الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصداف ولآليء – 9 – ( أساطير الأولين - 3 - )

عبدو أبو يامن

2008 / 12 / 21
الادب والفن


3 – قال الحكيم : يقول المعلم : يستطيع مدرب الحيوانات في السيرك أن يسيطر على الفيلة بخدعة بسيطة. عندما يكون الحيوان صغيرا يربط إحدى رجليه في جذع شجرة، ومهما حاول الفيل الصغير التخلص من القيد فهو لا يستطيع. وشيئا فشيئا يعتاد فكرة أن جذع الشجرة أقوى منه. وعندما يكبر ويصبح شديد القوة ما عليك سوى أن تربط خيطا رفيعا حول رجله وتربطه بشجيرة صغيرة. لن يحاول أبدا أن يخلص نفسه. أرجلنا كما الحال مع الفيلة مربوطة بقيود واهية. ولكن حيث إننا قد اعتدنا منذ الطفولة على قوة جذع الشجرة‘ فنحن لا نجرؤ على المقاومة. نحن لا ندرك أن عملا شجاعا بسيطا هو كل المطلوب لكي نحقق حريتنا. ( مكتوب، مرجع سابق ).
فلكل إنسان- كائنا من كان – مخاوفه وأوهامه التي نشأ عليها أو نشئ ( بضم النون وتشديد الشين ) وتطبع عليها أو طبع، تعمل هناك بعيدا بعيدا في أغوار عقله الباطن، حتى أصبحت عنده عادة ثابتة، وأضحت لديه طبيعة ثانية.. بل أكثر من ذلك تضحي إحدى سماته الشخصية والتي يجاهد في سبيل الخلاص منها، فقد يفلح في ذلك وقد لا يفلح؛ لسبب بسيط هو أنها غرست في إبان الغراس حين يكون الإنسان تربة خصبة مهيأة للزرع وعجينة لينة طيعة التشكيل ، والعلم في الصغر كالنقش على الحجر كما يقول المثل.
ولو استعرضنا إجمالا العبارات والكلمات التي يوجهها الكبار للصغار لألفيناها قنابل وذخائر ومتفجرات من التثبيط والتحطيم وانعدام الثقة وتحقير الذات والكسر والقمع والتسلط والتقزيم؛ فأنت غبي وفاشل وغير فالح ولا تنفع ولا خير فيك وتيس وحمار وثور وعاجز وغير قادر عبارات ارتضعناها مع حليب أمهاتنا، حتى أصبحت هي زادنا وشرابنا ، فيشب الصغير وليس في ذهنه إلا شيء واحد أنه عديم النفع أينما توجهه لا يأتي بخير، فيرضى لنفسه بما رضي به له أبواه ويحكم على نفسه بما حكم به أبواه؛ أليس أبواه هما الأحكم والأعقل والأدرى ببواطن الأمور وحقائق الأشياء..
والمحزن في الأمر أن العقل الباطن أعمى يقبل كل ما يلقى فيه وساذج يصدق كل يقال له. فإذا همست في نفسك أمام موقف عصيب بأنك لا تستطيع التصرف حياله فلن تتصرف حياله ولن تستطيع ، وإذا تخيلت نفسك غبيا فهو سيأخذ الأمر بعين الجد ويحكم عليك بما حكمت به على نفسك وهكذا...
ومع مرور الأيام واستحكام العادة التي استحالت طبيعة ثانية وثابتة تنشأ هذه المخاوف والأوهام والعقد والقيود الواهية التي تقيد حركتنا وتشل إرادتنا.. حواجز نفسية وموانع اصطناعية لا أساس لها إلا الوهم والفوبيا ( الخوف المرضي ) والجهل.
ولكن دون إزالتها وهدمها وزحزحتها والتخلص من تأثيراتها الجهد الجهيد والعمل المضني؛ فهي مستحكمة ثابتة راسخة كأطواد الجبال : فأولا هناك فعل الزمن والسنين وما تفعله مرور الأيام وكرور الليالي، وثانيا تحكم العادة واستبداد الطبع، وثالثا خفاء الأمور النفسية واستسرارها مما يصعب التعامل معها والتعرف على أعراضها فضلا عن علاجها والانعتاق من إسارها؛ وأخيرا عناد الإنسان ومكابرته إزاء عيوبه وعقده ونواقصه في أحضان مجتمعات عربية ما زالت تنظر إلى العيوب والنواقص والاضطرابات النفسية نظرة دونية تنقصية ، وما زالت تنظر إلى أصحابها نظرة الشفقة والرثاء والتي لا تخلو على كل حال من الترفع والتكبر والاشمئزاز.
والسؤال الآن هو : من المسؤول عن كل هذه المآسي، هل هو جهل الوالدين، أو سذاجة الطفل أو جهل المجتمع، أو خطأ التربية أو استبداد الوراثة ؟
أم أن لكل منهم نصيبه المفروض من التبعة وإن كانت الأنصبة تختلف؟
أما الطفل فبأي ذنب نجني عليه أو نحمله الجناية وهو العاجز الضعيف عديم الحول والقوة ؟
فلنقي بالتبعة إذن على باقي المسؤولين فعليهم وحدهم تقع التبعة، وعلى يديهم مجتمعين سفكت دماء بريئة وأزهقت روح طاهرة هي روح الطفولة والبراءة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة