الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وفاة والدي

مازن رفاعي

2008 / 12 / 23
الادب والفن



الحزن الأسود يغرق كياني بدموعه
بعد أن تمكن من أن يجعل الدموع
تنهمر من كل خلية في جسدي.
الفاجعة ذبحت نسيج قلبي فنزف ألما.
اللوعة تحرق أعصابي
فاستنشق رائحة الحريق باستمرار.
النفس انفصمت وتشرذمت إلى فتات ناعم تبعثر في كل مكان.
المأساة حولتني سكينها الحادة
إلى كومة من اللحم اللزج.
اضمحل صوتي وتلاشى،
فأنا غير قادر حتى على الصراخ.
ورغم صحوتي الظاهرة للجميع فأنا مغمى علي من الألم.

رويدا رويدا
أغوص في مستنقع الضياع،
واشعر باختناق وجودي،
وأفول شمس أيامي
وراء بحر لا نهائي من الظلام
الذي اخذ يسدل ردائه على حياتي. التعاسة تمكنت مني بسهولة،
واحتلت كياني دون أي مقاومة، فاستعبدتني وقهرتني،
وبكل اللؤم والحقد والقسوة
راحت تمحو المعاني الجميلة
في سماء حياتي،
وتطفئ أي شعاع أو ومضة نور.
وبنهم شديد، وشراهة لا حد لها،
راحت تبتلع وجودي قطعة اثر قطعة.

نعم لقد رحل السند والأب والأصل
ورفيق العمر ومرشد الدرب،
وتركني وحيدا
في طريق وعرة موحشة
مظلمة وظالمة.
رحل الإنسان الطيب،
ورحل معه الهدوء والسلام
والدعة والأثرة
والكرم والحب
والألفة ونكران الذات
وكل ماهو جميل ونبيل ورائع.

رحل وترك خلفه حياة قاسية،
موحشة، قفراء، قاحلة،
جرداء، سوداء، حقيرة،
ليس فيها سوى شعور الغربة والضياع ومرارة الألم.
الحزن واللوعة،
والتعاسة والغربة،
والوحشة والحظ العاثر،
تحالفوا لتهديم وتحطيم
ما لم تستطع الفاجعة الرهيبة أن تحطمه،
وتكالبوا على نفسي المنهارة
ووجودي المسحوق،
وقاموا بتسليمي
إلى اليأس القاتل والعدم النهائي.

هذا الحلف الظالم
يعبث ساخرا معربدا بأيامي وأحلامي،
بكياني بفراشي وبمائدتي،
حتى اشعر بالغربة مع من حولي
وبالغربة مع ذاتي،
كأني اهوي في فراغ سرمدي
دون قرار.

ذاكرتي المريضة
بداء النسيان المزمن،
التي طالما اعتادت خيانتي،
وحجبت عن فكري مواقف عمرها دقائق،
وعرضتني لأشد المواقف
إحراجا وإرباكا وحيرة وخجلا،
هذه الذاكرة الحقيرة البليدة الميتة
تصحو اليوم فجأة
وتبدي نشاطا وحيوية غير اعتيادية،
فتعرض على مخيلتي
شريطا طويلا
وكاملا ومفصلا لذكرياتي مع والدي،
بحلوها ومرها
منذ نعومة أظافري
وحتى يوم الفراق الأسود،
ولا تمل من عرض هذا الشريط
في أحلام اليقظة والمنام.

ولا يلبث مسار الحياة
أن يفرز سيلا من الأمور التافهة،
والمشاكل الصغيرة والكبيرة
تتطلب التفرغ لها وحلها فتفرض نفسها،
وتغتصب أوقاتي
وتجبرني على إحاطتها باهتمامي.
وبدلا من أن تساهم في النسيان،
فإنها تضيف حملا جديدا ثقيلا
على نفسي المجروحة المريضة المنهكة،
فأشرب كأس المرارة حتى الثمالة،
وتنتابني الحيرة
ويعتريني الذهول
ويتقمصني الخوف،
ويصاب تفكيري بالشلل
بعد أن تمكن مني هذا الإخطبوط
وقيدني بأذرعه القوية الكثيرة،
فأدركت أنه لا خلاص لي
إلا بالاستسلام والغوص
في هذا الواقع المفزع،
وأنا أدرك أن الخلاص
يحتاج إلى مقومات لا أملكها.
أغوص وأنا أراقب
نظرات الشفقة والرثاء تغلفني وتغطيني.
أغوص وأنا أرى
أن ما أمنحه للآخرين
من حب وعاطفة نبيلة
قد تحول إلى نقطة ضعف
تُفرض علي من خلالها أمور
لا يمكنني أن اقبلها اليوم،
أما الغد فهو يوم آخر.
في المشفى

من نافذة المشفى الموحشة
أطلت أولى نظراته
بعد العملية الجراحية التي أجريت له

فعانق الحياة من جديد
بعد أن انزلقت به الهاوية إلى حافة الموت .
الوحشة ولاشيء سواها
في تلك المقبرة البيضاء،
الأبواب مغلقة دونه ،
وحيدا يدافع عن نفسه
من زحف الدود القادم ،
والذي لن يتمكن من الفوز بجسده
هذه المرة،

منبوذا يرقد على السرير
لا احد يأبه بصوته المرتفع
أو استغاثاته المتكررة ،
تنتابنه ولأول مرة في حياته
موجة من البكاء المؤلم
وهذا النوع من البكاء دموعه حارة.

في مسيرة حياة كل منا
يذرف المرء الكثير من الدموع،
دموع فراق لمسافر أبعدته المسافات،
ودموع فراق لعزيز واراه الثرى،
دموع الم ،
ودموع شوق وحنين،
ولكن دموع بكاء الذات
هي اشد تلك الدموع حرقة وألم،

حين يبكي الإنسان ذاته ،
يبكي فشله ،
حينها لا يجرؤ على الشكوى،
ولا يجد من يشاركه الحزن،
ولا يقوى على البوح بما يعتمل في صدره.

للمرة الأولى في حياته
يتعرف على هذا النوع من البكاء المؤلم.
بكاء الذات .
تتدحرج كرة حياته أمام عينيه
وتبدأ ذكرياتها المؤلمة بالتسارع ،
فتتفجر ينابيع الدموع ،
وتبدأ محاسبة الذات.

الحادث الذي تعرض له مؤخرا
أعاده إلى ميزان الحساب الختامي
فوضع نقطة وبدأ من أول السطر متسائلا.
ماذا لو كانت نهايتي؟
وماذا عملت لآخرتي ؟
وكيف سأقابل رب العالمين
وأنا احمل تلك الأكداس المكدسة
من الذنوب والآثام ؟
صعب عليه مصيره الذي أل إليه
فوجد في الدموع مهربا وملاذا..
يستعيد بالفكر جميع مراحل حياته
فيجد أنه لم يجن من سلوكه
وطريقته في الحياة إلا المال،
والمال قد بدده فبدده.

يتساءل بينه وبين ذاته .
ماذا إذا تخلى عني الحظ وكرهني المال ؟
لن يبقى لي صديق ولا حتى زوجة.!!
العزة، الكرامة، الجاه, الذكر الطيب,
الصديق الوفي, الزوجة المخلصة,
ثروات بددها واليوم لا يملكها،
ولا يمكنه شراؤها!

توقف مع ذاته
برهة من الزمن
متسائلا ومستغربا
هل أنا من يبكي ؟
ولماذا البكاء؟
حاول مدافعا عن نفسه،
استحضار أفكار معلمه ومرشده
وملهمه وأباه الروحي "حامد"
محاولا قتل مشاعره الجديدة المبكية
مواجها ضعفه
"حامد" شاب طويل أنيق معطر
يبدو عليه الثراء والثقة بالنفس.
وان كان يعاني انهيارا روحيا
يحاول إخفاؤه
وعقدة سببتها له قسوة والده.
تبرز في جميع تصرفاته وتعاملاته
لذلك يتحاشاه الجميع .
( هل لابد أن تفوح رائحة العطور
من رجل لكي يكون محبوبا؟؟)

مع "حامد" وبمعونته المادية
تمكن "رامي" من تجاوز وقت عصيب مادي خيم عليه في الماضي
وبإرشاداته وتعاليمه
صقل لديه روح الانتهازية والاستهتار
التي امتلكها .
والتي هي اليوم إحدى أسباب دموعه.

الحياة غربة لمن يجهل قوانينها
وجنة لمن يستخدم تلك القوانين
كانت أولى القوانين
التي اجتهد في تعلمها.
عمل لدى حامد
عدة أعمال كان منها..........
مزايدا صوريا في مناقصاته.
قناعا يخفي وجهه وانتهازيته وتسلطه.
ملقاطا يلتقط مكاسبه القذرة.
نادلا لموائده.
سائقا لمواكبه.
مستشارا لنزواته.
وسكرتيرا لشهواته.

تعود منذ نعومة أظافره
على الشر والكذب والنفاق
حتى وصل إلى مرحلة الإدمان،
والاستهتار بالناس
وحقوقهم ووجودهم وكرامتهم
فأصبحت تلك هواية وإستراتيجية
وأسلوب تعامل ،
عرف به، ودمغ بشخصيته.
قوانين الحياة التي مارسها وتعلمها وتفانى في تطبيقها كانت بسيطة وعملية.
الناس قطيع من الأغنام يجب أن يتم قيادتهم بالخداع والنفاق والرياء والحيلة.
الخير والفضيلة ليس لهما وجود
إلا في أذهان المفكرين
وهي مفاهيم خيالية
لا يمكن أن تظهر إلى الوجود.
النفاق هو فلسفة.
الرياء هو حسن تصرف.
تهميش الآخر هو ذكاء وفطنة .
الحكمة أن ينكث المرء بوعده
(ألف قلبة ولاغلبة) .
التذبذب خطة استراتيجيه.
طمس الحقائق عبقرية .
الكذب الدين الجديد
هو يغفر لمن يشاء ويهدي من يشاء
ويضل من يشاء ويعذب من يشاء
ويرزق من يشاء بغير حساب!

تعلم استغلال نعمة النسيان
فالعالم محدود النظر، قصير الذاكرة
واكبر فضيحة
لا يتجاوز بعدها الزمني أسبوعا واحدا.

انعزل عن كل من هم حوله من البشر
ونبذه وكرهه أصحاب الفكر والمبادئ
وما أكثرهم.
فقد البصر والبصيرة ،
وفقد القدرة على رؤية الطريق السوي وتقدير المسافات الحقيقة .
أضل الطريق إلى الروح،
أعمته سطوة الجسد
عن متطلبات النفس،
سلطان المال والجسد تمكنا منه.
اليوم ضعف الجسد
وبدأت عودة الروح وأشرق الندم
قرر اليوم أن يقترب من إنسانيته،
ويحتضن الخير،
قرر أن يغتسل من الآثام
ويتطهر من الشرور.
يدرك كم هو صعب طريق الخير،
خاصة لمن لم يرتاده منذ زمن .
يعلم أن الله غفور رحيم .
ولكن ماذا عن بني البشر ؟
هل سيصدقه من حوله ؟

أمام نافذة المشفى
تتجاذبه أفكار اليوم ,
والغد يوم آخر ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??