الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية حذاء

عبدو أبو يامن

2008 / 12 / 20
كتابات ساخرة


كان يا ما كان.. في قديم الزمان وسالف العصر والأوان.. حين كان للأشياء روح وإحساس وجنان، ومنطق ولسان.. وكان الحيوان والإنسان صديقين، وكان الثعلب والحمامة أليفين، والأسد والغزال رفيقين ‘ وكانت الطبيعة مفتوحة اليدين وضاءة الجبين مدرارة الثديين.. حين كانت الأشجار تتألم وتئن، وحين كانت الأزهار تتأرجح وتدندن، وتتراقص وتغني.. وكانت الغيوم تصافح الرياض والغياض، وكان البرق ينير الجبال والوهاد، وكان الرعد يدوي ويصرخ في كل واد.. مناديا على العفاة والمحرومين، باحثا عن الجوعى والمعدومين.. ألا هل من مستسق فأسقيه، ألا هل من عار فأكسيه، ألا هل من متشرد فآويه؟؟
في ذلك الزمن البعيد كانتا هناك فردتا حذاء تعيشان في سلام ووئام، كانتا متآلفتين متحابتين، وكانتا متقاربتين متفاهمتين.. الزاد وفير والماء نمير، الأمان عنوان الحال، والحب لسان المقال.. رضيتا بالمكتوب، وراضتا نفسيهما على المقدور.. قنعتا في حياتهما بالدون، وحملتا نفسيهما على الخضوع. فالدنيا مقامات والحياة درجات وكل ما هو آت آت!! لا أحلام ولا آمال، ولا أماني ولا أمنيات؛ فالكل يجد القوت، والكل تدبر أمر المبيت، والكل وجد الدفء وأمن البيات.. القناعة حاكمة والرضا سلطان، والتعفف سائد وعش ودع غيرك يعيش كان عنوان!
وكلهم في ذلك سواء البقة والصرصور، والنملة والدبور، والكبش واليعفور، والحذاء والطنبور!!
قالتا ذات يوم لبعضهما: إنما نحن فردتا حذاء، وجه الأرض لنا وطاء، وقدم الآدمي لنا غطاء فما لنا والطموح، وما شأننا والجموح، فالكل لائح والكل يلوح، والكل ظل زائل سوف يروح؟!!
يكفينا من حياتنا العناية والرعاية، والحفاظ والصيانة.. إذا تمزقنا نخاط ونشد، وإذا تهتكنا نخرز ونعد، وإذا بلينا نرتق ونجدد.. وحين نتعفر نغسل، وحين نبهت نصقل.. نعرض في أفخم الدور، ويفاخر بنا الألمعي والممرور.. أثماننا غالية وجدودنا عالية، وحقوقنا واصلة!!
ودار دولاب الدهر، وكر الزمن وفر، واستطال ظل الشمس واستبطر، ولمع نور القمر وبهر.. سنون وسنون طحنت البشر والبهائم والشجر، والحشرات والكائنات وأشياء أخر..
ناموس طويل عاشت في ظله الكائنات مئات السنين، جاء الغزاة والطامعون، من كل مكان وفي كل زمان حاولوا تغييره ولكن هيهات.. فالطاعة هنا كانت فضيلة والتمرد عنوانا للرذيلة..
حتى أطل علينا من خلف الأقيانوس العظيم، و انقض علينا من فروج السماوات الكبيرة كذاب أشر، يحمل في جعبته الخطر، عتل زنيم، معتد أثيم، لا يعرف حلالا ولا حراما، ولا يرعى إلا ولا ذمة.. دينه هواه، والمال ( يهواه!! ) ..
جاءنا بوعود وعهود، ومواثيق وبنود.. عهد الطاعة ولى، وزمن الخضوع تقضى، فلا سيد ولا مسود ولا عبد ولا معبود، أنا المسيح المنتظر، أنا السيد خطر، جئتكم لأخلصكم من ذل العبودية، جئتكم لأرفع عنكم الأغلال التي أثقلت كاهلكم، جئتكم لأعلمكم معنى العزة والكرامة، ومعنى المساواة والعدالة، وكيف تكون الديمقراطية، وكيف هو طعم الحرية على الطريقة الأمريكية!!
فترددنا بادئ ذي بدء؛ فالناموس كان له سلطانه على العقول والنفوس، ووطأة الزمن ووقعه كان لهما تأثيرهما على التطور والتغيير..
ولكننا بفعل الإعلام والدعاية وفي ظل دفء القطيع وشجاعة المجموع اندفعنا مع التيار فتناولنا كل الأصنام والأوثان التي ظلت تعبد منذ الآلاف السنين، وأسقطناها ودسناها وصفعناها وركلناها..
( صفعتها بين عينيها وعلى جبهتها وشفتيها ) قالت فردة الحذاء اليمنى.
فردت عليها الفردة اليسرى : أوتظنينني قصرت في حقها حين تقولين هذا الكلام؟ إنك واهمة فقد جمعت لها كل حذاء على أرضنا مهما عظم شأنه أو صغر وانهلنا عليها بكل قوانا، حتى تمزقت بعض شسعنا وحفيت بعض كعوبنا!!
فأجابتها الفردة اليمنى : ما كان أغناك عن كل هذا العناء؛ أما تعلمين أن وجودك وحدك أو وجودي كان يغني كل الغناء، أم تراك نسيت أننا نكفي عن كل أبناء جنسنا، فكيف بنا وقد حضرتا كلتانا هذا العرس الفريد؟؟!!
حتى إذا انجلى الغبار، وتبخر السكر وطار، وعاودت العقول الأفكار، عرف الناس أن من كان تحتهم ليس فرسا وإنما هو حمار!!
حمار أرعن بليد، مشاكس عنيد أتعب العالمين والناس أجمعين، بصواريخه وأساطيله وطائراته وقاذفاته، فملأ الأرض دما وأشلاء، وزرع البلد بغضا وشحناء.. وسلط علينا كل حمير الدنيا وجحاشها وأتنها، فداست على الزرع وأتلفت الضرع.. حمير هائمة متشردة تمردت على سلطة كل عصا وخرجت عن إرادة كل سائس..
حمير جائعة مهما علفتها لا تشبع، ومهما قدمت لها من الشعير والدريس والتبن لا تشبع.. جوعها أبدي وشرهها سرمدي‘ آلامها فطرية وشراهتها طبيعية.. همها الوحيد أن تأكل وعملها الوحيد أن تنهب حتى لو مات كل من حولها جوعا!! معنى الحياة الوحيد عندها هي العلف، وغاية الوجود لديها الشبع، ولكن أنى لها الشبع؟؟

حتى إذا كان ذات يوم وقد ضجت الخلائق والأحياء، وتعفر وجه الأرض بالدماء، وملئت جنباتها بالجثث والأشلاء، وكان الأسى والحزن عنوان السماء، وتمردت على طبائعها الأشياء، وخرجت عن صمتها وسكينتها الأشياء.. خرجت حذاء بل فردتا حذاء ، فصكت وجه عدو للسماء، عدو للأطفال والشيوخ والنساء، للأرامل والثكالى والسجناء، فهل نلوم الحذاء أم صاحب الحذاء؟!
إن الحذاء تعلن مسؤوليتها عن الفعل فكيف نلوم صاحبها؟!
إن الحذاء محرم عليها دخول المؤتمرات والاجتماعات وهذا دليل آخر؛ فهل نلوم صاحب الحذاء؟!
إن زبانية النظام قد قطعوها إربا بحثا عن الغبار الأثيري الذي تحمله والذي فعل كل هذه الضجة فهل نلوم صاحب الحذاء؟!
إن الحذاء فجرت العالم كله وزلزلت أركانه الأربعة فهل نلوم صاحب الحذاء؟!
إن بعض الأغنياء قد دفعوا فيها الملايين فهل بقي عندنا شك في مسؤوليتها حتى نلوم صاحب الحذاء؟!
سيفنى صاحبها وستبقى الحذاء..
( لوموني ولا تلوموا صاحبي ) هذا ما تقوله الحذاء.
فهل نلوم صاحب الحذاء؟!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الصحفي القندرة
صحفي عراقي ( 2008 / 12 / 20 - 18:56 )
شكرا للسيد جورج بوش الف شكر...على تحريره العراق من دكتاتورية البعث القندرة الذي هو مصنع منتظر وامثاله من القنادر

اخر الافلام

.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-


.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت




.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً


.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو




.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس