الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجزرة المال السعودي!

نذير الماجد

2008 / 12 / 19
الادارة و الاقتصاد


في مشهد ديمقراطي جميل قلما حدث في العالم العربي مثلت الحكومة اللبنانية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة أمام مجلس النواب اللبناني لمناقشة ملفات عدة كالعلاقة مع سوريا وترسيم الحدود والمجلس الدستوري والهيئة العليا للإغاثة وغيرها من قضايا وملفات ساخنة في جو لا يقل سخونة.

في معرض النقاش الذي بث على الهواء مباشرة كانت مداخلة أحد النواب من كتلة الوفاء للمقاومة تحمل دلالات وإيحاءات سياسية بالغة، حيث تساءل حول مصير المنحة التي قدمتها مشكورةً المملكة العربية السعودية للبنان بعد حرب تموز، فإذا كان – ومضمون الكلام للنائب نفسه- البعض يلح ضمن دفاعه عن السعودية على ذكر هذه الأفضال الكبيرة التي لم تنفك السعودية تقدمها للبنان وهو ما يؤكد مراعاة العلاقة الحيوية التي تربط لبنان بالحكومة السعودية، فأين هي تلك الأموال؟ وهل تبخرت أم ابتلعتها فرامة الفساد المعروفة في لبنان؟!

السعودية كما هو معروف إحدى الدول المانحة لمساعدة لبنان في مواجهة آثار حرب تموز عام 2006، ولأنها كذلك فإنها لم تتوقف عن تقديم المنح والودائع المالية والمساعدات قبل وبعد العدوان الإسرائيلي، إضافة إلى تبرعها لإعادة اعمار نهر البارد، هذا فضلا عن الهبات المخصصة لقطاعات مختلفة كالهبة المالية التي خصصتها لوزارة التربية في سبتمبر العام الجاري بقيمة 44 مليون دولار والتي ستخصص وفقا لرئيس الوزراء فؤاد السنيورة لدعم المدارس ولإعفاء الطلاب اللبنانيين في مراحل التعليم التأسيسي والثانوي من رسوم التسجيل في المدارس الحكومية وتقديم الكتب لتلاميذ المراحل الابتدائية والمتوسطة وغير ذلك من هبات ومساعدات مالية جعلت السنيورة يؤكد على اعتبار المملكة داعم أساسي لاقتصاد لبنان، وحسب السنيورة نفسه وصل مجموع المبالغ التي قدمتها السعودية في العامين الأخيرين إلى ما يقارب 3 مليار دولار.

لن أتحدث هنا عن الدوافع السياسية لهذه المنح التي تُفسر أحيانا ضمن إرادة سعودية للضغط على توجه الناخب اللبناني أو باستجداء و تسول أطراف حليفة، وربما كانت الهبة المخصصة لوزارة التربية تأتي في هذا السياق، ولن أدخل في متاهات الواقع اللبناني الداخلي الذي يستدعي بحق مساعدة الأشقاء العرب والمسلمين قبل غيرهم، فما من شك أن لبنان يستحق هذه المساعدة كما تستحقها الدول المنكوبة المنتشرة في العالم العربي، ولكن ما يستدعي التأمل هو حجم المنح والهبات التي تقدمها السعودية بسخاء واضح لهذه الدولة أو تلك، وليس مدعاة للدهشة كون السعودية تتصدر الدول التي تقدم المساعدات والهبات إلى لبنان وهذا ما قاله النائب فضل الله مؤكدا التفوق السعودي الواضح الذي لا ينكره أحد، والمضحك هنا أن نفس هذه الهبات لم تسلم حتى هذه اللحظة لمستحقيها من المنكوبين في جنوب لبنان بحسب النائب فضل الله والنائب خليل ورئيس مجلس النواب نبيه بري!

إنه كرم وسخاء حاتمي جعل المال السعودي يتسرب هنا وهناك في منح وودائع لهذه الدولة أو تلك، وطبعا دون رقابة أو مسائلة: وحدات سكنية لليمن ومنحة مالية قيمتها مليار دولار لدفع عملية التنمية. إهداء عبارتين بقيمة 2 بليون دولار للشقيقة مصر في زيارة قام بها حسني مبارك أرادت الحكومة من خلالها إثبات حسن الضيافة بهذه الأعطيات ذات الأرقام الفلكية. منحة مالية بقيمة 500 مليون دولار للمملكة المغربية لمساعدتها في التخفيف من أعباء ارتفاع أسعار النفط ضمن مسلسل ممتد من المنح المالية أو الهبات التي تأتي على شكل مواد استهلاكية أو نفطية لمساندة الأشقاء في المغرب الجميل. التبرع بوحدات سكنية عددها 370 ألف وحدة للملكة الأردنية الشقيقة، مساعدات مالية لدول عديدة في القارة الأفريقية. ناهيك عن التبرعات التي لا يستطيع فك لغزها إلا الشيطان كتلك التي خصصت لحديقة حيوان في لندن أو تلك التي تقدم لدول غنية كاستراليا وغيرها من هبات تشكل قائمة لا تنتهي!

إن هذه المساعدات والتبرعات لا تخلو من دوافع مبررة ومقبولة لو كانت أوضاع المواطن السعودي أفضل مما هي عليه، ولكن المؤسف أن هذا الضخ والسخاء الذي يلوح لكل حريص على مقدرات هذا الوطن وخيراته وأمواله أن يصفه دون تردد بالتسريبات المالية التي تستنزف الثروة الوطنية، المؤسف أن يترافق كل ذلك مع بؤس واضح جدا في مستوى الحياة الاقتصادية للإنسان السعودي. فلازال الفقر ينخر في جسد المجتمع السعودي والحاجة والفاقة بادية على ملامح المواطن السعودي في مجالات عدة، ولازالت نسبة كبيرة من المواطنين ليس بإمكانها أن تمتلك منزلا، وفي الجملة فإن مؤشرات وملامح الفقر والتأخر في مستوى المعيشة لم تتحسن بعد، كل ذلك ونحن نشهد هذه المجزرة للمال السعودي، ألا يدعو ذلك للسؤال عن مدى وجود تخطيط وإدارة اقتصادية ناضجة وحكيمة ومسؤولة في السعودية؟ يا ترى كيف سيحتمل المواطن السعودي هذه الظروف المعيشية البائسة والتعيسة وهو يجد ثرواته تتسرب للخارج بهذا الشكل الموغل في العشوائية؟

السعودية تمتلك ثروة ضخمة لكنها على ما يبدو ستضيع هباء منثورا نتيجة هذا التبذير في ضخ المال للخارج لغايات ليس أقلها تعزيز النفوذ السعودي في المنطقة والعالم وضمان مكانة لائقة إقليميا ودوليا يؤهلها للعب دور قيادي، ولكن مادامت هنالك ثغرات لم تردم بعد في تأمين الحاجات الأساسية للمواطن كتأمين السكن وغيره، ومادامت هنالك مطامح اقتصادية ومعيشية لم تستوعب بعد فإن هذا السخاء الحاتمي لا يعدو أن يكون تبذيرا يعكس غياب أي تخطيط استراتيجي أو مبادرة جادة لتحسين أوضاع المواطنين. خاصة وأننا نجد الدول الخليجية الأخرى قد تقدمت خطوات بعيدة وحاسمة في مجال التنمية والرفاه الاقتصادي.

ولعل الذاكرة لازلت تحتفظ بتلك المناقشات الحامية حول رفع الرواتب في القطاع الحكومي، إذ كان يقال حينها أن أي زيادة رفيعة للرواتب سوف تكلف الموزانة عبئا اقتصاديا سيعرقل خطط التنمية! وربما أمكن للمواطن الذي يسمع عن زيادات في الرواتب في الدول الشقيقة أن يبتلع هذه الحجة فيما لو لم يسمع عن هذا التبذير في ضخ الأموال وتسريبها للخارج في منح وهبات وأعطيات وصفقات تسلح لا يدري ما الجدوى منها، فهل كانت هذه السياسة المالية يا ترى لا تلحق أي أذى أو أي ضرر بالثروة الوطنية؟!

هذا السؤال المرير يقودني أيضا لسؤال لا يقل مرارة حول ما يتردد هنا أو هناك عن فرضية مفادها التورط السعودي في دعم وترويج التزمت الديني حول العالم، هذا الترويج لما بات يعرف "بالإسلام النفطي" لا يعدو أن يكون هو الآخر تضييعا للمال السعودي، والأدهى من ذلك أن هذا النوع من الضخ المالي لم يحدث سوى تشويه صورة البلاد حتى أصبح كل تزمت أو تطرف أو انتشار سلفي يستدعي بالضرورة توجيه الاتهام للمال النفطي وكأننا أمام حالة شبيهة بتلك التي تتطلب تدبيرا خاصا هو الحجر على المال ومنعه عمن لا يحسن التصرف فيه!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر في المرتبة الثالثة اقتصاديا بأفريقيا.. هل التصنيف يع


.. ما تداعيات قرار وزارة التجارة التركية إيقاف جميع الصادرات وا




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 3-5-2024 بالصاغة


.. بلومبرغ: تركيا تعلق التبادل التجاري مع إسرائيل




.. أبو راقية حقق الذهبية.. وحش مصر اللي حدد مصير المنتخب ?? قده