الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// الاسس المادية للثورة التحديثية في المغرب -تتمة -

بلكميمي محمد

2008 / 12 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


« ماهي الاسباب التي جعلت من المغرب ، وهو البلد الزراعي حسب المعايير الاقتصادية – الاجتماعية ، يصبح عاجزا حتى عن انتاج ما يكفي لتغذية مواطنيه ؟ .
لماذا ظل المغرب ، رغم امكانياته البشرية وثرواته المعدنية ومحيطاته الشاسعة ، عاجزا عن ان يكون بلدا صناعيا ؟
لماذا لم يجد المغرب المثقل بالديون الخارجية من مخرج لازمته المالية سوى التنازل عن السيادة الوطنية لصندوق النقد الدولي الذي اصبح المتحكم في رسم السياسة الاقتصادية للبلاد ؟ .
هل مرد هذا التخلف المجتمعي الشامل الى عجز بنيوي في نفوس وعقول واجسام المغاربة ، بما هم ذوات مشلولة الفكر والفعل والارادة ؟ .» ام يعود لاسباب اخرى ؟.

تشكل الارستقراطية القبلية :
في التطور التاريخي للمجتمع المغربي ، يجب اعتبار منطقتين جغرافيتين متميزتين ، رغم تشابههما البنيوي وتداخلهما السياسي في هذه الفترة او تلك من فترات التاريخ هاتان المنطقتان هما :
1) المنطقة الخاضعة للسلطة السياسية المخزنية .
2) المنطقة المستقلة عنها نسبيا "السائبة".

1) المنطقة الاولى : لما تم الفتح العربي – الاسلامي للمغرب ، كان اول اجراء حقوقي مهم تحدثه السلطة الجديدة ، يتعلق بنظام الملكية العقارية في البادية ، ان هذه الملكية التي كانت قبل الفتح توحد بين ركنيها الاساسيين ، أي بين حق التملك الفعلي للارض وحق " التصرف والانتفاع " بالغلة المستخرجة منها . ستعمل بعد الفتح على الفصل بينهما . بهذا الاجراء سيتم تفويت الحق الاول " للامة الاسلامية " في شخص الامير ( مما سيمنحه سلطة دائمة على جميع الاراضي ) مع الاحتفاظ بالحق الثاني للفلاحين .
ان هذا الاجراء الحقوقي الذي يحرم اذن الملكية الخاصة ( من خلال ضرب الملكية الجماعية للقبيلة ) كان في نفس الوقت يشكل غطاءا ايديولوجيا لخدمة ثلاث اغراض سياسية رئيسية هي :
1- حق انتزاع الضريبة من الفلاحين العاملين في "ارض الامير " -- 2- حق تشكيل ممتلكات عقارية خاصة بالدولة –3- حق اقتطاع بعض الاراضي من ممتلكات الدولة لمنحها لبعض المواطنين الكبار ( بشكل مؤقت وغير وراثي ).
ان ضريبة الخراج ، وهي الضريبة المفروضة على الفلاحين ، كانت شديدة الوطئ بسبب ارتفاعها الكبير ، غير انها من ناحية اخرى كانت مجرد ضريبة شخصية قائمة على التمييز بين الاشخاص ، وليست واقعية تقوم على القانون العقاري المؤسس ، فالذين كانوا يدفعونها هم فقط الاشخاص غير المسلمين بعد اعلان ملكية الارض ملكية للامة ، ومقابل السماح لهم باستغلالها بحرية وحسب اعرافهم وتقاليدهم في الانتاج .
في عهد الدولة الاموية ، ستشتد وثيرة المعتنقين للاسلام مما سينجم عنه تضاؤل في الموارد المالية اصبح يهدد خزينة الدولة ، ولتطويق هذا الخطر ، ستضطر الدولة الاموية للقيام بتعديل جبائي كانت له اهمية تاريخية بالغة ، اذ سيتم اعتبار اراضي الخراج ابتداءا من تاريخ التعديل ، اراضي للخراج بشكل نهائي مهما كانت العقيدة الدينية لاصحابها .
ان النظام العقاري الذي ادخله الاسلام قد ساهم في اعادة تطور شروط الانتاج من ناحيتين ، الناحية الاولى لكونه حرم الملكية الخاصة ( اعلان ملكية الارض ملكية عليا للامة ) ، والناحية االثانية لكون الخراج المجحف لايسمح للفلاح المنتج بالحفاظ على أي مقدار من الفائض الزراعي للاستعانة به في تطوير وسائل الانتاج .
من هنا كان مثلا القائد المخزني الذي يتم تعيينه على بعض المناطق ، يفتقد الى الشرعية القانونية التي تسمح له بالتحول الى اقطاعي . طبعا ان مجرد تحمل مسؤولية الوظيفة المخزنية ، هو في حد ذاته يمنحه العديد من الا متيازات المادية ، ، فلكي يتمكن من نشر هيبة السلطة التي يمثله ، كان مفروضا عليه ان يكون هو نفسه مهابا ، ولكي يكون كذلك لابد لنمط عيشه وسكناه واستهلاكه ان يتسم بنوع من الجاه والبذخ ، الشيء الذي لن يتاتى بدون امتلاك الاراضي واستغلال الفلاحين ، والاراضي التي قد تمنحها له الدولة على شكل اقطاعات لاتكفي ، بل قد يستخدمها فقط كدعم لتوسعه العقاري ، ليس غريبا اذن اذا ما اصبح القواد المخزنيون اسياد ارض منذ ذلك العهد ، وليس غريبا ايضا ان يتحول الفلاحون الى اقنان ( العمل بالسخرة ، نظام الخماسين . .).
بيد ان نقطة ضعف ذلك النظام الاساسية التي كانت تعيق تطوره ، هي افتقاده لشروط الاستقرار والرسوخ . فالقائد المخزني كان في العديد من الحالات شخصا اجنبيا عن المنطقة ، لقد كانت السلطة المخزنية تختار واحدا من ضباط جيشها او من رجال ادارتها او من طلبتها الاكفاء ، فتنصبه ممثلا لها في المنطقة الاستراتيجية اقتصاديا وسياسيا التي تريد بسط نفوذها عليها .
لذلك كان القائد المخزني في هذه الحالة ، يستمد كل سلطته من سلطة المؤسسة المخزنية .
ومادامت هذه المؤسسة تملك قانونيا حق الملكية العليا للارض ، وسياسيا قادرة على اقالته وتغييره متى شاءت وكيفما شاءت ، فان املاك القائد المخزني تبقى بالتالي معرضة للتصفية في أي وقت ( يشير احمد التوفيق – بشيئ من التفصيل الى بعض نماذج القواد المخزنيين في منطقة دمنات ).
2- المنطقة " السائبة " : اذا كانت للمناطق المخزنية ضوابطها القانونية - السياسية المعيقة لتحول اسياد الارض المخزنيين الى اقطاع فعلي ، فان المناطق "السائبة " هي الاخرى كانت لها ضوابطها الخاصة . هذه الضوابط هي " التحالفات القبلية " المتوازنة ، المستندة للاسرة الابوية .
ان اول واهم اكتشاف للبنية الداخلية للقبيلة المغربية ، يرجع الفضل فيه الى عالم الاجتماع الفرنسي روبير مونطانيه في كتابه حول " المخزن وبرابرة الجنوب " . واذا كانت افكار ونظريات المؤلف المعروضة في الكتاب، تحركها اغراض استعمارية كولونيالية واضحة ( صدر الكتاب في مطلع العشرينات ، أي ايام اشتداد الضغط العسكري الفرنسي لاخضاع البادية المغربية ) ، فان تلك الاغراض في حد ذاتها لاتمس القيمة العلمية للكتاب . بل بالعكس فان هذا الكتاب الذي كان ضباط الجيش الفرنسي يسمونه "انجيلهم الخاص " (" المغرب في مواجهة الامبرياليات "، شارل اندري جوليان – بالفرنسية - ) ، كان قد سلحهم بالمعرفة النظرية التي استفادوا منها في تعميق التناقضات وشل التحالفات داخل البناء القبلي من اجل هزمه عسكريا والسيطرة عليه سياسيا .
ان جوهر اكتشاف الكاتب الفرنسي يتمحور حول نظرية " اللف القبلي " . واللف هو الاطار التحالفي المتوازن داخل القبيلة . فالقبيلة المكونة من مجموعة من- تاقبيلت - ، أي مجموعة من الدول الصغرى ، تحرص على ان تنقسم على نفسها تلقائيا بشكل يتم فيه توزيع "الدول الصغرى" بين معسكرين متعارضين لكن متكافئين من حيث القوة .
ان هذا التحالف السياسي التاقبيلتي المتوازن على صعيد القبيلة ، يسمح اذن في شروط المجتمع القبلي المغلق الذي تمثل فيه الاسرة الابوية وحدة انتاجه الاساسية القائمة على الكفاف . . . يسمح بالاستمرارية والاستقرار والركود ( يؤكد مونطانيه بان ذلك الركود دام قرونا كاملة ، ولم يدخل النظام القبلي في صيرورة التفكك الا في القرن التاسع عشر ).
فالتحالفات القبلية المتوازنة التي كانت تعكس سياسيا ، في لحظة من لحظات التاريخ ، القاعدة الانتاجية المجسدة في الاسرة الابوية ، ستلعب فيما بعد دور المحافظ على استمرارية تلك الوحدة الانتاجية الاساسية.
ان هذه التحالفات لم تتعرض للانهيار الا حينما انهارت الاسرة الابوية – دعامتها المادية - نتيجة غزو البضاعة الراسمالية للبادية المغربية في منتصف القرن التاسع عشر .
تحت الضغط الاقتصادي الراسمالي ، سينقسم المجتمع القبلي على نفسه بين الاسر الصغيرة المتساقطة واسر الاعيان الكبيرة الصاعدة . هكذا سيتمخض عن رئيس لمجلس تاقبيلت المنتخب " امغار " مستبد ، في مرحلة اولى ، ثم في مرحلة ثانية زعيم كبير واسع النفوذ ، ثم في مرحلة لاحقة سيتحول ذلك الزعيم الى قائد مخزني بفعل التزكية المخزنية له ( مونطانيه – المصدر السابق -) .
هنا نجد اذن صنفا اخر للقائد المخزني . فاذا كان الصنف الاول يتميز بكونه اجنبيا عن المنطقة ، ولايستمد مفوذه الا من السلطة المركزية التي عينته . فبالعكس ، ان الصنف الثاني يستمد نفوذه من ثرواته واصوله الارستقراطية المحلية ، بحيث ان دور السلطة المخزنية هنا لا يتعدى حدود المصادقة والتزكية ( يذكر احمد التوفيق – المصدر السابق – مثالا للصنف الاول ، القائد : علي او حدو ، وكامثلة للصنف الثاني : الكلاوي والكندافي والمتوكي .
ان الملاحظة التي يجب تسجيلها في هذا السياق ، هي ان الزعيم القبلي الكبير ما كان له ليقبل التعاون من السلطة المخزنية لو لا حاجته اليها من اجل الحماية العسكرية . فاذا كان قد استطاع الاستحواذ على بعض الممتلكات العقارية ، فانه سيبقى عاجزا عن خلق القوة العسكرية المحلية اللازمة لحمايتها . ان انخراطه في المؤسسة المخزنية يسمح له اذن بحل هذا المشكل عن طريق وضع الحامية العسكرية للسلطان تحت تصرفه ( تجدر الاشارة بهذا الصدد الى ان صيرورة تشكل هذا الصنف من اسياد الارض المغاربة ، تختلف عن مثيلتها في التجارب الاوربية الكلاسيكية . في المغرب كان المنطلق اقتصاديا : فجمع الثروة يولد الحاجة الى الحماية العسكرية ، التي يتم البحث عنها وايجادها لدى السلطة المخزنية ، بينما العكس هو الحاصل في اوربا : فالمجتمع الاقطاعي كان في منطلقه ، مقسما الى "طبقتين " متخصصتين واحدة في الانتاج ( الفلاحون ) ، والاخرى في الحروب ( النبلاء ) .
ان احتكار النبلاء لوسائل الحرب واتقان ممارستها هو الذي سيسمح لهم بالاستحواذ على الاراضي وتحويل الفلاحين الى اقنان . وفي مرحلة متطورة من النظام الاقطاعي عندما ظهرت الدولة المركزية ببيروقراطيتها وجيشها النظامي ، ستصبح الوظيفة الحربية للنبلاء زائدة مما سيجعلهم يحولون نشاطهم الحربي القديم الى هواية لصيد الحيوانات ووحوش الغابة ) .
خلاصة القول ، ان اسياد الارض المغاربة لم يكونوا في نهاية القرن ، قد تجاوزوا في تطورهم العقاري مستوى الارستقراطية القبلية . ان هذا التجاوز لم يتحقق فعليا الا في مرحلة الاستعمار الكولونيالي المباشر .

في العدد المقبل

تحول الارستقراطية القبلية الى اقطاع تحت الرعاية الاستعمارية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينية تشاهد قوات الاحتلال تهدم مساكن عائلتها بوادي الخليل


.. نازحة فلسطينية تتكفل بطفل فقد والديه في قصف إسرائيلي جنوب قط




.. من زورق لخفر السواحل الجيبوتي.. مراسل الجزيرة يرصد الأوضاع ف


.. معاناة نساء غزة بسبب الحرب




.. منديل أول اتفاق لنادي برشلونة لضم ميسي في مزاد علني بأكثر من