الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعلان حقوق الإنسان في عامه الستين

رابحة الزيرة

2008 / 12 / 25
حقوق الانسان


لا تنفك صديقتي السمينة جداً عن سؤالي في كل مرّة ألتقيها عمّا إذا لاحظتُ عليها فقدان بعض من كيلوات الشحم الزائدة التي تعاني منها وتتمنى أن أقول لها – ولو مجاملة - أنها تبدو أكثر نحافة ورشاقة ولو لمرة واحدة؛ كنت أُحرج كثيراً إذ لم يكن جوابي لها بالإيجاب في معظم الأحوال، ولكن مراعاة لمشاعرها، ولكي لا أسبب لها إحباطاً فتعزف عن الرياضة كليّاً، كنت دائماً أحاول أن أغير بؤرة اهتمامها بسؤالها: "تصوّري لو لم تواظبي على الرياضة لربما كنت مصابة بأمراض مزمنة كالسكري وضغط الدم وهشاشة العظام، فالتمارين التي تؤدينها تساهم في عدم تدهور حالتك وإن لم تساعد كثيراً في تخفيف وزنك"، مع علمي أنها لو عملت بهمّة أكبر فسوف يخفّ وزنها حتماً.

تذكّرت صديقتي السمينة تلك وأنا أتابع وسائل الإعلام وما تنشره من تقارير وأخبار بمناسبة مرور ستين عاماً على إعلان مبادئ حقوق الإنسان الدولية، فتتابع أمامي صور لانتهاكات حقوق الإنسان لا أوّل لها ولا آخر؛ ففلسطين، وشيوخها، وأطفالها، وأشجار زيتونها، وبيوت ساكنيها المغصوبة، وتلك المحروقة، وقدسها، وأقصاها، وجدار العزل العنصري، ومخيّمات مشرّديها، وغزة وظلامها، وجوع أهلها، ومعاناة مرضاها، وحرمانهم من أدنى حقوق الكرامة الإنسانية، فأين مواثيق حقوق الإنسان إذاً؟

ثم تبعتها صور زيمبابوي ومرضى الكوليرا، والأطفال الأبرياء الذين يشربون من مياه ملوّثة فيها حتفهم ليدفعوا ضريبة الخلافات السياسية بين المعارضة والحكومة، ويُستخدموا من قبل الدول الأوروبية كأداة ضغط رخيصة بهدف الإطاحة برئيسهم قبل علاج المرض الذي يفتك بمن لا ذنب لهم؛ لم قُلب سلّم الأولويات في عالم تحكمه مواثيق حقوق الإنساني ستّين عاماً، ألا يمكن أن يُنظر إلى القضايا الإنسانية بعيداً عن موازين الربح والخسارة السياسيين؟

وتزاحمت فيما بين هاتين الصورتين صور مآسي الاحتلال الأمريكي في العراق، وأفغانستان، والعنف المنتشر في العالم باسم محاربة الإرهاب، وضحايا الاستبداد السياسي، والتطرّف الديني، وامتلاء السجون بسجناء الرأي، وكلّ أنواع هدر الكرامة الإنسانية من اعتداء على الأطفال، والاتجار بهم، وبالنساء، والأعضاء، ومن حروب أهلية، ومجازر طائفية، وتصفيات عرقية، وما لا يخطر على بالٍ من جرائم يشيب لها الرأس في شرق الأرض وغربها، فماذا لو لم تُعلن مواثيق حقوق الإنسان قبل ستّين عاما؟

طالبت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية زعماء العالم الاعتذار عن ستة عقود من فشلهم في إعطاء الناس حقوقهم الأساسية كالحرية، والعدل، والمساواة، وحرية التعبير، وحفظ الكرامة الإنسانية لشعوبهم، واعتبرت أنّ الإعلان الذي تبنّته الأمم المتّحدة قبل ستين عاماً أصبح مجرد وعود مخروقة تُعطى للملايين من الناس مع غياب تام لإرادة سياسية تلتزم بتطبيق بنوده، وخاصة بعد ما فشلت الحكومات الغربية ذاتها وعلى رأسها الإدارة الأمريكية في احترام تلك المبادئ التي تطالب الآخرين باتّباعها.

كاد التشاؤم يغلبني، فقلت لنفسي ما كنت أقوله لصديقتي السمينة تشجيعاً لها على الاستمرار في أداء تمارينها الرياضية كي لا تيأس رغم ترهّلها جسدياً، فمع العلم أنّ العالم تراكمت عليه شحوم الفقر، والجوع، والبطالة، والفساد، والظلم، والعدوان، والسرقة، والتمييز، وسوء الإدارة، وهو بلا شك يعاني من أمراض القلب، وضغط الدم، والسكري، والقروح، والتليّف، والأورام وغيرها من أمراض العصر إلاّ أنه لو لم تكن تلك المواثيق، ولولا وجود بعض المنظمات الحقوقية الجادّة في الدفاع عن حقوق الناس، وتلك البيئية الداعية للمحافظة على ثروات الأرض، ولحفظ التوازن فيها، لا يمكننا أن نتخيّل كيف سيكون حال العالم اليوم.

خيراً فعلت حين أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2009 سنةً دوليّة للتعلّم في مجال حقوق الإنسان، ولعلّه بعد مضي ستين عاماً تنبّه المهتمون بهذا الشأن أنه لا جدوى من توقيع الحكومات على مواثيق حقوق الإنسان طالما الناس أنفسهم – أصحاب الحق – يجهلون حقوقهم، فبم سيطالبون؟ وكيف؟

في السنة الدولية للتعلّم في مجال حقوق الإنسان لابد لمكاتب الأمم المتحدة المنتشرة في أنحاء العالم – كي تمنع تدهور حال العالم في مجال حقوق الإنسان وتحافظ على شيء من مصداقيتها – أن تتبنّى أنشطة تهدف إلى توسيع نطاق التعلّم في مجال حقوق الإنسان وتعميقه على أساس مبادئ العالمية، والحياد، والموضوعية، واللاانتقائية، والتصدّي لقضايا الجوع والمرض والحرمان، وفقدان الحريات الأساسية، قبل أن تُعلن شعوب العالم المستضعف موتها سريرياً وينفضوا أيديهم منها ويشرعوا في المطالبة بحقوقهم الطبيعية بأساليبهم الخاصة قد تكون بدايتها ثورة الجياع والمسحوقين ولا أحد يعلم أين ستكون نهايتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في


.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال




.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال


.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار




.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم