الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستلهم الاوجاع وحكواتي الامتاع

ضمد كاظم وسمي

2008 / 12 / 25
الادب والفن


فؤاد التكرلي : فنان يتمعن في اسرار الجمال
وسارد يراهن على فجيعة الابطال
لقد واضب التكرلي على الابداع ومقاربة الحياة بفرادة عبقري وتحسس امتاعي من يوم حبوه في عالم الكتابة.. الى يوم رحيله .. وبطريقة ذات ملامح خاصة وسحنات مائزة ، يظنه البعض عالماً يسكنه الغموض ..ويلفه سور الغرابة ليعتاش على شاكلة الاكتفاء الذاتي ، بيد اننا اذا ماعرفنا ان ثمة تياراً انسانياً ينضج رؤاه الابداعية .. ويمد طقوسه الالهامية برشاقة لغة واحكام بناء واتقان صنعة ، صرنا الى القول : ان تلك الظنون تنشغل بعالم التكرلي الخاص دون ان ترى الى رقيه على هامات التجربة الانسانية الخلاقة ، الامر الذي جعل ادب التكرلي يحفل دائماً باستجابة طيبة من المتلقي .. ويبعث على تحليلات ايجابية من لدن النقاد والادباء والمفكرين .. مما يساعد كثيراً على طراوة نصوصه القصصية ونداوة فضاءات هواجس شخوص رواياته ، فضلاً عن مقاربات حكواتية في حوارات تقريرية ، واخرى ضميمة نظرات متعالية ذات خطرات فلسفية . ومع ذلك كله فان ادبه لم يسع قط الى صدم ذائقة القارئ .. ولم يقصد الى ادهاشه بقوة توكّؤاً على فخاخ واحابيل اغوائية .
كانت قصصه ورواياته تنقر بقدرة ثاقبة في تقاسيم بواطن من روح واحاسيس ومشاعر ، مثلما تخلق ذهنا متوهجا يحايث وجه الحياة القاطب ويلاصق جلد الواقع الفج ، مستحضرا سؤال لغز الوجود واستمراره رغم اعتمال العدم فيه بلا هوادة ! .. متوغلا بجرأة وولع في كوامن شخوص تلك الروايات ، مستجلبا نوازعها ورغباتها وهي تستمريء احباطاتها التي تشي بحيرة ازلية تغشى روح الذات العراقية .. (( وهذا يفسر لنا سر اعجاب التكرلي بالنماذج الانسانية التي تعاني شرخا اخلاقيا كما يفسر سبب الحاجة الى نبش الاعماق المظلمة للشخصية الانسانية والتركيز على مشاهد القسوة والعنف واللاانسانية )) .
عمل التكرلي قاضيا حكوميا لفترة ليست قصيرة اكسبته خبرة دقيقة ولكنها واسعة بالمجتمع العراقي وهمومه وتناقضاته ومعرفة اصيله باتجاهاته وسلمه الطبقي والاجتماعي وملامح افراده وكل ذلك انعكس على شخوص قصصه ورواياته ليكون شاهد عصره على تقلبات ذلك المجتمع وتاريخه المائج في سيرورته بين الاوجاع والمسرات .. بين الوفاء والغدر بين الامانة والجناية .. ولعله قد افاد كثيرا من مرافعاته القضائية كخزين كبير من تجارب مجتمعية نابضة . وبذلك صار للحدث الاجتماعي ببعده السياسي ربما المضمر معجونا باليات الحداثة الوافدة اثره الواضح في ادبيات التكرلي الذي عد احد اهم حملة التحديث السردي في العراق .
حاول التكرلي ان يترجم للذات العراقية التي تلتهب عاطفة وتتقوقع تعصبا وتتشظى تطرفا وتتكلس فكرا وهي تتغيا التحضر .. وقد جهد نفسه لفضح تناقضاتها من خلال اعتماله في تدقيق مطمراتها العاملة بقوة ولكن بسرانية رهيبة .. حتى اتهم بالتعاطف مع امالها المحبطة وهو امر يصعب التسليم به . لان التكرلي لم يتحدث عن وقائع واحداث جامدة .. ولم يرد لها ان تكتب كما يشتهي المجتمع او الحاكم كما انه لم يضعها في سلة التاريخ التبجيلي .. انما اراد ان تكون واقعية تقال بملامح وقسمات وسحنات فيها الحسن واكثرها القبيح .. فيها القليل من المسرات وكثير من الالام يقول برشت : (( ليس الفنان من يتحدث عن الواقعية فقط ، بل الذي يتحدث عن واقعية يجب ان تقال ! والا فان القول بان ( هذا الكرسي مصنوع من الحديد ) واقعية ايضا ، ولكنها واقعية لامعنى لها لان تقال ! . )) ..
يمكن القول ان ابداع التكرلي زمكانيا يمثل ذاكرة بغداد الهائمة في ازقة النصف الثاني من القرن العشرين .. وكانه يريد لهذه المدينة الحبيبة التي رحل التكرلي وهو يبادلها وجعا بوجع .. وجع شيخوخته وموته بوجع اشلائها التي تتناهبها انياب الاغراب والاقراب على حد سواء ، ان تكون باشلائها الممزقة دروبا وممرات يطاها ويصول بين نخيلها الباسق وعلى ضفاف نهرها الخالد .. فرسان الف ليلة وليلة وغوانيها وخيالاتها الاسرة .. لعله يعيد الحياة لبعض جسدها القاني .
لقد كان فؤاد التكرلي ظنين الانتاج لكنه جواد الابداع .. بل يعد واحدا من اهم رواد القصة القصيرة في العراق فضلا على كونه من المثقفين الاساسين في ريادة الحداثة وادخال الياتها في هذا الجنس الادبي لذا عد التكرلي من المجددين في القصة العراقية القصيرة متمعنا ومتعمقا في اسرار الجمال في الفن .. ينزع الى الروح الانسانية المستوحاة من الجو المحلي والشعبي .
في مجموعته القصصية الاولى ( الوجه الاخر ) رسم التكرلي شخصية المثقف الذي تنتابه الحيرة وتسكنه اسئلة الواقع والوهم .. عاملا ازميله في واقع النفسية العراقية باسلوب متناغم مع اذواق القراء .. مثيرا لاعجاب النقاد .. ثم عبر الى شاطىء الدراية من خلال الرواية كما في ( خاتم الرمل ) و ( الرجع البعيد ) و ( المسارات والاوجاع ) بحثا عن الاجابات التي لاتكتمل لانها ليست من مهمة الاديب الاريب . ففي روايته ( الرجع البعيد ) ينجز التكرلي حبكة راقية على اساس بناء فني ناجح تشوبه مقاربة واقعية – حوارات بالعامية احيانا – للكشف سايكولوجيا عما تتبرقع به شخوص الرواية في عملية تحليل لتلك الشخوص وصولا الى حقيقة اوجاع المجتمع العراقي الممتحن .
يقول القاص محمد خضير : (( اصغى الراحل – التكرلي – الى همسات الواقع المبهمة وحولها الى لهجة مفهومة على لسان رجل الشارع علاوة على ان ثيماته قد انبثقت من اغتراب الفئات الوسطى التي همشها الصراع على السلطة )) .
تميز التكرلي بشحة الكلام وهدوء الطبع مع ميل نحو الانطوائية وعدم حب الظهور في وسائل الاعلام .. وعرف عنه الوداعة والنزاهة والتطلع الى العيش مع الاخرين بسلام .. بخلاف شخصيات قصصته التي تتضور جوعا جنسيا وتضخ ضخبا عنفيا .. وتحلم متمردة بغايات لم تر النور ابدا . لان الفقر والحرمان والجهل والقيود النفسية والقيمية والمجتمعية واللاهوتية والظروف البيئية كلها تعمل بخلاف امال وطموحات هذه الشخوص التي تروم اهدافها من خلال تدمير ذواتها !! .
اما عن اهدافه من الكتابة فان فؤاد التكرلي يقول : -
(( انا اكتب لاني اكتب ، اما الاهداف التي اردت ايصالها للقاريء ، فهي ليست اهدافا تعليمية ولا سياسية ولاتربوية ، ومن الصعوبة ان نقول عنها انها فلسفية ، كما بودي ان يتمتع القاريء اولا ، وان يعي عن طريق المتعة ان امكن – بعض الامور اعتبرها جوهرية في الحياة .. هذا هو كل شيء )) .
وهذه لعمري غاية المبدع الحق .. الذي يستذكر اوجاعه واوجاع مجايليه من ابناء جلدته ويوظفها فنا خلابا يستحضر الصور التي تسر الناظرين ، وتناغي ارواحهم فتزودهم بمتع معنوية هائلة تكشف عوار واقعهم املا في استنهاض وعيهم وتحريره من رطانة الواقع .. ووضعه على مفترق مسارب .. قد يفضي بعضها الى التحرر والتغيير وهذا حسب الانسان الشرقي المكبل بقيود الانا والاخر منذ ادم الادميين الاول .. حتى يوم الناس هذا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي