الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعث العراق سلطة صدَّام قياماً وحُطاماً كتابٌ للقراءة .. مرتين

إبراهيم المصري

2004 / 3 / 10
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


كتاب حازم صاغية ( بعث العراق .. سلطة صدَّام قياماً وحُطاماً ) يستحق القراءة مرتين .. الأولى سوف تتبع الكاتب بأنفاسك وهو يروي قصة البعث وصدَّام بلغةٍ مُبرأة من الرتابة التي تشوب سرد التاريخ عموما والتي تشوب الكتابة العربية بشكل خاص حينما تكون إنشاءً تاريخياً أو سياسياً .
حازم صاغية يعمل في كتابه كراوٍ متيقظ إلى حواس سامعيه فلا يفرط في حاسة واحدة حتى أنك في بعض المقاطع تكاد تلمس الدم الذي أساله صدَّام لمساً :
( وفي مسرحية دموية باتت شهيرة ، قتلَ بيده وزيرَ صحته رياض إبراهيم أحمد أو أجبره بحسب رواية أخرى ، على الانتحار ، لأنه تجرأ على مطالبته بالتنحي مادام تنحيِّه يوقف الحرب ، وبغض النظر عما إذا كان إبراهيم قد انتحر أو قتل بمسدس صدَّام ، فالثابت أنه لفظ أنفاسه في اجتماع لمجلس الوزراء ) / ص 154
إن شرط كل كتابة سردية يكمن في المعرفة والمتعة وحازم صاغية يقدم الإثنين عبر سيرة هذا الرجل الذي أخرجه الأمريكيون من مخبأه مُعطل الحواس بعد أن عطل حياة الملايين بقتلهم أو بتصحير بلدهم أرضاً ونفوساً .
القراءة الثانية لكتاب حازم سوف تكون لرؤية صورتنا في هذا المشهد الرهيب الذي بدأ بانبثاق حزب البعث في العراق وانتهى كما نعلم بحرب تقويض البعث ونظامه الذي كان يتربع صدَّام حسين على عرشه الذي من جماجم .
يقول حازم صاغية :
( إنَّ العراق أبعد من العراق في أسئلته وتحدياته كما انطوت عليها قصة البعث .. قصتنا جميعا بمعنى من المعاني ) / ص 12
وكل عربي يسعفه الحظ بالإفلات من قبضة الشعارات سوف يرى هذه القصة مكررة بمسمياتٍ ووقائع بنيتها الأساسية واحدة وإنْ اختلفت في درجات قمعها للإنسان ، من إبقائه حيَّاً وعاطلا عن الأمل أو قتله في مقبرة جماعية كما فعل نظام صدَّام حسين .
وفي هذا يقول حازم صاغية :
( وإذا جاز لنا أن نستخلص ( عِبراً ) من هذه الوجهة قلنا إنَّ العبرة الأولى تطال العبث والمجانية الـَّذين وسما شطراً مهماً من تاريخنا السياسي المعاصر ، فما ابتدأ ثرثرة شبان يافعين عن التغيير والوحدة العربية وفلسطين ( والرسالة الخالدة ) انتهى كارثة مدوية تنوء بثقلها الطاغي على ملايين البشر ) / ص 11
وثورات العرب على اختلافها القومية منها والعسكرية ابتدأت كثرثرة شبان يافعين وانتهت إلى مآسٍ يصعب الإفلات منها إلا بكاسحة ألغام تطهر الألغام التي زرعتها الثورات وحكوماتها في كل تفصيل من حياتنا ، حتى أصبحنا غير قادرين على التعامل مع عالم مختلف إلا بتحميله كل مصائبنا كما في مثال ( المؤامرة ) الشهير الذي يحيل خلاف زوج مع زوجته على الولايات المتحدة وإسرائيل .
يعمل كتاب حازم صاغية في التفكيك والتركيب إن كان لنا أن نستعير هذه المصطلحات ، ولكن باتجاه آخر ، فما أن يبدأ الكاتب في تفكيك قصة البعث وصدَّام بالسرد حتى يتركب مشهد يصعب على أي ضمير حي تجاهله .. إنه ببساطة مشهد خراب كامل وفي نهاية المطاف يقول حازم مختتماً كتابه ( أتيحت للموت يد طولى وثقيلة لا تزال تستولي على الأفق وتنشر رائحة العفن ) / ص 250
وإنَّ الموت لا يعني القتل فقط ولكن يعني أيضاً تعطيل حياة الشعوب في قسوة لا متناهية وممتدة في الزمن وذلك على شكل أحزابٍ منعدمة البصر والبصيرة وفي شعارات وفي أحذية عسكرية ، فيما العفن يمتد ويمتد ليطال الملايين الذين يجدون في صدَّام بطلا أو في أسامة بن لادن مجاهداً .. والأهم أننا أصبحنا من الرثاثة بحيث لا نجيد غير رقصة الدم التي تنفي العقل والتحضر بعيدا عن المستقبل الذي هو حق للجميع وليس حكرا على طاغية هنا أو زعيم هناك فيما الصف الثاني من نسل وأتباع ومقربين يتهيأ للقبض على رقابنا لنصفِ قرن آخر .
كتاب حازم صاغية من هذه الناحية ( إنذار مبكر ) بأن ( قداسة الرئيس ) لا يعني في النهاية سوى الخراب الشامل .
يتكون الكتاب من مقدمة وسبعة عشر فصلا تبدأ بالبذور الأولى للبعث في العراق مرورا بشعبيته التي لم تتعد عشرات الأشخاص كانوا قادرين رغم فقدانهم لأي قاعدة جماهيرية على أن يستولوا على السلطة بالتحالف مع الجيش ( ومن غيره ) ، ثم الصراع بين جناحي البعث في سوريا والعراق حيث اللطمات الدموية المتبادلة في الصراع على شرعية التأسيس والقيادة العروبية ، مروراً بصراع البعث مع الشيوعين أصحاب النظرية الأكثر تماسكاً وثراءً من مكتبة البعث الفقيرة البائسة ، مروراً بقضية فلسطين تلك التي لم تكن أكثر من حذاء لبسه كل قادر على وضع قدمه القاسية على رقبة شعبه أو على رقبة نظام آخر ، مروراً بقصة صدام والبعث مع إيران والأكراد وخوض حربين ضد إيران والكويت ، مرورا بقصة البعث وصدَّام مع شعية الجنوب ، مروراً بصورة صدَّام نفسه الذي وصفه حازم صاغية بشخص يتفاقم عـُظامه إلى درجة أن يكون صدَّام في ناحية وفي الناحية الاخرى صفر مُطلق , والنتيجة يقول حازم :
( إن الأمر كله كناية عن آلة تفاهة محضة لكنها مع هذا تطحن دماً كثيراً ) ص 119 وهي عبارة نافذة ومُلخصة ليس لآلة البعث فقط ولكن لألات كثيرة عملت في حياتنا ولا زالت بطحن دماءٍ ومستقبل .
سوف يجد محبو صدَّام والبعث من كل نوع في كتاب حازم صاغية آلة شريرة تهدم صورة بطلهم التي بدأت تتداعى عقب حرب تحرير الكويت في انتكاس من خطاب القومية والبعث إلى الخطاب الديني إلى الخطاب العشائري ، وفيما يقف صدَّام مثل خفاش أسود بحجم الأفق ، تتراءى أرض العراق تحته خراباً هائلاً ، وهذه هي الحقيقة التي ينكرها من يرون في نظام صدَّام حسين ـ نظام المقابر الجماعية ، حارساً للبوابة الشرقية مرة ومدافعاً عن عروبة شوفينية وعنصرية مرة أخرى وإن لم يتخط دفاعه رأس اللص الذي يخطف كل فكرة من أجل فكرته هو بالذات والتي هي في الأساس كرسي السلطة .
أما الذين يرفهون عن أنفسهم بالحزن ويحاولون نزع أقدامهم وعقولهم من طين دموي فسوف يجدون في كتاب حازم صاغية أملا في أن الحقيقة وإن لم تكن بكامل تفاصيلها يمكن أن نقرأها على الأقل بين غلافي كتاب .
شكرا لك .. حازم صاغية .

إبراهيم المصري
شاعر وصحفي
[email protected]

بعث العراق
سلطة صدَّام قياماً وحطاماً
دار الساقي
الطبعة الأولى 2003








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بيسان إسماعيل ومحمود ماهر.. تفاصيل وأسرار قصة حبهما وبكاء مف


.. إسرائيل تتوغل في جباليا شمالا.. وتوسع هجماتها في رفح جنوبا |




.. واشنطن: هناك فجوة بين نوايا إسرائيل بشأن رفح والنتيجة | #راد


.. الكويت ومجلس الأمة.. هل أسيء -ممارسة الديمقراطية-؟ | #رادار




.. -تكوين- مؤسسة مصرية متهمة -بهدم ثوابت الإسلام-..ما القصة؟ |