الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصابات المسؤولين

سعدون محسن ضمد

2008 / 12 / 19
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كيف يمكن أن نتعامل مع مجتمع تتحول فيه الجريمة لممارسة ذات دوافع وأهداف جماعية؟ كيف يجب علينا أن نتعامل مع المجرم المضغوط عليه أو المغرر به من قبل جماعته. خاصَّة الجماعة الطائفية التي تُحول الفعل الإجرامي إلى جهاد مقدس؟

طبعاً لا يمكن الجواب على مثل هذا الأسئلة بشكل دقيق، خاصَّة وأنها تتضمن مغالطة خفية، فهي تطالبنا باستخدام المفاهيم المسكوكة لحالات الجريمة (الفردية) المألوفة، للحكم على حالات الجريمة (الجماعية) غير المألوفة. إذ هناك فرق بالتأكيد بين السارق الذي يمارس جريمته بشكل فردي، ولإهداف فردية، وبين ذاك الذي يمارسها لأهداف ـ أو بدوافع ـ جماعية وفي ظروف استثنائية. كل من اشترك (بمهرجان الحواسم) مارس لصوصية واضحة، لكن مقدار هذه اللصوصية يختلف عن ذلك المقدار الموجود في حالات السرقة التي يقوم بها اللصوص المحترفون.
وإذا قبلنا أن نفرق بين هذين المستويين من السرقة فيمكن لنا بسهولة أن نفرق، بين نوعين من الأفعال: (الجماعية والفردية). الأمر الذي يُمَكِّننا من فهم أوسع لطبيعة المجتمع الذي نعيش فيه ونتعامل معه. والذي يبدو عليه أنه مجتمع عشائري لدرجة كبيرة. ما يحتم علينا ضرورة فهم طبيعة الدوافع التي توجه سلوك افراده، بالذات منهم: الخارجين على القانون أو الرافضين الاندراج بالعملية السياسية.
أبداً لا يستهدف هذا المقال تبرير الجرائم أو الدعوة للتهاون مع المجرمين، بقدر ما أنه معني بضرورة الالتفات لمسؤولية الجماعة عن أفعال أفرادها. فيبدو أننا لم نتعلم الشيء الكثير من تجربة العنف الطائفي الذي واجهناه. خاصَّة على صعيد نسف الذرائع التي تشكل دوافع جماعية محركة لسلوك الأفراد الخارجين على القانون.. ففي الوقت الذي يسهل فيه السيطرة على الفاعل الفردي. يبدو أن من الصعب الوقوف بوجه الفاعل الجماعي. ذلك أن الجماعة ستكون مستعدة على الدوام بأن تواجهنا بأفراد جدد مهما قضينا على الأفراد الذين يمارسون العنف بالنيابة عنها.. ما دامت تجد مبررات لهذه المواجهة. ولهذا السبب فشلت جميع محاولات القضاء على تنظيم القاعدة في العراق طالما كان محمياً من قبل الجماعة، ولم تنجح هذه العمليات إلا بعد أن فقدت القاعدة دعم المجتمع لها، خاصَّة بعد أن أوغلت بدمائه وتنكرت له. بمعنى أنها أسقطت ذرائع حمايته لها.
علينا أن نواجه حقيقة أن المجتمع العراقي لم يتحول بعد لمجتمع مدني متحضر، وإذا كانت البنية العشائرية لم تستطع السيطرة عليه كله، فإن النسق العشائري فعل ذلك. لهذا السبب سيبقى القانون عندنا قابلاً للاختراق من قبل جماعة ما. وإذا لم تكن هذه الجماعة عبارة عن عشيرة أو طائفة أو حزب، فإنها ستكون جماعة وزير أو برلماني أو أي مسؤول آخر.
ولهذا أدرك الشارع العراقي ضرورة التمييز بين الفعلين (الفردي والجماعي) بصورة أسرع من مؤسسات الدولة، ولذلك تجد بأن شرطي المرور أو أفراد القوات المسلحة يحجمون عن محاسبة منتسبي حمايات (بالأحرى عصابات) المسؤولين ـ وهم ينتهكون كل قوانين السير بشوارع بغداد ـ لأنهم يعرفون حق المعرفة بأن هذا المحاسبة ستُفْهَم على أنها إهانة موجهة لنفس المسؤول لا أنها مجرد عدالة في فرض القانون. وهذا دليل واضح على وجوب تغيير الستراتيجية التي نتبعها في عملية بناء دولتنا. وفي الجواب على سؤالنا الأول أقول: يبدو أننا متفائلون بشكل كبير ونحن نسعى لبناء دولة مدنية وفق الشروط الحداثوية. بعبارة أخرى: علينا أن نواجه حقيقة أننا مجتمع غير متحضر بالمرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حول الدوافع الجماعية للسرقة
صائب خليل ( 2008 / 12 / 19 - 13:03 )
صديقي العزيز سعدون عمت مساءً
أتصور أن تعبير -السرقة لأهداف جماعية- غير دقيق، أو انك لم توضحه بشكل كاف. ففي تقديري أن السرقات الجماعية لم تتم لأغراض جماعية وإنما لأهداف ودوافع فردية ايضاً, ولا تلعب الجماعة هنا إلا دور المتغاضي عن الجريمة أو المدافع عن ا لمجرم حين يحس بأنه محمي من خلال وجوده داخل الجماعة. هذه السرقات لانستطيع أن نقول أن لها دوافع جماعية لأنها لا تخدم غرضاً جماعياً في النهاية، حيث سيحتفظ كل سارق بغنيمته لنفسه إن لم يكن في جميع الحالات ففي الحالات الغالبة بشكل ساحق.
تحياتي لك على المقالة الجميلة.

اخر الافلام

.. ما الذي يربط الحوثيين بحركة الشباب الصومالية؟ | الأخبار


.. نتنياهو يحل مجلس الحرب في إسرائيل.. ما الأسباب وما البدائل؟




.. -هدنة تكتيكية- للجيش الإسرائيلي في جنوب قطاع غزة ونتانياهو ي


.. جرّاح أسترالي يروي ما حصل له بعد عودته من غزة




.. حل مجلس الحرب الإسرائيلي.. والترددات على تطورات الحرب في غزة