الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الازدواجية في عقلية السياسي والمثقف العراقي

مالوم ابو رغيف

2008 / 12 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


نستطيع ان نفهم سرغضب حكومات الاستبداد العربية، انظمة واعلام وكتاب ومؤسسات ثقافية ودينية على الرئيس الامريكي بوش، فقد اطاح بنظام شمولي قمعي دكتاتوري تشاركه هذه الانظمة بالكثير من اساليب القمع والاضطهاد، ولو ان النظام الصدامي قد فاق كل هذه الانظمة طغيانا، فبالاظافة الى كونه نظاما قمعيا ،فانه كان نظاما اجراميا دمويا مشابها لنظام هتلر وموسليني والحجاج الاموي .
الانظمة العربية لديها حساسية عالية من الديمقراطية والانتخابات اذا كانت تعني التغيير، فالديمقرطية عندها كما هي عند كتاب العربان ومثقفيهم مجرد لعبة وليس نظام كامل وشامل يبتدا من اصغر وحدة (العائلة) الى اكبر وحدة (الدولة).
انظمة العربان مشغولة لاذنيها في سيناريوهات توريث الحكم و الدولة والشعب كملكية صرفة الى وارث جديد من الابناء يفعل بها ما يشاء دون رادع من دستور او قانون او خوف حتى ردة فعل شعبي.
كان هكذا سيكون مصير العراق اذا لم يخلع صدام بقوة الجيوش الاجنبية، بل اسوء من هذا بما لا يقارن، فسيتناوب على وراثته الدمويان المقبوران عدي وقصي اللذان لم يتركا جريمة الا واقترفاها ولا فعل شائن الا وكانا ابطاله.
نستطيع ان نفهم سر ردة فعل العربان الغاضبة على اسقاط نظام صدام ، فهؤلاء نتاج تفكير اسلامي طائفي وقومي عنصري يغمض العيون عن رؤية الواقع المزري ويعيش في احلام واوهام الفخر الاسلامي والعصور الذهبية الجوفاء للخلفاء الذين كانت قصورهم تشبه المواخير مزدحمة بالغلمان المخنثيين والعاهرات والجواري والاماء بينما تعيش الشعوب المغلوبة على امرها في عوز وفقر مدقع.
لو كان غضب الانظمة العربية على الامريكيين لاحتلالهم العراق او لما يدعونه بجرائم الاحتلال، لو كان حنقهم من اجل الدماء العراقية التي سُفكت على ارض العراق، لما سكتت وصمتت على جرائم النظام الصدامي ولما اصطفت مع نظامه ودافعت عنه حتى بعد الاطاحة به وانفضاح جرائمه التي ما كانت تخطر على بال، مقابر جماعية وسجون وزنازين تعذيب لا تعرف مداخلها ولا مخارجها وجرائم تصفيات عرقية وطائفية وتهجيرات جماعية وبؤس وحرمان ارجعنا الى تاريخ العربان الذهبي حيث البيوت عبارة عن خرائب وزرائب والناس تعتاش على ما تجود به الارض من اعشاب وبعض من حيوانات داجنة.
لو كان كرههم لبوش لانه اجرم بحق العراقيين كما يقولون، لما اقاموا الفواتح ومجالس العزاء ونظموا قصائد الرثاء والمديح وبكوا مجرما قتل مئات الاف العراقيين بدم بارد، مجرم لم يمت تحت التعذيب ولم يسقط في ميدان قتال بل اُخرج من حفرة خائفا مذعورا وسيق للمحكمة وحكمت عليه بالموت بعد ان ادانة لا يمكن دحظها لكثرة الشهود والادلة وليديه الملطختان بدم العراقيين ولسواد قلبه الحاقد على كل ما هو انساني.
لو ان العربان حقا متألمين لمأساة العراقيين ويأكل قلوبهم الاسف وتعذبهم الحسرة للدماء التي نُزفت وتُنزف يوميا، لما مجدوا التي سفكا واعتبروا جزاريها ابطالا صناديدا، لما تغنوا بالمقاومة الشريفة وتغزلوا بمجرميها، لما بثوا افلام جرائمها بفضائياتهم ولما نشروا مقالات تمجدها وتدعمها في صحفهم ولما حرضوا الشباب العرباني الغافل على الالتحاق بها في فتاويهم.
لو ان بوش في نظر العربان محتلا وغازيا وسفاحا لما استقبلوه بالورود والحرير واقاموا لهم مهرجانات الاحتفال والولائم والعزائم الباذخة وحللوا له الاغاني والرقصات النجدية في جنادرية السعودية ولما رقصت له نسائهم وفتياتهم في اقطار الخليج التي زارها، لقد استقبلوه استقبالا مشابها لاستقبال اهل المدينة للنبي محمد ولم ينقصهم الا ان ينشدوا له
طلع البدرعلينا.
لقد كان العراق وما يزال سوقا لبضائع العربان والدول الاسلامية الرديئة الصنع او تلك التي لا تصلح للاستهلاك الادمي، والاكثر ضررا ان العراق كان وما يزال لحد ما سوقا لشعارات العربان القومية وتخاريفهم الاسلامية وساحة لمعارك هم اجبن من ان يخوضوها في بلدانهم وموضوعا ساخنا تتناوله بالباطل قلامهم
فهل تسمح الانظمة الشمولية وتجار الشعارات الاسلامية والقومية على غلق هذا السوق المدر للحليب والعسل.؟
هذه الحالة غير السوية حولت قسم من العراقيين الى مجرد متلقين، مشاركين سلبين، فهم وطيلة فترة حكم البعث الصدامي وسنوات الحروب الطويلة التي لم تنتهي بعد، كانوا مجرد وقود وموضوع استهلاكي، ردة فعل وليس فعل، حتى الذين غادروا العراق من مثقفين ومفكرين كممت الانظمة العربية افواههم وحبست المداد عن اقلامهم ولم تسمح لهم بالكلام الا حين يكونون ضمن كورس وجوقات طبالي وزماري الانظمة.
لايزال جمع من دلالي الثقافة والسياسة العراقيون الذين وجدوا سلعهم ستبور وتجارتهم ستكسد في العراق الجديد، لا زالوا يحلمون بعودة الماضي، فما كان منهم الا ان يجندوا انفسهم مرتزقة للانظمة يعتاشون على فتاتها وينفذون اجنداتها ويتبنون شعاراتها العربانية او الايرانية وحتى الطلبانية.
نتسائل الى متى يبقى السياسي العراقي رهينا لثقافة الزيف الاسلامية والعربانية.؟
الى متى يبقى المثقف العراقي مكبلا بقيود الشعارات القومية؟
الى متى يبقى العراق سوقا للافكار ولثقافات متكلسة متحجرة متصدئة؟
متى يستعيد العراقي جرأته و يسترجع وعيه السياسي الحقيقي ويحطم كل قيود الزيف والنفاق لبناء ثقافة حرة انسانية تمزق كل شرانق الخجل والعيب والخوف.؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تأييد ومباركة
الدكتور صادق الصراف ( 2008 / 12 / 22 - 20:56 )
لا يسعني ألا أن أُباركك يا مالوم على هذه المقالة الممتازة


2 - تأييد من القلب
محمد خليل عبد اللطيف ( 2008 / 12 / 23 - 00:07 )
تحية عراقية خالصة
الاستاذ ابو رغيف لااستطيع سوى ان اهنئك ياسيدي على هذا المقال الرائع...يعجز قلمي ان يكتب مديحا في مقال كهذا...ولكن هل سيفهمه من كان الحذاء ثقافته؟ شكرا لهذا الفكر الصافي


3 - تحياتي
ماجد ( 2008 / 12 / 23 - 03:46 )
السيد ابو رغيف مثقف عراقي اصيل لا يناور ولا ينافق ولايخرج لنا بعد شهور وسنوات ويقول كنت مخدوعا في الموقف الفلاني وينقلب 180 درجه انه عراقي وطني لايمدح الا الشعب العراقي تحيه لهذا القلم البار النظيف

اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن