الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدستور ليس نصا مقدسا

سلام خماط

2008 / 12 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لقد برهنة جميع التجارب الدستورية الناجحة وفي مختلف دول العالم ,بأنها لم تكن كذلك من دون بناء منظومة متكاملة من الوعي السياسي والحقوقي ,واستحالة تحويل الدستور الى قانون ملزم للجميع اذا لم تتضافر فيه معايير المهام الوطنية الكبرى ,ومن أهمها ضمان حاضر ومستقبل أي بلد ما .
لذا نقول ان اخطر ما في الدستور ان يتحول من قانون ثابت ودائم الى قانون يدافع عن مصالح أحزاب وكتل سياسية ساهمت في صياغته فأصبحت نقطة الضعف الجوهرية في الدستور العراقي الحالي , والذي جاء نتيجة لمساومات سياسية بينما نجد ان دساتير العالم تكتب بوحي منهجية واحدة تمثل هموم ومصالح الدولة والمجتمع وليس مصالح النخب السياسية الطارئة والأحزاب التي ولدت نتيجة لسقوط نظام أسسها من هب ودب .
هذه النخب لم تجعل من الدستور وثيقة تمثل الأبعاد الكلية للتجربة العراقية بل جعلت منه وثيقة تمثل مصالحهم في توزيع الثروة والمناصب التي إباحتها المحاصصة البغيضة .
من هنا نستطيع القول ان الدستور العراقي الدائم والثابت لم يكن دائما ولا ثابتا من دون نخب ثابتة ذات معايير وطنية عامة تتصف بالثبات الوطني في أوقات الانعطافات الحادة والتحولات المفاجئة والأوقات العصيبة .
ان التجربة الدستورية الحالية ما هي إلا عبارة عن تجربة متعثرة ومشوشة من حيث الغاية وما رافقها من مصلحيه وأنانية وتهميش وإلغاء وإساءة لمكونات عديدة من الشعب العراقي وفي مقدمتها المكون الثقافي ,ناهيك عما تعرض له البعض ممن يطلق عليهم تسمية الأقليات من تهميش كذلك ,وابسط مثال على ذلك ما تعرض له إخوتنا المسيحيين ونسبة تمثيلهم في مجالس المحافظات والذي صوت عليه مجلس النواب بالفترة الأخيرة , أما من حيث الوسيلة فقد لعبت الدعاية والإعلام دورا مهما سواء قبل كتابة الدستور او قبل الاستفتاء عليه ,إلا أن مراحل التطبيق الفعلي قد كشفت عن المتناقضات الكثيرة في مواده وخضوعها لإرادة القوى السياسية التي أسهمت في كتابته , فكان الصراع بين هذه القوى على أشده ليس من اجل تعميقها لفكرة الشرعية والنظام بل من اجل إدراج مطالبها وإعطائها الصفة الشرعية ,فأي حق يبيح لعضو مجلس النواب ان يتقاضى راتب تقاعدي يبلغ (8) مليون دينار شهريا عن فترة زمنية لا تتجاوز السنة الواحدة وأي حق يبيح لعضو المجلس البلدي ان يحال الى التقاعد براتب معاون مدير عام وبنسبة 80% من راتبه الكلي وليس الاسمي وبعد مرور سنة على عمله في المجلس .
من هنا اخذ هذا الدستور صفة الوفاق الحزبي او المحاصصة الطائفية والعرقية ,لكن المتعارف عليه من خلال اطلاعنا على تجارب الشعوب ان الدساتير لا تكتبها النخب السياسية لان الدستور وثيقة وطنية وليس وثيقة
حزبية ,فقد ضم الدستور العراقي على العديد من المواد التي ساد فيها الخاص على العام وأصبح مصدر من مصادر النزاع و من مصادر التخلف او الرجوع الى ما قبل الدولة المدنية الحديثة ,مثال على ذلك المناطق المتنازع عليها بين المحافظات او بين المركز وإقليم كردستان وخاصة حول مسالة كركوك, ومن الجدير بالذكر ان المناطق المتنازع عليها هي المناطق الحدودية بين الدول وليس بين المحافظات داخل الدولة الواحدة, وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على ضعف النخب السياسية وانحرافها عن مستلزمات الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي الحقيقي , وهذا الضعف قد يرجع الى سببين احدهما فقدان الحياة السياسية والحقوقية في العراق لأكثر من نصف قرن والأخر قد يرجع الى خضوع تلك النخب لقوى خارجية قد تكون ساهمت بشكل مباشر او غير مباشر بصعود هذه النخب الى هرم السلطة.
لذا يجب ان ينتبه المعنيون الى الآليات الدستورية الهشة التي كتبت في وقت ما لإثارة المشاكل والقلق الذي راود المواطن العادي قبل غيره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع