الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فعل الأمر في رؤيا

محمد علي ثابت

2008 / 12 / 22
الادب والفن


استعذتُ بالأرق من شر كابوس مملول
ولئلا أغفو، ضاجعتُ رواية مثيرة لكاتب مجهول
وإذ كنت أهمُ بالنبش ببصري في صفحة في ربعها الثاني
وجدتُني أنحدرُ سريعاً إلى هوة قرار بعيد
وحين انطفأتْ كل الأنوار وأُزيح عن الرؤيا الستار
لاح الكابوس - ذاته - أمامي، من جديد

***

مخزون الروايات عندي بدأ ينضب
لابد أن أملأه، وإلَّا فلأين من الأحلام أهرب؟
نعم.. أصبحتُ أخاف حتى الأحلام لأنها تحولَّت لكوابيس في غير مرَّة
وأدمنتُ طعم القهوة المُرَّة
..
أكملتُ النصف المتبقي من رواية قديمة قرأتها مرتين من قبل
ثم خلدتُ إلى نوم إجباري قلِق
وفي الصباح التالي مررتُ على مكتبة مجاورة وشحنتُ رصيدي من الروايات
وراكمتُ ما يكفيني منها لأسبوعين تاليين

***

باتت الرؤيا - ذاتها - تزورني بإلحاح متصاعد
وبتواتر
وصارت تدهمني حتى في قيلولتي
ثم حتى وأنا وسط الناس سائر
تحولَّت الرؤيا خيالاتٍ، أو بروز أطياف
وأصبحتُ حتى من الظلال على الأرصفة أخاف

***

وقرأتُ في رواية كلاسيكية، استعرتهُا من صديق
أقول: قرأتُ على لسان أحد الأبطال أن المستسلم للرؤى
يقول: إن المستسلم للرؤى هو أشجع، نسبياً، من المستسلم للأعداء
فالرؤى، على الأقل، نادراً ما تضربنا من الخلف
هي أشجع من ذلك: إنها تكاشفنا وتتجسد أسفل جفوننا حين تناصبنا العداء
وكأنها تنتهك حرماتنا عيانا
أقول: تتجسد أسفل جفوننا، لا في المقتل العتيد أسفل مؤخرات رؤوسنا
ثم إنها سواء أجاءتنا بما فيه إشعال في النفس لحريق
أو جاءتنا ببشارة من أو إلى صديق
أو بهَدْيٍّ إلى سواء الطريق
فإنها لا تقتحم أدبارنا أبداً
ثم ان عمر أطول كابوس هو أقصر، بالتأكيد، من عمر أقصر خصومة
والقياس مع الفارق، طبعاً
..
أقنعتُ نفسي بفلسفة الأديب على لسان البطل
ولم أشأ أن أعكِّر صفو رضوخي السلس ذلك بالتساؤل
أقول: بالتساؤل عن مدى الشجاعة في مباغتة الرؤى لنا ونحن مخدرون
..
وإمعاناً في الاستسلام، أحللتُ محل البُن في قائمة مشروباتي الليلية.. اليانسون
وأعدتُ كل الروايات المستعارة إلى أصحابها
إلا واحدة..
وتدريجياً، صرتُ أقل خوفاً من انعكاساتي النهارية المختلفة
أقول: من انعكاساتي النهارية المختلفة على الأرض بفعل القرص الناري

***

وفي إحدى الغفوات المتكررة، تجسَّد أمامي الكابوس بوجه سافر
جاءني، لأول مرة، في صورة إنسية
لطمني على خدي الأيمن، وأمرني بأن أسافر
وانتظر
ثم صفعني على الأيسر، سائلاً: أبَعْد لم تغادر؟؟
وانتظر
ولم أجرؤ على طرح سؤال مثل: لأين؟ أو: لِمَ؟
وكيف أسأل مَن هو في مثل هذا الغضب المستطير؟
ثم.. ألم أعلن استسلامي له بالكامل، اقتداء بالبطل الحقير؟
..
وأكملتُ نومي، دون أن أصحو حتى لنقش تسلسل اللقاء على رخام مخيلتي
فلا شك أن وجهه البشري سيحاصرني طيلة الليالي التالية
وسيصبح وجهاً مألوفاً وشبه مستحب لي، على دمامته
وسيوصد صاحب الوجه الدميم الأبواب كلها دوني حتى أزدادُ انجرافاً إلى نفس الهاوية
بطَوعي
إنه رسول إله لَحوح، وكفى
...
هل مات أمل الطفولة عندي؟ أم غفا؟

***

حازماً حقائبي، كنت في الصباح
إلى ساحة الغافين، متجها
..
هل، حقاً، هناك كابوس يستحق الوصف: مؤتمَنا؟
لا تهمني الإجابة بقدر ما يهمني السؤال
وهل ترك الكابوس لانتفاضتي مجال؟

***

وفي رحلتي، بالقطار، إلى حيث ظننتُ أنه أراد
اكتشفتُ أن كاتب الرواية المثيرة لم يكن مجهولا
وأن نصيحة البطل بالاستسلام، في الرواية المستعارة
أقول: إن تلك النصيحة كانت حلاً معقولا
فهل سمع أحدكم برجل مهنته سحق الرؤى؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي