الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لضمان مستقبل الأمة العراقية(7)...رجل الدين...القداسة والسياسة

أبو مسلم الحيدر

2004 / 3 / 11
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لا أريد أن أعود لمقالتي الأستاذين الفاضلين عزيز الحاج وعادل عبد الخالق (واللتين ناقشتهما سابقاً) ولكني أريد أن أطرح موضوعاً في غاية الأهمية. ألا وهو موضوع القادة الروحيين (او ما يطلق عليهم رجال الدين) ودورهم السياسي.
أولا أقول إن الأفكار والحضارات يجب أن تتحاور لا أن تتصارع وهذا هو فهمي لمقولة الشهيد المجوب زعيم الحزب الشيوعي السوداني حينما خاطب " جرذ الأوساخ المتورم في السودان" وقال له " الرجل الشريف يحارب الفكرة بالفكرة" وكم أتمنى أن يكون هذا هو المنطق العراقي الجديد لا أن تكون المحاربة بالتسقيط والتلفيق وسوق التهم جزافاً والقتل والأغتيال والتفجيرات وتسميم المياه والإختطاف. إن العبأ الأكبر في توجه كهذا يقع على عاتق كل شريف بعيد عن المزايدات والمنافع الشخصية والفئوية الضيقة سواء أكانت طائفية أو عرقية أو حزبية. أتمنى أن تكون المناقشات على أساس الأفكار وليس على أساس من هو الذي طرح الفكرة.
أعود الآن لموضوع المفكرين والقادة الروحيين. وهنا أريد أن أسأل سؤالا، هل كان الفلاسفة أمثال كارل ماركس، فريدريك أنجلس، هيجل، آرسطو، صدر المتألهين...وغيرهم ممن كانوا بأفكارهم وطروحاتهم يحركون بلاداً وشعوباً بأسرها، هل كانوا قادة سياسيين؟ أقول نعم بل هم أوسع من ذلك هم قادة أجتماعيون، قادة للمجتمع بكل ما فيه وعلى هدي أفكارهم يضع السياسي (المؤمن بخطهم الفلسفي) أفكاره لصياغة برنامجه السياسي، والشاعر لرسم لوحته الشعرية، والفنان لنقش رؤيته عن الحياة على الورق أو بحفر الخشب أوبنحت الحجر أو بالرسم المتحرك على المسرح وما الى ذلك، بل وإنه على هدي أفكارهم يقوم العلماء والباحثون بإجراء بحوثهم العلمية وسبر غور الإنسان جسداً (وروحاً لمن يؤمن بالروح) وسبر غور الفضاء لأستعماله بما يخدم تحقيق تلك الأفكار التي وضعها هؤلاء العلماء من الفلاسفة.
ولو جردنا الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وجردنا كل الأنبياء والأئمة والأوصياء عليهم السلام من القدسية الدينية ونظرنا لهم نظرة مادية بعيدة عن الميتافيزيقيا لوجدنا أنهم فلاسفة حكماء وقادة إجتماعيون وقد أورثوا تلك النظريات الفلسفية الأخلاقية لطلبتهم من بعدهم وطلبتهم كانوا أما كورو (الكاف هنا تلفظ على الطريقة المصرية بلفظ الجيم) في البوذية، راهبا او قساً أو بابا في المسيحية، حاخاما في اليهودية، وشيخاً في الأسلام ... الى آخره من المسميات المختلفة في الأديان المختلفة. والطلبة هؤلاء (كما هو الحال في طلبة ماركس وغيره ) يصلون الى مرحلة متطورة في فهم تلك النظريات بحيث يكون بأمكانهم إيجاد الحلول لمشاكل المجتمع على هدي هذه النظريات التي يؤمنون بها هم وأتباعهم(وليس بالضرورة أنؤمن بها نحن). إذن، فرجال الدين او القادة الروحانيين هم منظرين لأيجاد حلول لمشاكل المجتمع. ومن مشاكل المجتمعات المهمة هي ضوابط التعامل (في مختلف المجالات) بين الأفراد والجماعات في المجتمع، مثلا التعامل بين الزوجة والزوج والأبن والأبوين والحاكم والمحكوم والبائع والشاري وكذلك تبيان حقوق الأفراد والجماعات في المجتمع والواجبات الملقات عليهم وأيضاً وضع النظريات والموازين العامة المتعلقة بتنظيم وإدارة المجتمع. ومن هنا نرى إن السياسيين والأداريين، والقضاة، والفنانين، والى آخره يخضعون لنظريات يؤمنون بها. وهذه النظريات يقوم بتبسيطها وشرحها لهم موجديها أو طلبتهم الذين تمكنوا من الوصول الى مرتبة متطورة من الفهم لتلك النظريات. لذا فإنه لا غرابة أن يقوم رجل الدين ( كما الفلاسفة الأخرين) بطرح نظريات وآراء في السياسة فهي جزء من إختصاصه ولكن ليست كل إختصاصه، فهو المتخصص بما يهم المجتمع ككل من وضع الدساتير والقوانين العامة التي تنظيم حق الأنسان وتبيان واجباته والتي توضح كيف تكون إدارة البلد أو المجتمع والتي وكما أسلفنا تهتم بأمور الناس العامة والخاصة. فرجل الدين أذن رجل له افكاره فلنناقشه بأفكاره وكما نناقش أي مفكر آخر. أما موضوع القدسية فهو موضوع ليس من صلب الأديان وإنما أدخله عليه من يريدون الأختباء وراء الزي الديني وهم الذين لا يملكون من الدين إلا القشور والزي. تعالوا إنظروا الى قادة الأديان نبي الله إبراهيم عليه السلام مثلا فقد حاجج قومه وحاججوه ولم يقل أنا مرسل من الله وعليكم إتباعي بغض النظر عن قناعاتكم وموسى وعيسى عليهما السلام كذلك ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم هو أيضاً وفي القرآن الكريم * وجادلهم بالتي هي أحسن* أي وحاججهم بأحسن القول وأرقه والطفه وكأني بالشهيد المحجوب قد أستقى مقولته من القرآن الكريم.
وعليه يا أخواتي وأخوتي يكون لرجل الدين الحق في التدخل بكل صغيرة وكبيرة تخص الإنسان وحياته ولكن ليس من المفروض على كل إنسان إتباعه وأيضاً من حق كل إنسان مناقشته بل وتفنيد آرائه بالحجة والمنطق ( وكم من فتوى –رأي- لعالم مجتهد تم تفنيده وأعلن عدوله عنه) فهما سلاح الأقوياء الواثقين ولكن ليس بالتهديد والترهيب والأتهام فهما سلاح الضعيف الذي لا سلاح له إلا سلاطة اللسان والتجريح أو العنف الحيواني.
وأريد أن أقول أيضاً بأنه قد يكون لرجل الدين أتباع ومؤيدين كما هو الحال مع ماركس وغيره وقد يكون هؤلاء متحزبين أو غير متحزبين كما هو الحال مع الفلاسفة الآخرين وأتباعُه يحق لهم إتّباعَه وإتّباعَ تعليماته بغض النظر عن مستوى تفهمهم له او لها. فكم من شيوعي ضحى بنفسه وبعائلته خدمة للفكر الماركسي أو لماوتسي تونغ وهو لا يعرف معنى الديالكتيك، وكم منهم نأى بنفسه من الموت وكفر بما آمن به وهو يكاد أن يصل الى مرتبة المجتهد ( إستعارة المصطلح الأسلامي) في ذلك الفكر.
ولكني في نفس الوقت لا أقبل للقائد الروحي (الفيلسوف ورجل الدين) أن يتبوأ منصباً حكومياً لآنه وفي تلك الحالة يكون قد حرم المجتمع من موقعه الأول كموجه في السياسة ومصلح في المجتمع ومراقب للقوانين وإكتفى بأن يركز كل جهده في مجال واحد وهذا خسارة كبيرة للمجتمع ومن هنا فأنا أرفض تبؤ رجال الدين والفلاسفة مناصب إدارية أوسياسية ولكني لا أرفض تدخل الدين والفلسفة في السياسة والأدارة.
ولأجل أن نضمن مستقبل أمتنا العراقية الحبيبة علينا أن نكون حضاريين في (مساجلاتنا) وأن يكون سجالنا حوراً منفتحاً وليس صراعاً متزمتاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معركة رفح.. إسرائيل تتحدث عن خيارات بديلة لهزيمة حماس | #غرف


.. العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران.. عقبات -لوجستية- و-سياس




.. قصص ومعاناة يرويها أهالي منطقتي خزاعة وعبسان الكبيرة بسبب تو


.. شهداء غزة من الأطفال يفوقون نظراءهم الذين قضوا في حروب العال




.. نتنياهو: قمت بكل ما في وسعي لإضعاف قوة حماس العسكرية وقضينا