الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمرو خالد والنمذجة الاخرى

سامر خير احمد

2004 / 3 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


يمثل برنامج «صناع الحياة» الوجه الاخر لاضطراب الوعي عند المسلمين والعرب الساعين لنهضة الامة، فكما ان الوجه الاول يتمثل في البحث عن نموذج في الزمان الماضي الذي تختلف ظروفه عن ظروفنا، سواء في جوانب الامكانات المادية (الاختراعات، الفرص، الاكتشافات) او في الجوانب الاجتماعية والثقافية الذاتية وجوانب تحضر الامم الاخرى وموازين القوى الخارجية، فان هذا الوجه الاخر يتمثل في البحث عن نموذج لدى شعوب اخرى مختلفة عنا في بنيتها الاجتماعية وذهنيتها العامة التي يبنى عليها الممكن وغير الممكن. هكذا فان الاصرار على البحث عن نجاح عند الاخرين يمكن الاقتداء به، تغيب عنه ضرورة معرفة الذات وتحديد ماهيتها. ان مشكلة ذلك الوعي المضطرب تتمثل في جانبين:
1- عدم وعي التاريخ: فالتاريخ ليس قطعة واحدة بحيث يمكن تطبيق حالة نجاح ما في مرحلة فيه على اي مرحلة لاحقة، وانما هو مجموعة قطع، لكل منها ظروفها، فمرحلة ما قبل اكتشاف النار تختلف عن مرحلة ما بعدها، وكذلك امر اختراع العجلة، واختراع المنجنيق، واختراع البارود. وضمن هذا السياق فان الثورة الصناعية في اوروبا مثلت مرحلة قطيعة مع الماضي بالنسبة للعالم كله، بما في ذلك عالمنا العربي الذي اصطدم باوروبا الناهضة منذ نحو مائتي عام، فبات منذ ذلك التاريخ يحلم بالنهضة مثلها.
اننا اليوم نعيش مرحلة متصلة مع الثورة الصناعية (بما فيها من ثورة رقمية) ومنفصلة عما قبلها، لان الظروف بعد تلك الثورة لم تعد مثل الظروف التي قبلها، وهكذا فانه ليس منطقيا وليس ذا فائدة الاقتداء بتجارب البشر الذين عاشوا ظروف ما قبل ولم يعيشوا ظروف ما بعد الثورة الصناعية، بما في ذلك تجارب المسلمين البشر الذين انتصروا بامكانات مادية ليس منها غزو الفضاء والقنابل النووية. وحتى تقطع الطريق على الذين يحبون الاصطياد في الماء العكر، يجب التوضيح ان الحديث هنا يتعلق بتاريخ المسلمين لا بالاسلام، فالقرآن الكريم والسنة النبوية هما فقط اصل الاسلام، وهما ليسا من التراث بل انهما يمثلان الاسلام الصالح لكل زمان ومكان، اي الذين يمكن تطبيقه مباشرة في اي من مراحل التاريخ مهما كانت ظروفها. ان وعي التاريخ يعني تمييز حقبة ومعرفة ظروف كل حقبة منها، وبالنسبة للاسلام فانه يعني تطهيره من ظروف تلك الحقب وحصره في الكتاب والسنة وحدهما دون تراث المسلمين، وهذا احد الامور الغائبة عن خطاب السيد عمرو خالد، فهو لذلك خطاب لا يعي التاريخ.
2- عدم وعي البنية الاجتماعية: وحتى في مرحلة ما بعد الثورة الصناعية فالعالم ليس واحدا، ذلك ان امم الارض باتت تختلف في بنيتها الاجتماعية تبعا لمدى استفادتها من تلك الثورة، ففيما باتت البنية الاجتماعية في اوروبا وكذلك في الدول الصناعية بنية طبقية تعتمد على روح المبادرة، فانها في عالمنا العربي بنية ابوية عامودية لا قيمة حقيقية فيها لمبادرة الفرد، لانها تعتمد على القبلية والعشائرية والطائفية وما يتبعها من واسطة ومحاباة للاقرباء وما الى ذلك، وهكذا فان ظروف اوروبا الناهضة - كألمانيا مثلا - تختلف تماما عن ظروفنا، فكيف يمكن تطبيق تجربتها علينا؟ ان ذلك مستحيل ما لم يتغير واقعنا الاجتماعي وتتغير ذهنيتنا باتجاه اعلاء قيمة الفرد وتقليص قيمة العصبيات الجماعية. هذا الامر غائب ايضا عن خطاب السيد عمرو خالد، وهو لذلك لا يعي الواقع الاجتماعي.
ان كاتب هذه السطور لا يرى حلا بغير الاسلام، شريطة ان لا يقترن الاسلام الذي هو الكتاب والسنة بتراث المسلمين السابقين، عندها يكون الاسلام اساس التحول الى المدنية واعادة هيكلة كل من البنية الاجتماعية والذهنية العامة، فهذه الامة المريضة بتاريخها، بحاجة لان تصحو على واقعها المر وتحاول اصلاحه، عبر اعادة فتح باب الاجتهاد. واقفال باب الاقتداء بالاخرين، وبهذا فقط تتحقق صلاحية الاسلام لهذا الزمان لان الصلاحية تعني القدرة على الانتقال عبر الزمن دون تغيير او تبديل، واذا كان المسلمون السابقون اشتقوا من الاسلام ما يصلح لزمانهم، افليس من حقنا ان نجتهد فيه بما يصلح لزماننا دون ان يكون مطلوبا منا ان نقلدهم.
اما السيد عمرو خالد فاننا لا نلومه على مشكلات خطابه، فهو ليس فيلسوفا ولا مفكرا، وهو لذلك يرى اثرا طيبا في واقعه الراهن، غير انه لا يدرك اثر ما يضع على المدى البعيد، والمطلوب منه التخلي عن فكرة التقليد للاخرين سواء كانوا مسلمين سابقين او اجانب معاصرين، لصالح فكرة ابداع الجديد، لان الذين يأتون بالجديد هم وحدهم «صناع الحياة»، فيما الذين يقلدون لا يصنعون سوى عواطف جياشة، والله من وراء القصد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معاناة متفاقمة للفلسطينيين وتعثر التهدئة بسبب مواقف نتنياهو 


.. مصرع المئات بعد فيضانات مدمرة في أفغانستان ?




.. مشاهد لنسف الجيش الإسرائيلي بقايا مطار ياسر عرفات الدولي شرق


.. حزب الله: هاجمنا 3 أهداف إسرائيلية في مزارع شبعا المحتلة وثك




.. يوم ملتهب في غزة.. قصف إسرائيلي شمالا وجنوبا والهجمات تصل إل