدي لانعكاساتها المحلية، والتناغم مع القوى الاجتماعية والسياسية والنقابية العالمية التي طورت مقاومة حقيقية لها،سواء في إطار المنتدى الاجتماعي العالمي، في اجتماعاته الأربع (2001،2002،2003،2004) أو في النشاطات الواسعة التي عمت مختلف عواصم العالم ضد حرب شارون على فلسطين، وحرب بوش على العراق، دعما في مواجهة الوحشية الامريكية والصهيونية.
لهذا ننظر بحرص لما جاء في موضوعات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) حول العولمة، خصوصا الموقف الداعم للحركة المناهضة للعولمة، والدعوة إلى عالم انساني، ومن رفض لليبرالية الجديدة، ونثمن هذه الالتفاتة المؤسسة على اهتمام حقيقي بالظاهرة، وبانعكاسها على مختلف أمم الأرض. ونعتقد أنها المدخل لفهم أوضاعنا، وتحديد الرؤية التي تحكم عمل الحركة الاجتماعية بمجملها.
لهذا سنحرص على إبداء ملاحظات أساسية في هذا السياق من أجل تعميق الوعي بظاهرة العولمة، كما بمشكلاتها، لكي تصبح الرؤية المحددة لمواجهتها أكثر مطابقة لحركة الواقع. أولا: هل العولمة هي طور جديد دون تغيّر يذكر سوى الاستقطاب السياسي وتزايد دور أمريكا؟ أي دون انعطاف في منظومة اقتصاد-العالم، مع انعطاف في منظومته السياسية؟ نعتقد أن الطور الجديد انبنى على انهيار المنظومة الاشتراكية، وبالتالي انفتاح السوق (الذي كان منقسماً إلى سوقين) أولا، وتأزم الاقتصاد الرأسمالي ونشوء حالة ركود طويلة (بدأت منذ سبعينيات القرن العشرين)، وبالتالي اهتزاز أوضاع الشركات الاحتكارية وميلها للتمركز الأعلى ثانياً، واشتداد التنافس بين "الأقطاب الاقتصادية العالمية" (اميركا، أوروبا، اليابان)، ومطالبة أميركا بحصة القوة في اقتصاد العالم" ثالثاً. إذاً هي طور جديد من حيث التوسع الرأسمالي، والتنافس الرأسمالي، وأزمة الرأسمالية، قبل أن تكون محاولة لزيادة الدور الأمريكي. ولاشك في أن "تجاهل" البحث في أزمة الرأسمالية، وخصوصاً الرأسمالية الأمريكية هو الذي أفضى إلى ربط " الطور الجديد" بما هو سياسي فقط، وبالتالي عدم تفسير ما أشارت إليه الموضوعات بأنه الصورة الأمريكية الليبرالية الجديدة للعولمة، التي هي هيمنة وامبريالية بشكل معاصر. ومن ثم الهجوم الاحتلالي الامريكي، والميل للغزو والسيطرة الاقتصادية، أي العودة إلى شكل الاستعمار القديم. وإذا كان فهم الليبرالية الجديدة هو أحد مداخل فهم مايحدث، انطلاقا من كونها تقوم على إطلاق السوق من أي قيد، وتعيد ترتيب العلاقة مع الدولة (عبر هيمنة الشركات الاحتكارية)، وتنزل بالوظيفة الاجتماعية إلى الحد الأدنى، وتزيل الحواجز من أمام المستثمرين، وتطلق الحرية إلى حدود العنف. إذا كانت الليبرالية الجديدة هي هذه، فإنها كذلك نتيجة العوامل الثلاث التي شكلت "الطور الجديد" التي أشرت لها سابقاً، وخصوصاً نتيجة أزمة الاقتصاد الامريكي وتضخم القوة العسكرية الامريكية التي دفعت الشركات الاحتكارية الامريكية إلى استغلالها من أجل تجاوز مشكلاتها وترتيب هيمنة هذه الشركات في المستوى العالمي. ونتيجة التنافس الجدي مع الرأسماليات الأخرى تسعى الدولة الامريكية للسيطرة السياسية/العسكرية المباشرة (الاحتلال والامتيازات الاقتصادية) لاحتكار المواد الأولية والأسواق، وضبط حركة الرساميل والسلع والخدمات التي تخصّ الرأسماليات الأخرى. إذاً، في العولمة هناك السياسات الليبرالية الجديدة التي تعمَّم ( وتفرض بطرق شتى) والتي تحقق مصالح الشركات الاحتكارية على حساب الشعوب. وهناك السياسات الامبريالية الامريكية التي تسعى للسيطرة والاحتلال واحتكار الأسواق، وتؤدي إلى دمار المجتمعات ونهبها. وفي الحالين تكون النتيجة هي وقف امكانية تطور القوى المنتجة ودمار مانشأ بالأطراف، وتعميم التهميش والبطالة والفقر والتفكك. وبالتالي تأسيس قوى مضادة للرأسمالية وعولمتها دفاعاً عن الذات ( الطبقي والقومي)، ومن أجل حلم التطور والاستقلال.
لهذا فإن التعريف " الأكثر موضوعية" و "حياداً" الوارد في الموضوعات هو تعريف بارد وسطحي ويوحي بعكس واقع العولمة الراهنة، فهو لايتأسس على عمق الأزمة التي تدفع الرأسمالية ( والأمريكية خصوصاً) إلى هذا الشكل من العولمة، هذا الشكل بالتحديد، الشكل الامبريالي القائم على الاحتلال والنهب، وإزالة حدود الدول بالقوة العسكرية، لكن مع إثارة الميول القومية وتعزيزها، لأن مايتحقق هو قسر واستبداد من جهة، وتهميش للشعوب من جهة أخرى، الأمر الذي يستثير كل النزعات القومية والدينية. وهذا الواقع يوضح خطأ النتيجة التي نشأت عن التعربف "الموضوعي" للعولمة. والقائلة بتناقص أهمية الانتماء القومي تدريجياً. إن العنف يولد وحدة قسرية "جبرية". وبالتالي تؤسس لتناقضات عميقة، قومية، تمنع الترابط المتبادل والتماسك العالمي (وهو ماتؤكده الموضوعات). إذاً، التعريف "الأكثر موضوعية" و "حياداً" يقود إلى تحليل وهمي لنتائج العولمة، هي بعكس ما يجري في الواقع. وبالتالي فإذا كانت العولمة "تزيل الحدود الدولية" بالقوة العسكرية والضغط والفرض، فإنها تعزز الميول القومية والدينية و"الانشقاقية".
وإذا كانت "الثورة التكنولوجية" عنصراً حاسماً في "الطور الجديد". وهي قوة تقدم هائلة وتسمح بتأسيس عالم موحّد حقيقي، فهي تستخدم من أجل تعزيز السيطرة والهيمنة. وايجابيتها هي العنصر الثانوي الذي يفيد في بناء عولمة انسانية تفرضها الشعوب والطبقات العاملة، كما أنه يعزز نضالات الشعوب ويعمق من وحدتها في مواجهة العولمة المتوحشة الراهنة. الثورة التكنولوجية، هي العنصر الثانوي في العولمة الراهنة إذاً وتستخدم في خدمة الرؤية التي تصوغها الشركات الاحتكارية الامبريالية، والحروب التي تخوضها ( الأسلحة عالية الدقة والتقنية). ولهذا فهي تزيد من قدرتها التدميرية، وتعمق من الفروق مع الأمم الأخرى. وبالتالي فهي ثورة هائلة حينما تكون أداة في نمط بديل، إنساني وعادل. وإذا كانت وسيلة تواصل وترابط وتماسك عالمي، فلن تكون كذلك واقعيا إلا في إطار عالم بديل. حيث لاتكون وسيلة هيمنة وأداة تدمير. لتؤسس حقيقة لطور جديد. ثانياً: هذه الرؤية للعولمة غير معكوسة في فهم السياسات المحلية الضرورية لتحقيق التطور والاستقلال. حيث أنها يجب أن تعني مواجهة الميل نحو الخصخصة وتنفيذ شروط صندوق النقد الدولي، التي تحاولها ( وإن بتلكؤ) الرأسمالية المسيطرة، وتحلم بتحقيقها الرأسمالية التقليدية المهمشة إلى هذا الحد أو ذاك. لكن المتداخلة مع الرأسمالية المسيطرة، إن رفض السياسات الليبرالية الجديدة عالمياً يفرض رفض ممارساتها الواقعية في سوريا، ويقتضي وضع برنامج بديل، يقوم على أساس إعادة صياغة دور الدولة الاقتصادي (الذي هو ضرورة حاسمة) على أساس ديمقراطي. . وإذا كانت الاشتراكية قد انهارت، و"رأسمالية الدولة" قد عمقت النهب والاستبداد، فإن التغيير يجب أن يحدث ليس انطلاقا من رفض دور الدولة، سواء بحجة أنه المؤسس للاستبداد، أو بحجة بيروقراطيته، أو حتى الانهيار الذي حكم التجربة، لأن الغاء دور الدولة الاقتصادي لايعزز من فرص الاستثمار في القوى المنتجة، على العكس يعزز الطابع الطفيلي للاقتصاد ( التجارة، الخدمات، المال)، كما أن "اقتصاد السوق" يفتح المجال للمنافسة غير المتكافئة التي تفضي إلى انهيار الزراعة والصناعة، وتكريس نمط طفيلي للاقتصاد. وبالتالي تعميم البطالة والفقر والتهميش. الأمر الذي يدفع إلى تأسيس ديكتاتورية الرأسمال الخاص، حيث لايمكن أن تتحقق سلطة الرأسمالية القائمة على النهب (المحلي والعالمي) إلا في إطار استبدادي ( وإن اتخذ شكلا "ديمقراطياً" كما في مصر والأردن وحتى المغرب).
أيضاً، إذا كانت سيطرة الرأسمالية لا تأتي بالديمقراطية (سوى بهامش حرية)، فإنها لا تؤسس لتطور القوى المنتجة وتحديث المجتمع، الأمر الذي يضعها على كف الصراع الطبقي، الذي يفرض صوغ البديل. هذا الوضع يفرض إعادة النظر في الفكرة الأساسية الواردة في الموضوعات والقائمة على ضرورة انتصار الرأسمالية (بشكلها الكلاسيكي). ورفضاً "لحرق المراحل"، الذي يوقع في مستنقع الركود والتخلف. حيث أن عالمية النمط الرأسمالي تمنع انتصار رأسمالية " حقيقية" (أي منتجة) في الأطراف، وتفرض صيغة أخرى للتطور، وهي الصيغة التي تحتاج إلى بحث وجهود جدية.

البديل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم استمرار التوتر على الحدود اللبنانية.. نائب الأمين العام


.. رئيس الوزراء البريطاني الجديد يعين وزيرة للمالية في سابقة تا




.. سرايا القدس: أغار مقاتلونا على قوة إسرائيلية من مسافة صفر بح


.. سياق| ما قصة حزب لوبان؟ وكيف نجح بالصعود في الانتخابات الفرن




.. 7 شهداء في عملية عسكرية إسرائيلية غربي مخيم جنين