الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هو السر؟

دحام هزاع التكريتي

2008 / 12 / 19
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



في الحقيقة لا يستحق حادث رشق رئيس الولايات المتحدة بالأحذية من قبل مراسل القناة "البغدادية" القاهرية!! التعليق أو كل هذا الضجيج والتبحر في التحليلات والندوات التي شارك بها هذا القدر من الخبراء الإستراتيجيين الذين فشلوا في السابق في تحليل الأحداث، وهاهم يعاودون الفشل مرة أخرى. فمثل هذه الأحداث تجري في كل الدول التي يسودها قدر غير قليل من الحريات، في حين لم نجدها في دولة صدام ولا في دولة بشار الأسد الآن ومن هم على شاكلتهم. والسبب بسيط وهو أنه ما أن ترمى الفردة الأولى من الحذاء حتى تنهار قاذفات آر بي جي ورشاشات كلاشنكوف والهاونات على كل الصحفيين والمراسلين بحيث لا ينجو أحد منهم كي ينقل الحادث ويصوره ليبث بشكل حي كما حدث في المؤتمر الصحفي المشترك بين رئيس الوزراء العراقي والرئيس جورج بوش.
نعم إن مثل هذه الحوادث تحدث على الأكثر في الولايات المتحدة أو في اليابان أو تركيا وإيطاليا، حيث يلجأ البعض إلى قالب كيك أو بيض فاسد على سبيل المثال، وليس بفردة حذاء كما فعله مراسل البغدادية، ليرميه بوجه مسؤولين تعبيراً عن عدم الرضى أو الإدانة لهذا المسؤول. إن سلوك الصحفي يجب أن يتسم بالتهذيب والحيادية لا أن يتحول سلوكه إلى سلوك يشابه أولاد الشوارع، وإلاّ ما الفرق بين الاثنين.
ولكن ما يثير التساؤل هو ما أن بث المراسلون الذين حضروا المؤتمر الصحفي هذه المشاهد حتى استقبلتها بشكل غير عادي بعض الأقنية ووكالات الأنباء وغيرها من وسائل الإعلام التي لا تتحدث إلا بالسوء عن كل ما يحدث في العراق. وشُرع بعزف الأناشيد القومية وتنظيم المظاهرات الصاخبة وفتحت قريحة بعض الشعراء وكأن انتصاراً ما حققته الأمة العربية والإسلامية باتجاه تحرير فلسطين أو الجولان أو الاسكندرونة وعودتها إلى أحضان العرب. أما القناة "القاهرية"، عفواً "البغدادية" زوراً فقد ألغت جميع برامجها كي تنقل الهوسات والأشعار والعتابات، وتستضيف الخبراء في العلاقات الدولية والخبراء العسكريين للتعليق على الانتصار المبين الذي حققه "المنتظر" على الإدارة الأمريكية وجهاز مخابراتها الذكي. ووقع البعض ممّن أدهشهم الحادث ، في مطب التزمير ليعلن جهاراً أن عهداً جديداً من المواجهة مع "الأمبريالية" و"الصليبيين" قد بدأ، وإن توازناً جديداً في القوى على النطاق العالمي قد طرأ، وما على العرب والمسلمين إلاّ أن يستعدوا لتوجيه الضربة القاضية لأعدائهم. إن مبادرة هذه القناة غير البغدادية التي تبث برامجها من القاهرة تثير أكثر من علامة سؤال حول رياء الحكومة المصرية التي تتضرع إلى بوش وكل حكام الولايات المتحدة وتستلم منهم المنح المالية والأسلحة المجانية، وتستقبل مراقبيهم العسكريين لمراقبة الحدود مع إسرائيل ضمانة لأمنها، في حين تسمح لهذه القناة المريبة بالتجني على العراق وتحرض على العنف فيه بدعوى كاذبة من مقاومة المحتل الأمريكي.
أنا لست من الناس الذين يتوقفون عند أحداث غير لائقة مثل رمي البيض والقاذورات على من لا يعجبنا من المسؤولين، أو النزاع بالقناني في داخل مجلس النواب العراقي وغيرها من ممارسات تعكس الحالة النفسية والأخلاقية لمرتكبيها. ولكن ما أوقفني هو الضجة والصخب الذين صاحبا هذا الحادث من قبل نفس القوى التي قامت وروجت لإزهاق أرواح العراقيين وتدمير ممتلكاتهم من القوى الإرهابية وفلول العهد السابق والقوى الإقليمية التي كانت تريد أن ترث العراق بعد رحيل صدام حسين. أعتقد إن السبب في كل هذه الضجة يعود إلى أن جميع آمال هذه القوى أو غالبيتها قد أصبحت في مهب الريح، وأن العراق بدأ يخطو حثيثاً نحو استعادة حيويته واستقراره، وأن أصحاب هذه الضجة ينتابهم اليأس جراء فشلهم في تحقيق أحلامهم الشريرة في العراق.
- فحكام سوريا مثلاً الذين يجندون بعض العراقيين في دمشق للخروج في المظاهرات المدفوعة الثمن ولقاء الحصول على الإقامة فيها، كانوا يحلمون في أن يرثوا حكم العراق، إلاّ أنهم فشلوا، كما فشلوا في فرض وصايتهم على لبنان، في أن يرث حزب البعث بلونه البعثي السوري الحكم في العراق بعد أن انهار حكم البعث باللون العراقي في 9 نيسان 2003. فعلى الرغم من دعم هؤلاء الحكام وإسنادهم للإرهابيين والقتلة خلال السنوات الخمس الماضية، واحتضانهم لفلول الحكم السابق، وتوقعهم بأن ينهار البلد ويستلمون هم بكونهم اللاعبين الأساسيين الملف العراقي وأمن العراق وثروته، إلاّ أن هذا الحلم لم يتحقق وولى إلى غير رجعة، وبدأ الحكم السوري يجني ما زرعه في العراق بفعل انتقال شبكات الإرهاب إلى الأراضي السورية. وفشلت كل محاولات سوريا إلى تبشيع محاولات العراقيين لبناء دولتهم الجديدة، وتشويه صورة التجربة الديمقراطية الوليدة في العراق خوفاً من أن تنتقل عدواها إلى سوريا وتزيح حكمهم البعثي الاستبدادي.
إنني أتساءل ماذا لو جرى دعوة حكام سوريا لبوش بزيارة دمشق (وهم يستجدون ذلك)، وتعرض هذا الضيف لنفس ما جرى له في بغداد، فماذا سيكون رد فعل "أجهزة المخابرات السورية بكل أشكالها؟ الاحتمال الأكبر سيكون تصفية الصحفيين المتواجدين في القاعة عن بكرة أبيهم، بل وكل أعضاء نقابة الصحفيين السوريين ومن أعطى الرخصة والهوية لهذا المراسل والبطش بكل عشيرته، كما حدث عندنا في الدجيل، وغلق أجهزة الإعلام واعتقال كل الصحفيين بمن فيهم صحفيي الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، جواباً على هذا الحدث "المشين الإرهابي" ضد الرئيس الضيف على سوريا العربية، وباعتبار أن ذلك تهديم للقيم العربية التي ترحب بالضيف الذي يجب أن يقدم له آيات من الاحترام، وكرادع لعدم تكرار هذا العمل الخطير الذي يمثل تهديداً للأمة العربية بل والإسلامية وأمنها القومي!.
- وتتصاعد هذه الضجة في وقت ولت إلى غير رجعة أحلام القوى الإرهابية الظلامية التي حلمت ببناء دولتها الإسلامية المزعومة، بعد أن استيقظ العراقيون على حقيقة هذه الزمر الإجرامية وما تكنه للعراق من عداء وموت. فدولتهم الإسلامية المزعومة بوزرائها وأخصائيو الموت فيها انتقلت إلى سوريا ولبنان وباكستان والجزائر كي تزرع الموت في هذه البقاع وتجرب حظها في الفشل من جديد. فقد قامت الأجهزة الأمنية العراقية باعتقال الوزراء الجهلة لهذه الدولة أو قتلهم، ولم تعد هذه الدولة العنترية تشكل الآن أي تهديد جدي للبلاد قياساً لما كان عليه الأمر في سنوات سابقة، رغم ما يسببه بقايا صعاليكها من أذى هنا وهنا، بهدف خلق الأمل عند من تبقى من أنصارهم في العراق.
ـ وفشلت فلول البعث العراقي رغم ما كل ما أنفقوه من مليارات الدولارات المسروقة من العراق في وقف العملية السياسية التي تكرس الديمقراطية ودولة القانون عوضاً عن دولتهم القائمة على النهب والعسف، بالرغم من ما أشاعوه من قتل وتدمير للعراقيين بدعوى مناهضة الاحتلال. وها هي قناتهم "البغدادية" تلجأ إلى التزمير واللجوء إلى القنادر كي تعبر عن يأسها وتغطي على فشلها في إثارة الفرقة وزرع الموت والدمار في العراق.
- ولم تتكلل كل محاولات التيار الصدري بقوة السلاح وبقوة جيشه العقائدي أو بالديماغوغية الدينية المزورة أو بالدعم الذي تقدمه أطراف خارجية من فرض سيطرته على المدن العراقية كما كان يروج ويلوح بذلك. فمدينة البصرة التي كانت لسنوات مسرحاً لطيشهم قد هدأت وتحررت خلال مدة قصيرة من فلولهم وهرب قادتهم إلى إيران. وكذا الحال في مدن العراق الأخرى. كما فشل ضجيجه وفتاوي مرجعيته الدينية والسياسية في إيران في عرقلة اصدار القوانين والاتفاقيات وآخرها الاتفاقية العراقية الأمريكية. ولذا فهم يتشبثون الآن بالقشة وبالقنادر وبالفتات لاستعراض عضلاتهم واسترجاع هيبتهم في أعين المواطن العراقي والعودة من جديد إلى دائرة العبث، ولكن هيهات.
- لقد بنى العديد ممن ينتابه هوس القندرة تلال من الأوهام الكارتونية في أن لا تعاد الحياة إلى العراق، وأن لا يستطيع العراقيون تضميد جراحهم وحل خلافاتهم. وتمنت هذه النفوس المريضة للعراق أن يدخل في دائرة الحروب الطائفية بهدف أن تتحقق أوهامهم الشريرة بخراب العراق. ولكن العراق بدأ يتنفس، وأبناؤه وبناته يشمرون عن ساعدهم للعيش المشترك وانجاز مهمة البناء، وهذا ما أرّق أصحاب النفوس المريضة في عالمنا العربي وأصحاب فتاوى الموت وراحوا يهللون لـ"انتصار" بائس حققته نفوسهم المريضة المتشبثة بالقنادر وليس بالعلم والمعرفة والتقدم الاقتصادي وضمان الحريات في بلداننا المنكوبة بالدكتاتورية. إنه الانهيار الأخلاقي بكل معانيه قد انعكس في هذه الموجة القندرية التي يروج لها اليائسون والمعقدون.

إن التنافس مع أمريكا أو الفوز عليها أيها السادة لا يتم بالقنادر بكل مقاساتها، بل يتم عبر بناء مجتمعات تحترم فيها الحريات والحقوق الديمقراطية، وتبنى فيها مراكز المعرفة وليس السجون وأقبية التعذيب، بلدان يزهو فيها العلم والمعرفة والثقافة والأدب من شعر ورواية ومن الفن بكل فروعه، مجتمعات تحترم فيها الآراء مهما تنوعت والأديان مهما تفرعت، مجتمعات يزال منها الاستبداد والتكفير المستشري في عالمنا العربي المنكوب، مجتمعات يطلق فيها سراح سجناء الرأي من المعتقلات العربية، والتوجه بجدية نحو بناء ديمقراطي لا يبقي فيها الحاكم طوال عمره بل ينتخب لفترة محددة، ولا يضطر المثقف أو العالم أو الدكتور للهجرة إلى الغرب "الكافر الذي توجه له القنادر" لتنمية مواهبه وخدمة شعوب أخرى، بناء مجتمعات ذات طاقة اقتصادية واجتماعية فاعلة. عندها نستطيع أن نملي شروطنا على الولايات المتحدة وننافسها بدون الحاجة إلى القنادر والمشاعر المبتذلة السوقية ولا التعاويذ ولا الفتاوى التي لا تجلب لنا إلاّ التخلف والسير عكس ما تسعى إليه شعوب العالم المتحضر. لا يا سادة يا كرام ...

القنادر وسيلة المفلسين واليائسين الذين فشلوا في تحقيق أحلامهم. فالقنادر لا تحل مشاكلنا، فلا تزرعوا الوهم لدى البسطاء وتدفعونهم إلى التشبث بالأوهام والقنادر لحل مشاكلهم. وربما أن هذه الطريقة هي أحد الوسائل المبتكرة لحرف الرأي العام عن مشكلات المواطن العربي الأساسية وعن سبل حلها والتغطية على الفساد والمفسدين.

17 كانون الأول 2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المقاله الذهبيه
AMJD ALIRAQI ( 2008 / 12 / 18 - 19:44 )
شكرا لك على واهذا التحليل المنطقي


2 - تماما ماذكرت
مازن البلداوي ( 2008 / 12 / 19 - 05:23 )
شكرا على التحليل الشامل المقتضب

اخر الافلام

.. علي... ابن لمغربي حارب مع الجيش الفرنسي وبقي في فيتنام


.. مجلة لكسبريس : -الجيش الفرنسي و سيناريوهات الحرب المحتملة-




.. قتيل في غارات إسرائيلية استهدفت بلدة في قضاء صيدا جنوبي لبنا


.. سرايا القدس قصفنا بقذائف الهاون جنود وآليات الاحتلال المتوغل




.. حركة حماس ترد على تصريحات عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-