الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إتجاهات السير في طابقي البنية العربية

سامي العباس

2008 / 12 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


في واحد من أهم النتائج على الأرض التي ولدها الحضور العسكري الأمريكي في العراق , نقله المفاعيل الخارجية إلى موقع الصدارة داخل الكوكتيل من العناصر المتحكمة بديالكتيك المنطقة.مما فاقم من تعميق الفجوة بين الخطاب الأيديولوجي المحلي المهيمن من جهة والشرط الإقتصادي –الإجتماعي الراهن لمجتمعات المنطقة من جهة ثانية ..ولكي لا أزحط باتجاه وضع البيض كله في سلة المؤامرة .فإنني أميل الى التفسير التالي .هناك مدرج من التفضيلات أمام صناع القرار الأمريكي –الإسرائيلي لإدارة مصالحهما المشتركة في المنطقة لا زالت تحتل أعلاه استراتيجية إعاقة نهوض المنطقة العربية –الإسلامية بواسطة إغراق النخب الحديثة فيها بهموم الأمن على حساب هموم التنمية ..في هذه الإستراتيجية من المكر ما يكفي للضغط على الفكر السياسي المتخفف من الدوغما على تنوع تجلياتها لكي يفتح ملف المؤامرة ,كمكون مهم من مكونات تشكيل المشهد الشرق أوسطي طيلة القرن الماضي ..وأنا أستخدم هذا المصطلح "الشرق الأوسط " بعد تجريده من المضامين المثيرة لحساسية الخطاب القومي العربي التي ولّدتها التوظيفات السياسية لهذا المصطلح من قبل الغرب عموما والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص ..آخذا بعين الإعتبار الكم الهائل من مشتركات الماضي والحاضر والمستقبل التي تحكمت و ستتحكم بالمصائر الجماعية للعرب والإيرانيين والأتراك في قادم الأيام ..
ولعل تعليق كامل المسؤولية على عاتق النخب الحديثة المحلية في الخطاب التفسيري لنهوض الإسلام السياسي, فيه الكثير من" الحوَل" الخَلقي أو المقصود..ذلك أن إبعاد الحرارة عن فتيل الجدلية الإقتصادية – الاجتماعية ظل –على الأقل منذ منتصف القرن الماضي "تاريخ انشاء دولة إسرائيل " يصب مياها في طاحونة الفئات المحلية المحافظة.مما يضوي على نحو أفضل وأشمل السيرة السسيولوجية لعسر الحداثة في المنطقة . للتوسع في هذه النقطة يراجع مقال لي على موقع الأوان بعنوان : عمق التأثيرات الإسرائيلية على جدلية المحيط العربي. ولعل الإصرار على وضع هذا السلوك السياسي للغرب عموما- والولايات المتحدة الأمريكية على نحو خاص- خارج خانة التآمر خلط من جانب الفكر السياسي , لحسن النية بالبلاهة .فقديما قيل :سوء النية من حسن الفطن ..
إن المتمعن في مارا كمه التحول الرأسمالي في البنية التحتية لمجتمعات المنطقة يصدمه التباين الصارخ بين مايجري تحت وما يجري فوق- وفق التقسيم الماركسي للبنية. إذ تتموضع الأزمة كما أراها في الطابق العلوي من البيت العربي .أي الطابق الذي تشير فيه أسهم التحولات الأيديولوجية بهذا الإتجاه : من ليبرالية فكر النهضة إلى القومية – الإشتراكية ,إلى الإسلام السياسي .فيما تشير الأسهم في الطابق الأرضي بالاتجاه المعاكس : من الخلطة الخراجية –الإقطاعية إلى الرأسمالية بصيغتيها :الأرسوذكسية أو المهرطقة "رأسمالية الدولة "...مقطع التحولات في الطابقين هو القرن العشرين ..
قد يقول قائل أن الهيمنة الأيديولوجية للأفكار الليبرالية ومن ثم للقومية –الإشتراكية لم تكن بهذا الوضوح الذي نتحدث عنه .وهذا صحيح إذا كان المقصود بالهيمنة عامة الشعب .ولكن من يقول أن الليبرالية المهيمنة في الهند المعاصرة أصبحت ديانة الجماهير الهندية .أشير بالهيمنة فقط للسمات الغالبة على الفضاء العقلي للنخبة المسيطرة هنا أو هناك . بهذا المعنى يصح كلامنا عن تبديل النخب العربية لعقائدها الفكرية : من الليبرالية إلى القومية –الإشتراكية إلى الإسلام السياسي..
خلف هذه المفارقة بين طابقي البنية العربية , لاتقف صفات ثقافية فوق تاريخية دأبت على منحها للدين الإسلامي أدبيات محلية أو استشراقية .بل تقف في جملة من يقف خلف هذه المفارقة : جرعة زائدة من التدخل الغربي استدعاه تراكم استثنائي للميزات الجيوبوتيكية والنفطية في الحوض الشرق أوسطي .. لاتواجه الحداثة في المنطقة بممانعة محلية فقط , بل وأيضا بموقف خارجي منشط لهذه الممانعة بصيغ و بأشكال تتدرج من الفظ العلني والمباشر "الموقف من محمد على وعبد الناصر على سبيل المثال" إلى المركّب والمخاتل وغير المباشر "كالتحفيز المتعدد الوسائل في المرحلة الراهنة للإسلام السياسي ,رهاناًعلى تشققاته المذهبية وخبرته التاريخية"كأيديولوجيا " في لجم الجدلية الإقتصادية –الإجتماعية عن العمل ". إنظر على سبيل المثال حراسته لحالة استنقاع المجتمعات الإسلامية داخل نمط الإنتاج الخراجي حتى مطلع القرن الماضي "..وعند هذه النقطة يستحسن التوقف لتفحص الأدبيات التي ينتجها الإسلام السياسي الراهن للتأكد من مطابقة منطوقها الإقتصادي-الإجتماعي لنمط الإنتاج الخراجي .فالفضاء العقلي الذي تحدد تخومه هذه الأدبيات لاتفيض عن تجربة القبائل الرعوية المعتنقة للدين الإسلامي في حركتها لإنشاء هذه الإمبراطورية الخراجية أو تلك .فالجزية والخراج وضريبة الرأس والمكوس وملك اليمين ..إلخ التي تفرقع مفرداتها داخل النصوص التراثية وأدبيات الإسلام السياسي كما تفرقع حبوب الذرة في المقلاة, كافية لتفقأ عين من لا يراها .
لقد أدت الغزوة الأمريكية للعراق في واقع الحال إلى إعادة خلط للأوراق داخل وعي الفئات الحديثة . بعد أن باشرت هذه الفئات - عقب الزلزال السوفييتي - تفحصاً نقدياً لمنابع وعيها . ولأشكال تمثلها لهذه المنابع .وآل إصطفافها السياسي تحت الشروط التي ولدتها النزعة التوسعية للإدارة الأمريكية الأخيرة إلى ذوبان التخوم الأيديولوجية بينها وبين الفئات المحافظة في مجتمعاتنا , لمصلحة الأخيرة .و التي وجدت في إعادة إنتاج إسلام "جهادي " فرصتها لإستعادة زمام المبادرة الذي فقدته لصالح النخبتين الحديثتين : الليبرالية والإشتراكية على التوالي طيلة قرن التحول الرأسمالي الذي استهلكته مجتمعات المنطقة .. لقد زجت إدارة بوش الفئات الحديثة المحلية في محنة الإلتحاق الذيلي بأحد رايتي :بوش/إبن لادن .. وقادت الوتيرة العالية للمجريات بعد -11-أيلول-2001إلى إعاقة تبلور خيار ثالث,سواء على مستوى النخب الحاكمة أو على مستوى القاعدة الاجتماعية الأوسع للحداثة ..ونشهد ذلك على سبيل المثال في حالة الإرباك التي يعيشها النظام السياسي العربي على تنوع مواقع مكوناته داخل خط الحداثة ..لا يمكن وضع السلوك الأمريكي في العراق تحت خانة الأخطاء,كما تحاول هذا أقلام "ليبرالية" فواحة بغير ذلك .بل في خانة الدهاء الإستراتيجي الذي استدعاه سوء حظنا في كوننا السهم الأخير في الجعبة الأمريكية للبقاء على قمة العالم ..












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز