الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغنية كيف يكون الجمال صاعقا

عبد العظيم فنجان

2008 / 12 / 22
الادب والفن



اجمعْ جدول أحجار حبيبتي ،
عندما يسقط شلال شعرها في صحن راحتيكَ ،
ومنه ، أيها الشعر، اصنع قصيدة ،
طوال الحريرالمسبوك من طفولة ضفائرها ،
يجمع الناس ، بإنشادها ، أحلامهم
التي لم يروها في خضم الحروب ،
لأن دخانا من السهركان يمنعهم من الطيران ، بين الأشجار ،
التي فيها تبني الطيورُ أعشاشها من عيدان مشطها .

من بين قوسي أجفانها قل لشمس الكتابة أن تشرق ،
وأن تغربَ من حيث يرتفع الرخام ،
الذي بـُنيَتْ منه عمارة نومها .

من مقاطع هدوئها ، ياشعر، إعطِ المكان حيـّزاً لمكانه ،
الذي ينام فيه الزمن ،
ويتوقف فيه الوقتُ عن الدوران ،
باحثا عن سرير يستريح عليه ، في زوارق ساعاتها ،
وهي تبحر نحو فصلٍ تأكل فيه البراري من عشب ابطيها ،
ثم تعود، وقد نقص من الموتِ عمرا طويلا ،
خلاله تفيض الحياة ، عائدة الى وكرها .

من جَمالها دعْ الجمال يتعلم كيف يبدو صاعقا :
إن مرّتْ فليقتبس ، من بصيص ظلها ، فكرةَ أن يكون فريدا ،
مثلما تبتكر شجرة ما شكل أغصانها ،
أو مثلما يتسلّـق التل نفسه لتناول الفطور، فوق ، مع الرعاة .

من طولها إصنع قامة الشاعر ، إن أراد أن يكون باسلا كالرمح ،
ومن حياكة ساقيها علـّم الكتابةَ كيف تكون أنيقة ،
يحج اليها الابتكاركل لحظة .

وحينما تـريد القصيدة لنفسها أن تكون محفـوفـة بزائرين قادمين ،
من أجلها ، مـن مـدن بعيدة ،
فلتكن مـثل حبيبتي :
عازمة على أن تسير حافية القدمـين على جمـرأشواقها ،
مثل قبلة تشتهي كل امـرأة أن ترتدي شفتيها ،
وهي في طريقها الى الحب ،
من موعد الى موعد ، في أزقة منسية ، أو في غرف رخيصة .

ياشعر :
اجمعْ من ضفائر شعرها قليلا ، في قارورة نجمة ،
وارم ِ بها الى الليل ذاته ، ليعرف الليل :
كم من ليل شعرحبيبتي حاجته،
ليصبح ليلا خاليا من أسراب الطائرات ،
التي تنقل على متنها الحروب ، وتنشرها غيمة بعد غيمة ،
في سماء تعاني من جفاء النجوم ،
فيما النيازك فيها تهطل بغزارة ،
لإشعال الحريق في قلب كل ملاك يرضع ،
من ثدي حبيبتي ، حليب الأمان ،
بعد أن تم طرده من الجنة ، من دون فطام .

أيها الشعر ،
ياملاكنا الازرق لشدة السماء التي حبكتَ بها سلـّتكَ :
احفظ ثديين لحبيبتي ، سافرا لبعض الحليب ،
لكنها عادت بدونهما، لأنها لم تجد الفجر في مكانه :
تركتـْهما لوحديهما هناك ، يـبحثان عـن حلمـة أي نبـع ،
وعـادت بكل ما تحمـل كـفـيها من عصارة دمـع ،
ناثـرة ، طـوال الطريق ، قـُـبلا تعرفـها الغزلان مـن الرائحة ، فتتبعها ،
برّية بعد اخرى ، حتى نهايـة النهايـة ،
حيث الصرخة ، بعد الصرخة ، تأتي راكضة لسماع أصدائها .

اجمعْ ، ياشعر ، صرخة الحبيبة ،
لتعم الكائنات مساءا .
اجمع بين الصخرة والصرخة ،
ودعْ حبيبتي تتحول ، مثل طير ، ينقل بمنقاره المنامات ،
من سرير الى سرير :
دعها تضع تحت وسادة كل نائم حلما ،
يأنس اليه حتى المكان ،
فيحلم بامرأة : يصنع الشعر، من أحجار جداولها ، بيتا ،
يعيش فيه العصفور مع النسر،
لا تفرّق الصرخة فيه بين نفسها وبين الصخرة ،
حين تقفان معا ، وجها لوجه ، أمام مرآة روحيهما .

أيها الشعر:
صغْ لحبيبتي ، إن تواريتُ في الموت ، حبيبا سواي ،
يضمها الى الورد قبل الربيع .
يجرحها ، بلباقة ، كما أجرحها ، ياشعر .
يقصف جسدها كالبرق ، يخرّب سياج حديقة شهوتها ،
يرفس أبوابها ، وليشعلها قبلة حنونة بعد قبلة مجنونة اخرى .
آه .. عراكٌ بين جمرتين ، ترغبان الدخول ببعضيهما ،
لبعـث الخليقـة مـن جديد :
رغبة لاتنتهي طوال حرارة النار ، وهي تبحث ،
في المهب ، عن شكـلها الأول ،
فالـنار ، أيهـا الشعـر ، هي أول قبلة ،
كما أن الماء آخر الأماكن
التي أطفر سياجها ، كالـوعل ،
عندمـا يجـف الحـنان في قـلب العالم ،
فـأنام بين أصابع حبيبتي ،
لأن الماء يعيش ، منذ البدء ، هناك ،
ولايسيل ، كالأنهار ، الا عندما تصافح يدُ المطر يديها .

ياحبيبتي ، ياحبيبتي ،
بعد كل عناق ، لن أغسل شفاهي ،
لئلا تنزلق قبلتكِ ،
لكنني بعود ثقاب تتركينه قرب سجائري ،
أشعل ظلام الظلام في الكون ،
سائرا بين نجمتين : قبلتكِ ، وعود الثقاب الذي تتركينه ، عادة ،
عندما يخلف القمر وعده ،
فلا يشرق الا وأنتِ عائدة بقوت من الحطب ، هو جسدكِ ،
تشعلينه
تحت شرشف الخيال ،
فيهطل القمر بكامله على السرير،
وتنزلق القبلة من مكانها ، لتحل محلها قبلة اخرى :
تكبر حتى تصير زورقا نبحر فيه ،
تحت ضباب لذة لم يرسم خرائطها أحدٌ ،
لنعرف أين أماكن وجودها ،
فيما يصير عود الثـقاب عمود كهرباء ،
نقرأ تحته ، كما في الطفولة : كم المسافة بين نهديك وأصابعي ،
ويتحول الكون كله الى كائن مثلنا ،
نفرك عن روحه كآبة مجهولة ، جاءت مع الريح ،
منذ أول هبوب لها ،
تاركة ورقة هنا أو هناك ، لم يحل طلاسمها سوى الشعر ،
لكنه لا يقول ذلك الا لمن هو نفسه لايقول ..

أيها الشعر
لامسافة بين نهديها وأصابعي ،الا أنتَ ،
عندما يتوّقف نبضك عن المرورأمام اشارات قلبها ،
أو يكفّ حضوركَ أن يظل ملعونا ،
فلا ينثر ريشه في ممرات رأسها ، المكتظ بهواجس النوم في حنجرة الغصة ،
التي ابتلعتْ حتى الغصة من شدة عمقها .

اختصرتنا، ياشعر ، بكثافة معناك :
اننا كلمة تجهل معناها من دونك :
كيف يمكن أن تكون هناك مسافة داخل المسافة ؟
وما السر ياشعر ، إن غبتُ أو غابت ؟
ومَـن اخترع الغياب ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ذكريات لا تبارح مكا نها
رضا كريم ( 2008 / 12 / 21 - 23:40 )
العزيز عبد العظيم
محبتي لك
أذكر مما أتذكر رفقة منحت العمر بعض نكهة حميمية تجلت بمعرفة الذات أولا ومن بعد الحياة بشكل أوسع أنت كنت من ضمن هذه الرفقة معنا حميد وعلي عجام وستار والكثيرين الذين أذكرهم ولا أعرف عن
مصيرهم أي شيء
عزيزي منذ30 عاما عشتها في المنفى وليالينا المحتدمة بالنقاش عن الشعر والحب في سرجون لا تبارح الذاكرة أتمنى
أن تكون بذائقة شعرية دائمة وأن يكون الشعر صاعقا بدون رمزية لانها لا تكمل أغاني الجمال الصاعق .

اخر الافلام

.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف


.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس




.. أحمد فهمي عن عصابة الماكس : بحب نوعية الأفلام دي وزمايلي جام


.. عشر سنوات على مهرجان سينما فلسطين في باريس




.. خالد النبوي: فيلم أهل الكهف يستحق الوقت الذي استغرقه بسبب ال