الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليست نهاية الرأسمالية

سلامة كيلة

2008 / 12 / 19
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الردود التي تتناولها المقالات حول الأزمة الاقتصادية التي دخلتها الرأسمالية تنبع من نزق ما، حيث اندفع من يؤكد على أن الأزمة هي أزمة في الرأسمالية وليست أزمة الرأسمالية، وبالتالي فهي لا تعني موتها كما حدث مع انهيار الاشتراكية، أو هكذا يجري التخيل والاسترجاع. لم يقل أحد من الماركسيين أنها نهاية الرأسمالية، ولم يجرِ البحث انطلاقاً من هذه الفرضية، لكن هناك من سارع إلى التأكيد على أن الأزمة هي في الرأسمالية ليقول بأنها ليست نهاية الرأسمالية.
وأقول بأن الأزمة هي ليست نهاية الرأسمالية، لكن لا تناقش المسائل بهذه الطريقة "الدفاعية"، لأن الرأسمالية في أزمة، ولقد استدعت تدخل الدولة، وهو الأمر الذي شطب كل الأيديولوجيا التي جرى تعميمها طيلة العقدين السالفين، والتي كانت تصرّ على ضرورة إنهاء تدخل الدولة لأنها "خطيئة"، وهي من مثالب الاشتراكية. بمعنى أن كل الدعاية التي استند إليها الليبراليون الجدد أصبحت في خبر كان. وبالتالي فإن كل المنطق الذي برر الليبرالية الجديدة أصبح من الماضي. هل في ذلك شك؟ وهو الأمر الذي يعني أن كل تبرير للخصخصة وإنهاء دور الدولة كان خاطئاً، ومن ثم فإن كل السياسة الليبرالية الجديدة كانت خاطئة. وربما كانت الخشية من كل ذلك هي وراء الدفاع المسبق عن الرأسمالية.
لكن لماذا هذا التسارع للتأكيد على أن الأزمة لا تعني نهاية الرأسمالية قبل أن يعتقد أحد بذلك؟ أليس الخوف هو الدافع لهذا الدفاع المسبق؟
أقول بأن هذه الأزمة هي ليست نهاية الرأسمالية، ولن تقود إلى انهيارها. فالمسألة أعقد من أن ترى بهذه الطريقة الميكانيكية، التي كانت أساس وعي الحركة الشيوعية، ويبدو أنها لازالت أساس وعي الشيوعيين المتحولين إلى الليبرالية، الأمر الذي يدفعهم إلى المسارعة للتأكيد على أن هذه الأزمة هي ليست أزمة الرأسمالية بل هي أزمة في الرأسمالية، رغم أن الـ "في" هذه لا تعني شيئاً لأنها تشير إلى أزمة الرأسمالية في العمق. فهي أزمة في الرأسمالية، أي أزمة الرأسمالية. لكنها لا تقود هكذا إلى نهاية الرأسمالية، ويبدو أن المنطق الشيوعي القديم هو الذي مازال يحكم النظر، حيث كان القول بالانتقال إلى الاشتراكية يقتضي انتظار انهيار الرأسمالية. وهنا يسارع الليبرالي إلى "وقف التاريخ" بالقول أن هذه الأزمة لا تعني نهاية الرأسمالية، وبالتالي ليس من خشية من قدوم الاشتراكية.
وهذه الخشية هي التي تبرز النزق حين ملاحظة الزيادة الكبيرة في مبيع كتاب "رأس المال" وزيادة الاهتمام بماركس. ليستعاد ذهنياً ذلك النص من "البيان الشيوعي" الذي يشير إلى "شبح الشيوعية" الذي يحوم على العالم، وهو ما يبرز النزق، ويقود إلى المسارعة بالقول بأن الأزمة هي ليست نهاية الرأسمالية. بمعنى أن الرأسمالية لازالت مستمرة، في ميل لتطمين الذات، أكثر منه لتطمين الآخرين.
هنا يبرز الطابع الأيديولوجي المستحكم، الذي لا يريد أن يرى الواقع بل يريد أن تنتصر فكرة مسبقة هي تلك: الليبرالية الجديدة. وبالتالي سوف نقول بأن هذه الليبرالية باءت بالفشل، حيث لم يثبت السوق أنه قادر على "معالجة ذاته". ولم تقد الحرية المطلقة سوى إلى مراكمة المشكلات التي انفجرت مرة واحدة. ولا قاد "التخلص من الدولة" سوى إلى اليتم، وبالتالي الركض لكي يستعاد دورها في الآن الذي شعر الرأسمال أنه على شفير الهاوية. حيث أن الرأسمالية والدولة صنوان، لهذا دفعتها لخوض كل حروبها، وخصوصاً منذ سنة 1991، من أجل استقرار سيطرتها العالمية.
لكن من الضروري أن نلحظ الآثار التي سوف تخلفها هذه الأزمة. فهي أزمة كبيرة وعميقة في كل الأحوال، وإن كانت لن تفضي إلى نهاية الرأسمالية. والأهم من العودة لتدخل الدولة، الأمر الذي يعيد التأكيد على أنها أداة بيد الرأسمال يبعدها متى شاء، ويفرض دورها حينما يحتاجها. وبالتالي لا يجوز أن نبقى مصرّين على تكرار أنه يجب إنهاء دور الدولة في الاقتصاد. الأهم على الصعيد العملي هو أن الهيمنة المطلقة للولايات المتحدة سوف تتعرض للشك، الأمر الذي سوف يعيد "بناء" النظام العالمي وفق آليات أخرى، ربما ليس من هيمنة لطرف رأسمالي فيها. وهو الأمر الذي سوف يزيد من الصراعات بين الرأسماليات، وإن كانت لن تتخذ طابعاً عسكرياً كما كان في الماضي، بل أن الطابع العسكري سوف يستخدم في أطر إقليمية، لكن من أجل الكسب على حساب الآخرين. وهذا شكل من أشكال الصراع التي كانت قبل الحرب العالمية الثانية، دون أن يصل إلى ما كان يصل إليه، نتيجة تداخل الرأسمال، رغم أن الأزمة الراهنة يمكن أن تعيد الفرز، وبالتالي أن يضعف هذا التشابك، خصوصاً وأن الرأسماليات الأوروبية والروسية قد حمّلت "النمط الرأسمالي الأميركي" المسئولية عما حدث، وبالتالي باتت تشعر بضرورة إنهاء هيمنتها على "النظام المالي العالمي".
وهذا الأمر سوف يضعف من قدرات السيطرة الأميركية، وربما يزيد من مشكلاتها، التي ربما تدفعها لأن تستمر في اندفاعها نحو الحرب خشية الوصول إلى هذه النهاية. حيث أن انعكاس أي تراجع للهيمنة الأميركية على الوضع الداخلي الأميركي سوف يكون مؤلماً.
المسألة الأخرى التي يمكن أن تنتجها الأزمة هي توسع الإفقار في العالم، ومنها في البلدان الرأسمالية ذاتها، وهو الأمر الذي سوف يدفع إلى تصاعد الصراعات الاجتماعية، وتمرد مناطق واسعة في الأطراف. بمعنى أن الخلط الأيديولوجي الذي حاول تحويل الصراعات هذه إلى "صدام حضارات"، أو "حرب ضد الأصولية" قد انتهى لمصلحة صراعات طبقية صريحة. من هذه الزاوية يمكن رؤية الميل لقراءة ماركس، وهي زاوية تثير النزق بالطبع لدى قطاع كبير من الليبراليين، لأنها تشير إلى المجرى الذي يمكن أن يأخذه الصراع القادم، وحيث باتت "الروشيتة" الليبرالية دون صدقية. هذه الصراعات هي التي تطرح مصير الرأسمالية على بساط البحث.
إذن، إننا لا نشهد نهاية الرأسمالية استناداً إلى الأزمة العميقة الراهنة، بل سنشهد تصاعد الصراع ضدها، وهي في وضع مربك ومأزوم، وأيضاً وهي، وهي تحاول حل مشكلاتها، تغرق العالم في مشكلات أعوص.
وربما كان الأهم في هذه الأزمة هو الجانب المعنوي، حيث أنها سوف تمحي كل الآثار التي نشأت عن انهيار الاشتراكية، وربما تسمح بإعادة التفكير بكل المسائل المطروحة بمنطقية وعقلانية لم يسمح ذاك الانهيار بوجودها.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رجاء التركيييييييز.
غسان موسى ( 2008 / 12 / 18 - 21:27 )
لم أفهم شيء من كتابتك هذه . حاولت أن تتهم البعضبالإرادوية ووقعت فيها أرجوك إقرأ ماركس ولينين من جديد لأنك تخلط

عباس بدرباس أرجو المعذرة فلم استطع أن أكمل..

اخر الافلام

.. رولكس من الذهب.. ساعة جمال عبد الناصر في مزاد


.. Socialism 2024 rally




.. الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناصرين لغزة


.. مواطنون غاضبون يرشقون بالطين والحجارة ملك إسبانيا فيليب السا




.. زيادة ضريبية غير مسبوقة في موازنة حزب العمال تثير قلق البريط