الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رصاصة جوالة...

عبده جميل اللهبي

2008 / 12 / 21
الادب والفن


أبداء صعود الجبل من أطراف المدينة.. الخوف يتجوف في أعماقي .. تلقيت تهديداً بالقتل ..
أدير بصري على الأرض .. فتخفت الأصوات وتتباعد المسافات بين الأمكنة والأزمنة.. تزداد كثافة الأشجار .ويتغير طعم الهواء ولون الضوء.. وتنتشر شمس الميتين على سماء المدينة..لتتلاعب بالظلال والأطياف..
الطريق أمامي طويل ..ولا يكشف إلا عن منحنيات ومتاهات لاعداد لها. تلف في أعطافها قامات متسامقة من الأشجار التي تمتد لتعانق السماء.وأخرى اقتربت من الأرض لتلف بسيقانها الأحجار والرمال وتغطي بأوراقها أشباحاً أدمية تنتهز الفرصة لتفتك بي.. تتلصص عليَ وترمقني بنظراتها على كل حركة وسكنه. كل خطوة في طريق الصعود محسوبة ومرصودة.
لايكتمل الصعود إلى الجبل بدون نداء داخلي تصحبه أنات وحشرجات متقطعة. خطوات الارتقاء من مستوى أدنى إلى مستوى أعلى لحظات تشاب بالعناء والتحدي . تمتزج بقسوة الأرض. وتتطلب طاقة جسدية، واستنفارا ذهنياً، قلما يلجاء إليه الإنسان.. شعرت حينها بنوع من الخوف.. فوجدت أنفاسي قد انتظمت في إيقاع متتابع.. وإذا بطريق الصعود قد انفتحت أمامي، فأنطلق عقلي يعبث بحيوية مطلقة جعلتني أستغني بذاتي عن ذاتي. عن كل العلاقات والمشاعر والمواقف التي تربطني بالآخرين، وولدت لدي شعور بالعزلة والتجرد..
وحدي بالمنعطفات أرتقي الطريق صعوداً إلى رأس الجبل. أقاوم ضراوة التعرجات المفاجأة التي تنتابني بين حين وأخر. كنت أتوكأ على الصخور المنغرسة في أعماق الأرض تارة .. وتارة أخرى أتوكأ على ركبتي..
كانت المدينة تشعرني باليأس والانهزام وهي ساكنة كعلبة سجائر فارغة، مرمية على قارعة الطريق.
في مراحل الصعود المتقدمة .. زاد شعوري بالخوف. وبدأ قلبي يخفق بقوة.. شعرت بأن خلفي شخوص مثل الرسوم المتحركة تطارطني.. أدرت وجهي للخلف وتوقفت.. بحلقت بين الصخور والأشجار فلم أرى شيئا.
تابعت السير وأنا أتحسس خلفي، ومع كل خطوة يعصف بي الخيال إلى أن هناك أنفاس تلاحقني، تحاول الإطاحة بي، وجوه أشباح تتعقبني، تختفي بين الأشجار وتمشي على أطراف الطريق..
حاولت أن أتماسك وان أكون صلباً في وجه أعتا الرياح.. ومضيت في طريقي دون أن التفت إلى الخلف، بدأت اسمع خطوات مذقة وسير أقدام صلفة تتبعني فلم ألتفت، شعرت أن احدهم قال: أقتله..
لم ألتفت أو أعبه.. فقد علمتني الحياة كيف أقاوم، كيف أحطم الصعاب بالصبر والتريث، علمتني أن الحرية لاينالها الخائفين و المتوجسين .. تابعت السير دون خوف، وفجأة سمعت صدى طلق ناري.. لم أعبه وواصلت السير.. فجأة أحسست أن شيء ما في ظهري.. رفعت يدي بهدوء تام وبدأت أتحسسه فشعرت بألم في وسطه، كنت ماشيا فتوقفت، أرجعت يدي بحركة بطيئة فرأيتها ملطخة بالدم..
غزا الخوف كل مفاصل جسدي.. شعرت بأن الموت يخترق ظهري.. بدأت أتمايل كسير خرج للتو من الحانة.. تقيأت سياج من الدم.. وارتميت على الأرض..وبقي ظهري يعانق السماء.. بحلقت في ماحولي فلم أرى شيء.. عيناي لايستجيبان لي ، رأيت المناضر تتراقص فيهما والغبش يحتلهما..
انهرت تماما.. فعرفت أنني ميت لا محالة.. رصاصة جوالة انغرست في ظهري ..وبددت دمي في كل اتجاه..شعرت أن السماء تحتضني فأغمضت عيني لأنام قرير العين..
دارت في ذهني حينها بعض التساؤلات..عن سبب لجوئي إلى دراسة الفلسفة، ولماذا اخترت نيتشه التهكمي وديوجانس الذي ظل يعيش داخل برميل.. لو أنني اخترت نوعا من العلوم أو الرياضيات بدلا من هذه المادة اللعينة..التي تجلب الشؤم في يوم أسود..
اندفعت قليلاً.. أفقت من هذا الخيال اللعين.. وتركت وساوسي ومخافاتي النتنة وواصلت السير في تلك المنعطفات ..كنت وحدي..يلفني الصمت والسكون من كل اتجاه ..أوشك الليل أن يرخي سدوله. وبقيت شعاعات من شمس غاربة تسابق عتمة الغروب. رفعت نظراتي فوجدتني على مقربة من القمة.. حينها أسرعت بكل قواي الذهنية للوصول..وأنا غارق في قامات من الصمت الطويل.. رأيت صخرة مستديرة في القمة . يلتقط السائر عندها أنفاسه. اتجهت صوبها بكل حواسي وجلست عليها أتأمل دخول الليل وأستنشق نسائم الغروب..
ساعتها تخيل لي أنني أستمع إلى همهمات غامضة وبعيدة، تتسلل إلى كياني تعبر كل حواسي، بل ربما عبر نوع من الحدس الخفي..حينها فقط أدركت أن احدهم خلفي ويحاول الإمساك بي..
فأعطيت ساقاي للريح .. مهرولاً بالنزول ً والخوف قد عاد لي من جديد، فمنحت قلمي إشارة التوقف عن الكتابة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط