الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصداف ولآليء – 10 – ( أساطير الأولين - 4 - )

عبدو أبو يامن

2008 / 12 / 23
الادب والفن


4 – قال المعلم : يقول الحكيم : كان المثال (( مايكل أنجلو )) يقول عندما يسألونه عن كيفية صنع تماثيله : (( الأمر في غاية البساطة. عندما أنظر إلى كتلة الحجر أرى التمثال بداخلها، ويصبح كل المطلوب هو أن أزيل من حوله كل ما ليس ضروريا)).
ويقول المعلم : بداخل كل منا عمل فني مقدر له أن يصنعه. وتلك هي النقطة الرئيسية في حياتنا، ومهما حاولنا أن نخدع أنفسنا إلا أننا نعرف كم هي مهمة. العمل الفني بداخل كل منا تطمسه عادة سنوات من الخوف والتردد والشعور بالذنب. ولكننا إذا قررنا أن نزيل تلك الأشياء التي ليس لها علاقة، إذا توقفنا عن الشك في قدراتنا فلسوف نستطيع أن نواصل حاملين الرسالة المقدرة لنا. ذلك هو السبيل الوحيد لكي نحيا بشرف. ( مكتوب، مرجع سابق ).
فلكل إنسان رسالة، كلمة منوط به وحده حملها، همه الخاص، ولعه الأوحد، ووجده اليتيم، دربه التي يمشي عليها وحده، ولا يعرف طبيعتها إلاه.. وليس في هذا مبالغة أو تخرص أو شطح أو مماحكة؛ بما إن كل إنسان منا هو نسيج وحده وفريد دهره، له ذاته المتفردة عن كل الذوات، وله كينونته المتميزة من جميع الكينونات؛ فإن كان ثمة تمايز في الأشكال والألوان والأجساد، فهناك تمايز أشد وأحد في النفوس والعقول والأرواح.. لا عبث لدى القوة الخالقة ولا تكرار وإنما هو التنوع والتجدد والإبداع.
وكان الإنسان جهولا ظلوما؛ جهولا حين غفل عن الركاز المدفون في نفسه؛ فغناك في نفسك ولن تكسب الغنى – أي غنى – إن أنت تغافلت عن الموهبة التي أودعتها فيك القوة الخالقة..وظلوما حين راح يلتمس لنفسه القوة والرغبة والامتلاء والحياة الغنية والحيوية المبدعة النشطة الفاعلة بعيدا عن مستقر النفس ومستودعها.. هذا المستودع الذي لا يستطيع كائنا من كان أن يفض أختامه أو يسطو على كنوزه وأعلاقه سواك..
وإذا شاعت لدى الناس- حتى أضحت صنمية - عبارة ( رينه ديكارت ) ( أنا أفكر إذن أنا موجود ) لتعلي شأن حياة العقل والفكر لدى الإنسان؛ فالإنسان ليس فكرا محضا ولا عقلا خالصا..
وأصح منها في ظني لو قلنا : ( أنا مبدع إذن أنا موجود ) ؛ فوجود الإنسان ، أي إنسان ، لن يتحقق ولن يمتلئ إلا بالإبداع..
فأن تخلص لذاتك وأن تكون نفسك ، وأن توجد ماهيتك تخرج بها من حيز القول إلى حيز الفعل، من حدود الإمكان وتخوم الممكن إلى فضاء الواقع والحضور، من عالم الغيب إلى دنيا الشهادة.. تلك هي القضية ولب المسألة..
فذاتك الفريدة المتفردة، وكينونتك المميزة المتميزة وماهيتك المستقلة كل ذلك هو : عنوان حياتك، شفرتك الوجودية، نجمك الهادي، حروفك الأبجدية الخاصة، وسط كل هذا الكم الهائل من الذوات والماهيات والكينونات.
وما حياة الإنسان إلا نوع من الكدح على هذا الدرب الطويل، درب الصيرورة والتكون والتحقق.. لا كينونة جاهزة ناجزة يتلقاها المرء هدية من لدن القوة الواهبة، وإنما لا بد من الكدح والضرب والسعي هذه هي طبيعة الوجود الإنساني..
وما فرار الإنسان إلا نوعا من الهروب من التبعة والمسؤولية والكدح؛ فما أصعب مواجهة النفس والخلو مع الذات، في لحظات صفاء ونقاء وشفافية.. وأوغل منها في الصعوبة محاولة استنطاقها والتنقيب عن مخبآتها والغوص على لآلئها ؛ فحياة الجد والنصب لا شك أنها شديد الوطأة على النفس، وساعات العمل والتركيز وحضور الذهن وتحفز الأعصاب وتوفز الجوارح وانفعال المشاعر وشبوب العواطف والتماهي مع الوحدة لا شك أنها مما يفر المرء منه فراره من الأسد أو المرض أو الكارثة.
على أن ثمرة ذلك التعب وجزاء ذلك النصب هو سعادة كبرى وفرح غامر وتسامي وشفافية يعرفها كل من جربها وخبرها ؛ ( ومن ذاق عرف ) كما يقول المتصوفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة