الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فصل العلم عن الدين.. لماذا؟

محمد علي ثابت

2008 / 12 / 18
الطب , والعلوم


للأسباب الثلاثة التالية، بالذات، أرى أنه يجب فصل العلم عن الدين
:

(1)
لأن أساس الأديان نصوص ثابتة، بينما المكتشفات والنظريات العلمية في حالة تبدل مستمر. وكمثال: قديماً كان البشر يعتقدون أن الشمس تدور حول الأرض، ولكننا علمنا منذ عصر النهضة أن الأرض هي التي تدور حول الشمس، ثم في القرن العشرين علمنا أن الأرض والشمس تدوران حول مركز المجرة، وأن المجرة بأكملها تدور حول مركز مفترض للكون غير المعلوم بالكامل بالنسبة لنا، وربما نكتشف في المستقبل - مع تنامي قدراتنا الرصدية - أن كوننا ليس سوى كون محلي وحيد يدور بدوره حول مركز لمنظومة كونية أكبر مؤلفة من عدة أكوان، وهو ما يؤشر إليه الآن تحول بعض العلماء من توصيف الكون-اليونيفيرس إلى الأكوان-المالتيفيرس.. وإذا حاول رجال الدين أو العلماء المؤمنون بضرورة الربط بين العلم والدين - إذا حاولوا تعديل تفسيراتهم الدينية ونظرياتهم العلمية في كل مرة يطرأ فيها توسع وتبدل وتنام في معارفنا العلمية، فإنهم بذلك سيكونون كشخص هوائي قصير الأفق على استعداد لتغيير معتقداته برمتها وقلبها رأساً على عقب كلما جد جديد في علمه أو في علم غيره، دون أن يشعر على الإطلاق أن في ذلك ما يتنافى مع النزاهة العلمية أو ما يتماشى مع أساليب الحواة والمخادعين. وعليه، فالموضوعية الحقة تتطلب عدم تفسير الثابت (النصوص الدينية) بالمتغير (الحقائق والمكتشفات والنظريات العلمية وحتى التفسيرات البشرية المختلفة للنصوص الدينية)، وأي خلط بين الأمور بخلاف ذلك لن يخدم العلم في شيء - طالما أن العلم يستمد مقوماته من التجربة والمشاهدة والاستنتاج البحت وليس من النصوص السابقة عليه، ولن يخدم القضية الدينية كذلك في شيء - طالما أن الدين يستمد مرجعيته من نصوص ثابتة منذ آلاف السنين لم يكن الهدف المباشر منها حين وضعت هو توضيح أو تفسير حقائق علمية معينة بقدر ما كان هو هداية البشر إلى مثل عليا معينة أو تنظيم حياتهم على نحو ما أو إخبارهم بقصص السابقين عليهم لحكمة ما. وعلاوة على ذلك، فإنه لا يجوز إخضاع الحقائق العلمية التقريرية المجردة التي لا تحتمل كثيراً من الجدل (مثل أن الماء يغلي عند درجة الحرارة مائة على مقياس سيلزيوس) لتفسيرات وتأويلات دينية ذات مصدر بشري وطبيعة متباينة ومستحيلة الحسم بشكل نهائي (مثل أن القمر قد انشق فعلاً وليس مجازاً في الماضي وأن الشياطين، التي اتضح لنا في العصر الحديث أنها لم تكن سوى شهب ونيازك متطايرة، كانت تسترق السمع من السماء خدمة للسحرة وإمداداً لهم بالأخبار والنبوءات). وأخيراً وليس آخراً، فلا يصح أبداً قياس المادي الموضوعي الذي لا يحوي إلا المرئيات والمنطقيات (العلم) على الروحاني الغير حسي (الدين) الذي يتسع مجاله ليشمل المعجزات والخوارق وما يشوبها من تناقض مع المنطق العقلي وحدود المعقولية


(2)
لأن العالم الذي يصر دائماً على إجراء بحوثه ودراساته وتجاربه العلمية من منطلق انتمائه الديني هو عادة لا يصل إلى نفس النتائج العلمية القيمة التي كان من الممكن أن يصل إليها لو كانت مرجعيته الأساسية داخل المعمل أو المكتبة أو قاعات المحاضرات هي مرجعية علمية بحتة مجردة من أي انتماءات دينية أو تحيزات مسبقة. فمجرد إصرار العالم على إجراء تجاربه وهو يضع في اعتباره دائماً أنه يريد لها ولنتائجها أن تتماشى مع مبادئ دينه أو أن تسهم في الإعلاء من شأن هذا الدين أو في جذب المزيد من الأتباع إليه - هذا الإصرار يجعل أدوات ذلك العالم البحثية أكثر محدودية من أدوات الآخر الذي لا يضع مثل تلك النقاط والدوافع الشخصية البحتة في اعتباره ويدخل معمله وهو لا يضع في حسبانه أي عوامل أو اعتبارات سوى رغبته في إفادة البشرية ككل ببحوثه ونتائجها النظرية والتطبيقية. وكمثال: فإن العالم الذي يصر في تجاربه على إثبات احتواء لعاب الكلاب على كائنات ومواد ضارة معينة تماشياً مع نصوص دينية يؤمن بها - هذا العالم لن يكون لديه من التفتح وسعة الأفق ما يكفيه للنظر إلى الأمور من منظور أوسع وملاحظة أن بعض العلماء في الدول الأجنبية بدأ يتحدث الآن عن احتواء لعاب الكلاب على أنواع من البكتيريا المفيدة لمعالجة أمراض معينة والكشف عن الإصابة بأمراض أخرى وأن الضرر الذي يمكن أن يتعرض له الإنسان أو الحساسية التي يمكن أن تصيبه بسبب لعاب الكلاب هما في الواقع أقل بكثير مما كنا نتصور وأنهما يتراوحان من شخص لآخر بين ضرر ومنفعة أو سواء

وبالمثل، فإن العالم الذي يرفض استخدام الكحوليات أو الإنسولين الحيواني في تجاربه أو وصفاته العلاجية بسبب دوافع دينية بحتة إنما هو في الواقع يكون بذلك كمن يستحب تقييد خياراته وإمكاناته العلمية بنفسه ويتجاهل الكثير من الحقائق العلمية المجردة إرضاء لنصوص وافتراضات قديمة قد يكون الزمن والعلم الحديث تجاوزاها بالكامل أو هما في الطريق إلى ذلك

والمقصود، بعيداً عن تلك الأمثلة التي سقناها للتدليل على رأينا فحسب، هو أن تطور الحقائق والمعارف العلمية باستمرار مع الزمن يتطلب من العلماء - إن كانوا علماء بحق - التحلي بمرونة علمية وعقلية عالية وجعل العلم بالنسبة إليهم مجرداً عن أي ضوابط غير علمية وغير خاضع إلا لسلطان العلم نفسه وليس أي عوامل أخرى خارجة عليه من شأنها جعل الجهود والتفسيرات العلمية متحيزة لغير التفكير بالمنطق العلمي، وجعل الأفق العلمي محدوداً بغير القدرات القصوى للعقل البشري ولإمكانات التقنيات العلمية والصناعية المتاحة تحت تصرف العلماء في كل عصر من العصور


(3)
لأن العالم الذي يضع التكليفات والفروض الدينية في عقله باستمرار وهو يجري بحوثه وتجاربه فإنه يكون كمن شاء تقييد نفسه بنفسه وآثر الحد من قدرته الإجمالية على الوصول إلى حقائق وتفسيرات علمية جديدة من شأنها خدمة البشرية ونفعها، والارتقاء بشأنه هو في الوقت ذاته. وكمثال: فإن عالم الأحياء أو الطبيب الذي يبني رفضه إجراء تجارب لاستنساخ البشر أو عمليات لنقل الأعضاء فيما بينهم على أسس دينية - وليست علمية أو أخلاقية - مثل هذا العالم هو في الواقع يتجاهل أن رأيه ذلك ضيق الأفق في الممارسة العملية على المدى البعيد وأنه لو تعمم وساد الساحة العلمية العالمية ككل فإن البشرية ستحرم نفسها بنفسها من إمكانية استخدام نتائج ومكتشفات مثل تلك الجهود العلمية مستقبلاً لمحاربة أمراض معينة غير منظورة أو مستعصية حالياً أو لمواجهة أوبئة أو كوارث كبرى أو ما إلى ذلك. ومن جديد، يمكننا الاستدلال من ذلك على أن السلطان الوحيد الذي يجب إخضاع الجهود والمشروعات العلمية لسيطرته ورقابته هو سلطان العلم نفسه وحدوده وإمكاناته القصوى وقدرات العلماء العلمية والعقلية والإمكانات التقنية المتاحة في كل عصر من العصور، على أن يكون ذلك - بطبيعة الحال - في إطار ميثاق أخلاقي معين يتفق عليه العلماء ويلتزمون به فيما بينهم للحيلولة - مثلاً - دون استخدام العلم في حروب إبادة عرقية انتقائية على شاكلة مشروع القنبلة البيولوجية العنصرية التي سمعنا بها في أواخر التسعينيات


وهناك غير ذلك أسباب أخرى بالتأكيد، لكنني - تقيداً بضيق المساحة - آثرت التركيز على الأسباب الثلاثة الواردة أعلاه فحسب لأنني أراها الأكثر أهمية وشمولاً بين كافة الأسباب التي تحتم الفصل بين الدين والعلم، أو بالعكس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مجرد بضعة قرون
سلام السوسنة ( 2008 / 12 / 17 - 20:50 )
سيدي
موضوعك ذو اهمية عظمى
مات في سبيله علماء حرقا وعذب آخرون
لكنه حُسم ياصديقي عند بقية البشر منذ خمسمائة سنة. منذ عصر النهضة ثم شبع حسما منذ مائتي سنة ، منذ عصر التنوير.
هل بقيت في العالم مؤسسات تخلط بين الدين والبحث العلمي في غيرجامعة الامام السعودية وغزة الاسلامية وازهرنا الشريف وقريبا الصومال الاسلامي
وهل تعرف متحدثين عن شق القمر ونزول الحيديد وفضل بول النياق مخلوطا بلبنها وخصوصا اذا وقع عليه الذباب غير الزغلول واتباعه من علمائنا الافاضل.
صديقى العلم يصنع في مخابر الغرب حيث يسكن الدين في الكنائس فقط يتعايشان ولا يختلطان.
وكل في داره آمن
العلم نستورده منهم ثم نذكرهم بفضلنا عليهم وكيف سخرهم الله لخدمتنا.


محبة

اخر الافلام

.. قوات الأمن الأمريكية تمنع وسائل الإعلام من تغطية اعتصام معهد


.. الجزيرة ترصد تزايد أعداد السفن المنتظرة في المياه الإقليمية




.. واشنطن تستعمل التكنولوجيا لكسب تأييد جزر المحيط الهادي


.. ??طلاب من معهد العلوم السياسية في باريس ينددون بالحرب الإسرا




.. علاء الشربينى الا?كل نفس وا?بويا كينج الطبخ في ا?ي مكان